Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

عجاقة: الغاز والنفط الموجودان في لبنان يقدران بـ 1700 مليار دولار حسب المسح «السيسمي»

نعيم محمد

أكد الخبير الاقتصادي اللبناني جاسم عجاقة ان كميات الغاز والنفط الموجودة مقابل الشواطئ اللبنانية هائلة، وتقدر قيمتها بحوالي 1700 مليار دولار، وهي تنقسم حسب المسح السيسمي الى 1689 مليون برميل نفط، و 122378 بليون قدم مكعب غاز، و1689 مليون برميل غاز سائل، مشيراً، من ناحية ثانية، الى ان وضع الدين اللبناني سيء جداً، ووصل الى مستوى تاريخي أو 57 مليارا دولارا في نهاية العام 2012، لذلك يمكن ان يصل الى 86 مليار دولار في نهاية العام 2017 في ظل غياب أي اصلاحات في الاقتصاد اللبناني   وقال عجاقة في حديث خاص لـ النهار: اقرار سلسلة الرتب والرواتب سيشكل كارثة على الاقتصاد اللبناني، خاصة وان عملية ضخ 3000 مليار ليرة (كلفة السلسلة) في الاقتصاد ستكون كارثية على الليرة اللبنانية من ناحية التضخم التي ستخلفه، وهو أشبه بدواء يجب أخذه خلال أسبوع في حين أننا نأخذه في نهار واحد. أنا أؤيد مطالب الهيئات النقابية والعمالية، لكن معالجة المشكلة لا تكون عن طريق زيادة الأجور، وبالتالي فان اصرار الهيئات هو انتحار، مضيفاً ان الحل يكمن بتقسيط السلسلة، وزيادة الانفاق الاستثماري في عدد من القطاعات، والتشدد في جباية الضرائب والفواتير التي توازي 3 مليارات دولار، وتحفيز القطاع الخاص، واعتماد خطط تقشفية في الانفاق ووقف هدر المال العام، ووضع موازنات واقعية.

وأشار عجاقة الى ان واقع الاستثمار في لبنان تعيس جداً، خاصة وان الوضعين الأمني والسياسي أديا الى هروب المستثمرين اللبنانيين والعرب الى أربيل (العراق) وتركيا، لذلك فان عودة المستثمرين العرب يعتبر أمراً أساسياً لدعم ميزان المدفوعات وتحفيز النمو وفي ما يلي نص الحوار كاملاً:

هل صحيح ان الاقتصاد اللبناني لن يعيش أزمة ركود أو انكماش فعلي أو كساد في العام 2013؟

هذا السؤال تفاؤلي وأنا لا أشارك هذا الرأي. أما الأسباب فتعود الى عوامل اقتصادية بحتة، والى أسباب سياسية وأمنية يتخبط بها لبنان والمنطقة. لايوجد أية عوامل مشجعة تؤشر الى تحسن الوضع الاقتصادي اللبناني في 2013 و2014، لكن أتمنى حصول العكس.

لكن البنك الدولي أصدر تقريراً حول الآفاق الاقتصادية العالمية 2013 توقع فيه تعافي الاقتصاد اللبناني تدريجياً لتصل نسبة النمو الى 3,8 في المئة بين عامي 2013 و2014. كيف تقيم هذا التقرير؟ وكيف يمكن تحفيز النمو؟

ان المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تصدر وبشكل مستمر توقعات ايجابية للنمو في لبنان، لكن وللأسف أثبت التاريخ ان هذه التوقعات لم تتحقق في الماضي وذلك للأسباب التالية:أولاً، ان الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد ريعي يعتمد بنسبة مهمة على الأموال التي يرسلها المغتربون. وبسبب ألازمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاديات المتطورة في العام 2008 وأزمة الديون السيادية، ارتفعت نسبة البطالة في العالم المتطور، وبالتالي انعكست سلباً على المغتربين اللبنانيين، مما يعني انخفاض نسبة الأموال المرسلة من قبلهم الى لبنان. هذه الأموال شكلت في السنوات الماضية ما نسبته 25 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي (15 في المئة كانت تأتي من المغتربين في دول الخليج). مع ضعف توقعات النمو للاقتصاد العالمي، بحسب البنك الدولي، لا نعرف كيف يمكن لهذا المكون المهم للناتج المحلي الاجمالي ان يتحسن في 2013؟ ثانياً، بنية الاقتصاد اللبناني الذي يعتمد بشكل رئيسي على قطاع الخدمات.

