Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

المصارف اللبنانية تُموّل الإستهلاك أولاً

أثبت القطاع المصرفي اللبناني على مر التاريخ قدرته على تخطّي الأزمات. وعلى رغم الوضع الأمني الصعب الذي مرّ به لبنان منذ إنتهاء الحرب الأهلية، حقق هذا القطاع أرباحا على مر السنين. ولكن هل يلعب هذا القطاع الدور المنوط به، ألا وهو تمويل الإقتصاد؟  من المعروف أن الإقتصاد يضمّ دائرتين: الدائرة الإقتصادية والدائرة المالية. وتكمن مهمة الدائرة الإقتصادية قي خلق الثروات، والذي يتحقق عبر القيمة المضافة التي تعطيها الشركات للسلع والخدمات التي تُقدمها للمستهلك.

والفرق بين سعر البيع وسعر الكلفة يُسمّى بالثروة المخلوقة. أما الدائرة المالية، فتنحصر مهمتها بتمويل الإقتصاد. وهي لا تخلق ثروات، حتى أن الفائدة التى تُعطيها للمودعين هي وليدة الدائرة الإقتصادية. وتُعتبر المصارف عصب الإقتصاد من ناحية تمويلها لشقين أساسيين : الإستثمار والإستهلاك.

ولكن الوضع في لبنان مختلف بعض الشيء، حيث عمدت المصارف اللبنانية الى إنتهاج سياسات قاسية في منح القروض وخاصة للقطاع الخاص. وهذا الوضع هو نتيجة عدة عوامل أهمها:

– قلة الثقة بالإقتصاد اللبناني، والناتجة عن الأزمات التي مر بها لبنان منذ أوائل التسعينات حتى اليوم. هذه الأزمات المعروفة تنقسم الى قسمين: الأحداث الأمنية (كل خمس سنوات تقريباً)، والتعطيل السياسي بشكل شبه مستمر.

– المالية العامة، والتي ومع أسعار فائدة عالية جداً، دفعت المصارف الى تفضيل القروض للدولة على القروض للقطاع الخاص لما للدولة من ملاءة معروفة في عالم المالية مقارنة بالقطاع الخاص؛

– تعاميم مصرف لبنان التي لجمت شهية المصارف للأسواق المالية وحددت سقف القروض الممنوحة عبر طلب الضمانات عن كل قرض (بهدف حماية المودعين)؛

وبسبب هذه العوامل، عمدت المصارف الى إعتماد سياسة إنكماشية في القروض وغابت بقسم كبير عن تمويل الإستثمارات وإكتفت بتمويل الإستهلاك (عقارات، سيارات…). وبهذا نرى أن المصارف اللبنانية تخلّت عن دورها في تمويل الإقتصاد، الى تمويل دين الدولة وعجز ميزانيتها.

وبالنظر عن قرب الى أرباح المصارف اللبنانية نرى أن هذه الأرباح مقسمة على النحو التالي:

• فوائد على سندات الخزينة والتي تُعتبر عالية جداً اليوم (معدل وسطي 8

• عمولات على المعاملات المصرفية.

• فوائد تمويل الإستهلاك.

هذه الأرباح ترافقت مع إحتفاظ المصارف بسيولة عالية نسبياً.

يدّعي البعض أن المصارف اللبنانية تقوم بتمويل الإقتصاد اللبناني وأن النمو في العام 2012 هو نتيجة هذا التمويل. ولكن هذه التصاريح غير دقيقة لسببين :

-إن النمو المفترض في العام 2012 غير مقرون بأرقام رسمية لغياب الإحصاءات في لبنان، وبذلك كل الأرقام المتناولة تبقى في إطار التخمينات.

-لم تُموّل المصارف مشاريع إقتصادية في 2012 إنما موّلت الإستهلاك.

وبهذا غاب الإستثمار كلياً وإذا ما كان هناك من نمو فإن ذلك يعود بشكل حصري للإستهلاك، الركيزة الوحيدة المُتبقية للإقتصاد اللبناني بعد إنهيار القطاع السياحي، وضعف القطاع المصرفي، ولجم القطاع الصناعي والقطاع الزراعي.

ولكن هل هناك إستمرارية لنموذج عمل (Business Model) المصارف؟ الجواب على هذا السؤال صعب جداً ولكن يُمكن وضع بعض العناصر التي ستساعد على تكوين فكرة عن الموضوع.

خضعت المصارف اللبنانية لضغوطات جمة نتيجة العقوبات المفروضة من قبل المجتمع الدولي على سوريا وإيران وحرمت هذه المصارف من هذه الأسواق الواعدة وبخاصة السوق السوري.

أدّت الأزمة السورية الى حرمان المصارف اللبنانية من السوق السوري والذي شكَّل 1

على الصعيد الداخلي، تُموّل المصارف عجز الدولة اللبنانية ودينها العام، بفائدة عالية. وتُمثل الفوائد على سندات الخزينة الأساس من أرباح المصارف. وستظهر أزمة في البنوك اذا عجزت الدولة يوما عن دفع الفوائد للمُقرضين.

وقد بدأ التراجع في أرباح البنوك بالظهور في الأرقام الأولية الصادرة. ويؤكد تقرير بنك عودة للفصل الثاني 2012، هذا التراجع، إذ أنخفضت الودائع والقروض بنسبة كبيرة بين تموز 2011 وتموز 2012.

هذا التراجع لحظته وكالة موديز للتصنيف الإئتماني التي أعلنت في بيان لها أن توقعاتها للنظام المصرفي في لبنان لا تزال سلبية مبررة ذلك بأربعة عوامل:

-توقعات ضعف النمو الاقتصادي.

– ضعف ثقة المستثمرين للعامين 2012 و2013.

-لإضطرابات السياسية المتصاعدة.

– إرتفاع نسبة المشاكل في القروض في السوق المحلية وفي البلدان التي تمر بمرحلة إنتقال سياسي أو تباطؤ إقتصادي.

ومما تقدّم، يُمكننا القول أن الـ Business Model للمصارف اللبنانية يُعاني مُشكلة أساسية ألا وهي عدم لعب المصارف الدور الأساسي المنوط أي تمويل الإستثمارات، وبذلك لن تستطيع الإستفادة من فترات النمو.

لا بل على العكس أصبح مردود المصارف اللبنانية يعتمد بشكل أساسي على فوائد الأموال التي تُقرضها للدولة اللبنانية، التي بدأت أزمتها المالية تأخذ منحى جديداً مع عجز في الميزانية يفوق الـ 10,000 مليار ليرة لبنانية في 2012.

بيقى أن نذكر أن توجيهات حاكم مصرف لبنان الأخيرة الى المصارف في ما يخصّ القروض تصبّ في الإتجاه الصحيح، ونأمل أن تكون نقطة تغيير في سياسة المصارف من ناحية القروض.

رابط الجمهورية

Print Friendly, PDF & Email