الجميع يعرف أهمية الاستقرار السياسي والأمني في انتاجية قطاع الخدمات التي تقل مع زيادة التوتر السياسي والأمني، ولا يخفى على أحد وضع لبنان من ناحية الانشقاق السياسي الحاد الذي شل البلد. أما من ناحية الأمن، فنرى الأحداث الأمنية تتجول في مختلف المناطق، فكيف يمكن للاقتصاد ان ينمو ونحن على أبواب انتخابات نيابية قد تغير تموضع لبنان الاستراتيجي؟ أضف الى ذلك استيراد الأزمة السورية الى الداخل اللبناني والتي أثرت وستؤثر في الـ2013 على الاقتصاد. ثالثاً، الدين العام اللبناني الذي فاق الـ 57 مليار دولار أميركي في نهاية الـ 2012،والمالية العامة التي تتدهور يوماً بعد يوم مع عجز في الميزانية يفوق الـ 10000 مليار ليرة، أضف الى ذلك نسبة البطالة التي تقدر بـ 25 في المئة .

البنك الدولي سلط الضوء على ارتفاع نسبة التضخم في لبنان نتيجة الزيادة في أسعار ايجارات المنازل. الى أي مستوى وصل التضخم؟

ان لبنان يعاني من نقص في الأرقام، والمتداول منها عبارة عن أرقام تخمينية لا تعكس بالضرورة الحقيقة، لذلك فان الشيء الصحيح في تقرير البنك هو ان التضخم ارتفع وبنسبة كارثية وصلت الى 15 في المئة.

أما أسباب هذا الارتفاع فتعود أولاً الى اقرار سلسلة الرتب والرواتب التي لم تدفع بعد، والتي تحمل جزءا لا يستهان به من ارتفاع التضخم. ثانياً، ارتفاع ايجارات المنازل التي ازداد الطلب عليها، والتي ترافقت مع ارتفاع أسعار الشقق. ثالثاً، ارتفاع أسعار المحروقات الذي أدى الى تضخم باطني (Implied Inflation). رابعاً، وضع المالية العامة المتردي الذي يفقد الثقة بالليرة اللبنانية، وهو ما يدفع البائع الى رفع أسعاره تحسباً لفقدان الليرة قيمتها خصوصاً مع اقرار سلسلة الرتب والرواتب خامساً، نسبة السيولة العالية في المصارف التي تستخدم بنسبة كبيرة في تمويل عجز الدولة.

أظهرت الاحصاءات الصادرة عن مديرية الاحصاء المركزي ارتفاعاً سنوياً في مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 10,3 في المئة. ما سبب هذا الارتفاع؟

هذا الرقم يمثل نسبة التضخم في شهر نوفمبر 2012 مقارنة مع شهر نوفمبر 2011. أما السبب، بحسب مديرية الاحصاء المركزي، فيعود الى ان أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية سجلت ارتفاعاً بين شهري اكتوبر ونوفمبر 2012، اضافة الى ارتفاع أسعار الملابس والأحذية. ان ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية ناتج بشكل أساسي عن اقرار سلسلة الرتب والرواتب حيث استفاد عدد من البائعين من اقرار السلسلة لرفع الأسعار بحجة ان الكلفة زادت، في حين ان السلسلة لم تدفع بعد، وبالتالي تحمل جزءا لا يستهان به من ارتفاع التضخم.

مصرف لبنان يحمل حالياً 15900 مليار ليرة من ديون الدولة بالليرة اللبنانية، و6 مليارات دولار بالعملة الأجنبية. هل يجب ان يستمر مصرف لبنان في حمل هذا الدين؟

تتصدر عملية المحافظة على قيمة العملة أولى مهمات المصارف المركزية في العالم، ومن هذا المنطلق يتولى مصرف لبنان وضع السياسة النقدية بهدف المحافظة على الليرة اللبنانية. من المعروف أنه ممنوع على المصارف المركزية تسييل الديون أو ما يسمى بالـ Quantitative Easing، لكن عندما تعجز الدولة عن بيع اصدارتها في الأسواق، يعمد المصرف المركزي الى شراء قسم من هذه الاصدارات، وهذا ما يظهر في ميزانية المصرف المركزي التي تشهد زيادة في الأصول والمطلوبات. ان مبلغ الـ 15900 مليار ليرة و 6 مليارات دولار يعادلان 30 في المئة من دين الدولة اللبنانية، وبالتالي فان هذه النسبة عالية جداً مقارنة مع أميركا مثلاً حيث يمتلك البنك الاحتياطي الفدرالي 11 في المئة من دين الولايات المتحدة الأميركية. حالياً، يستخدم البنك المركزي احتياطه من العملات الأجنبية، وهذا ما يثبته القرض بـ 6 مليارات دولار، لذا هناك خطر حقيقي على الليرة اللبنانية اذا ما استمر منح القروض بالعملات الأجنبية. أيضاً، تشهد ميزانية مصرف لبنان انتقالاً للأموال من الأصول الجارية الى الأصول الطويلة الأمد.

الى أي مدى وصل الدين العام في لبنان، خاصة وان جمعية المصارف أكدت تراجع كلفة خدمة الدين في العام 2012 ؟

ان وضع الدين العام اللبناني سيء جداً، وقد وصل الى مستوى تاريخي أو 57 مليار دولار أميركي في نهاية العام 2012، في حين ان خدمة الدين العام (الفائدة على الدين العام) تبلغ بحدود الـ 6 مليارات ليرة سنوياً. اما سبب تراكم الدين العام فيعود الى عاملين أساسيين : الأول، عجز مزمن في الميزانية والذي يتحول الى دين عام في السنة التالية، والثاني، نسبة فائدة عالية جداً تؤدي الى تحويل الفائدة الى دين. ان الوضع الاقتصادي السيء لا يسمح بزيادة المدخول، وبالتالي ارتفاع نسبة الانفاق العام، في حين ان الدين العام، وبغياب أي تغيرات ماكرو اقتصادية و/أو اصلاحات في الاقتصاد اللبناني، يمكن ان يفوق الـ 86 مليار دولار في نهاية الـعام 2017.

هل تسرعت الحكومة في موضوع السلسلة، خاصة وان اقرارها سيؤدي الى تصدع الاقتصاد؟

ان اقرار سلسلة الرتب والرواتب سيشكل كارثة على الاقتصاد اللبناني، فعملية ضخ 3000 مليار ليرة لبنانية( كلفة السلسلة) في الاقتصاد ستكون كارثية على الليرة اللبنانية من ناحية نسبة التضخم الذي ستخلقه، وهو أشبه بدواء يجب أخذه خلال أسبوع في حين أننا نأخذه في نهار واحد. صحيح ان ضخ هذا المال سيسرع العجلة الاقتصادية، لكن المشكلة تكمن في الأحداث السياسية والأمنية من جهة، والحاجة لاصلاحات اقتصادية ومالية من جهة أخرى. انا أؤيد مطالب الهيئات النقابية والعمالية وعلى أحقيتها، لكن معالجة المشكلة لا تكون عن طريق زيادة الأجور، خاصة وأنها ستذهب مثل الريح، وبالتالي فان اصرار الهيئات النقابية على المطالبة بدفع السلسلة هو انتحار.

بالانتقال الى موضوع الغاز الموجود على الأراضي اللبنانية. ما هو حجم الكميات الموجودة؟ وما هو حجم المردود المالي المتوقع؟

لقد قدمت في العام 2010 دراسة حول هذا الموضوع حيث عرضتها في المؤتمر الاقليمي الأول حول القضايا الاقليمية الناشئة الذي نظمه معهد البحوث العلمية في الجيش اللبناني. في ظل هذه الدراسة، قمنا باستخدام نتائج البحث السيسمي الذي قامت به منظمة US Geological Survey الأميركية حيث تبين ان الكميات الموجودة في البحر مقابل الشواطئ اللبنانية هائلة. وبحسب المسح السيسمي، يبقى الغاز الثروة الطبيعية الأولى في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، حيث يبلغ الحجم الوسطي لهذه الكميات على الشكل التالي: النفط 1689 مليون برميل، الغاز 122378 بليون قدم مكعب، الغاز السائل1689 مليون برميل. بعد ادخال المعلومات والافتراضيات في البرنامج المعد خصيصاً لهذه الدراسة حصلنا على أرقام خيالية تتعدى الـ12 صفرا. ففي أسوأ الأحوال هناك 370 مليار دولار صافي من كل كلفة وبأحسن الأحوال 1700 مليار دولار صافي من كل كلفة. ثم قمنا بتقييم المدة اللازمة لسداد الدين العام بعدة فرضيات، فوجدنا أنه، وفي أسوأ الأحول، يلزمنا 35 عاماً لسد الدين العام وفوائده التي افترضناها 8 في المئة ، وثلاثة أعوام في أفضل الأحوال.

كيف تقيم واقع الاستثمار اللبناني في العام 2013؟ وما رقمه؟ وهل شهد العام الماضي هروباً لكبار المستثمرين، كما أكدت وزيرة المالية السابقة ريا الحسن في حديث سابق لـ النهار؟

واقع الاستثمار في لبنان تعيس جداً، خاصة وان الوضعين الأمني والسياسي أديا الى هروب المستثمرين اللبنانيين والأجانب. ان الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان في العام 2012،والتي قد يشهدها في العام 2013، وتردي أوضاع الاتصالات والتعقيدات الادارية، أدت الى هروب المستثمرين بشكلٍ عام. ان المستثمرين اللبنانيين بدأوا بالهروب الى الدول العربية مثل أربيل (العراق) وقبرص. أما المستثمرون العرب ففضلوا الخروج من المستنقع اللبناني والاستثمار في بلدان أخرى واعدة كتركيا. ان الاستثمارات الأجنبية في لبنان شبه معدومة بعد ما قاربت الخمس مليارات دولار في الـ 2010، وهو ناتج بشكل أساسي عن هروب المستثمر الخليجي، لذلك فان عودة المستثمرين العرب تعتبر أمراً أساسياً لدعم ميزان المدفوعات وتحفيز النمو، اذ يوجد 15 مليار دولار تنتظر استثمارها.

وماذا عن واقع القطاع العقاري الذي أجمع الاقتصاديون على أنه يمر بفترة جمود حالياً؟ وهل ستنخفض الأسعار في العام 2013؟

لقد بدأ القطاع العقاري بالتراجع في لبنان منذ العام 2010 مع بدء الثورات العربية، خاصة في سورية، وبسبب تردي الوضع السياسي اللبناني، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، والسياسة الانكماشية في القروض التي تتبعها المصارف اللبنانية. حالياً، فان القطاع يعيش حالة من الشلل والجمود، والأرقام تدل على ان العمليات العقارية تراجعت بنسبة 11 في المئة في 2011 و10 في المئة في العام 2012.

اما بالنسبة لأسعار الأراضي فهي الى حد معين مستقرة الى مرتفعة قليلاً، هذا الانخفاض في الأسعار لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية، فقلة الأراضي وزيادة عدد السكان تشكل عوامل أساسية، وبالتالي ستفرض عتبة لا يمكن النزول الى ما دونها. بحسب الدراسة الاحصائية التي قمت بها، فان أسعار الشقق التي تتراوح مساحتها ما بين 120 و150 مترا مربعا، ستستقر الى ارتفاع طفيف في الـ 2013. أما الشقق الكبيرة (أكثر من 150 مترا مربعا) فستشهد حركة نتيجة المرونة في الأسعار.

ما هو الحل الاقتصادي الأمثل والذي يرضي جميع الأطراف في لبنان؟

في لبنان، لا يمكن فصل السياسة والأمن عن الاقتصاد والمالية العامة، لذلك فان أساس النهوض الاقتصادي هو الاستقرار السياسي والأمني، في حين ان هذين العنصرين غير متوفرين حالياً. اذا سلمنا جدلاً ان الوضع الأمني استتب، واستقر الوضع السياسي، تبقى مشكلة ارضاء جميع الاطراف التي تعتبر أمراً صعبا.

رابط النهار الكويتية 

Print Friendly, PDF & Email