jassemajaka@gmail.com
هل سنودّع الطبقة الوسطى في لبنان؟
موقع أحوال ميديا | ستيفاني راضي
مرّ عام على المواطنة الشابة لينا من دون أن تشتري ثياباً جديدة، علمًا أنّها كانت من عشّاق “الشوبينغ”. وتشير لينا في حديث لموقع “أحوال”، أنه مع انتشار فيروس كورونا لم يعد والدها يعمل ولا والدتها، فباتت المعيل الوحيد لعائلتها؛ لافتة إلى أنّ راتبها يساوي مليون ومئتي ألف ليرة لبنانية، وهو لا يكفي حتّى منتصف الشهر، لذا اضطرت إلى الاستعانة ببعض الأموال التي سبق وادّخرتها، وباتت تكتفي بشراء الحاجات الأساسيّة للمنزل كالأكل والشرب والدّواء وأدوات التنظيف الخاصّة.
قصّة لينا تشبه قصص عشرات العائلات اللبنانيّة التي كانت تنتمي إلى الطبقة الوسطى، ولم تعد.
تاريخ الطبقة الوسطى
كانت تُعرف الطّبقة الوسطى بإسم”البرجوازية” في أوروبا خلال أوائل القرن التاسع عشر، وهي تأتي بين طبقة الأرستقراطيين أي الأغنياء، وطبقة الفلاحين أي الفقراء.
الطبقة الوسطى هي الفئة التي تكسب رزقها من العمل ولا ترث ثروات طائلة، ولتحديدها هناك معياران، هما قياس حجم الاستهلاك ومستويات الدّخل.
43 بالمئة طبقة وسطى
“انعكس هبوط سعر الليرة أمام الدولار بشكل كبيرعلى الطبقة الوسطى في لبنان”، يقول الخبير الإقتصادي الدكتور جاسم عجاقة لموقع “أحوال”، مشيراً إلى أنّ “الطّبقة الوسطى هي الأكثر تضرّرًا من بين الطبقة الغنيّة والفقيرة”.
وعن الواقع اليوم، يكشف أنّ “في لبنان تصل نسبة الفقر إلى 55 بالمئة، أمّا 43 بالمئة من المواطنين فهم من الطّبقة الوسطى، والنسبة القليلة المتبقية هي من الطّبقة الغنيّة التي تملك وتستحوز على نصف ثروة لبنان”.
ويلفت عجاقة إلى أنّه قبل بدء الأزمة الاقتصاديّة في لبنان، كانت نسبة الفقر 30 بالمئة، لكنّ هذه الطّبقة اتسعت حيث انحدر لها نحو 2
أرقام مرعبة
كما يشير عجاقة إلى أنّه مع استمرار الأزمة الاقتصاديّة في لبنان سيضطرّ اللبنانيون الذي ينتمون الى الطّبقة الوسطى لاستنزاف مدّخراتهم وأموالهم، وبشكل طبيعي سينحدرون إلى الطّبقة الفقيرة، لافتًا إلى أنّ الفقراء يحصلون على مساعدات ماليّة أو غذائية من قبل الدولة اللبنانية أو من قبل جهات خارجيّة، لكنّ الطّبقة الوسطى لا؛ ما يجعلها تستنزف كلّ ما جمعته من المال في السنوات الماضية. ويدقّ عجاقة ناقوس الخطر، ويقول: “قد نصل إلى أرقام مرعبة عن الفقر بعد انحدار أشخاص من الطّبقة الوسطى إلى الفقيرة”.
ويؤكّد الخبير الاقتصادي أنّ “الطّبقة الوسطى مهدّدة، واليوم نسبتها 43 بالمئة ما يعني أن السنة المقبلة سنرى كوارث بالأرقام من هذه الناحية”، مشيرًا إلى أنه “بالعادة لا يجب أن تكون نسبة الطّبقة الوسطى أقلّ من 8
أهمية وجود الطبقة الوسطى
“تعتمد ماليّة الدولة على الطّبقة الوسطى”، يشدّد عجاقة لـ”أحوال”، ويضيف: “بسبب الطّبقة الوسطى يكون النظام الإقتصادي متيناً، لأنها لبّ المجتمع العصريّ اجتماعيًا، ماليًا واقتصاديًا”.
وعن سبب أهميّة هذه الطّبقة على الاقتصاد، يوضح الخبير الإقتصادي أنه “صحيح أن الفقراء هم الفئة الأكبر عددًا في المجتمع لكنّ قدرتهم الشرائية منخفضة، أما الأغنياء فعددهم قليل، لذلك تلعب الطّبقة الوسطى الدور الأساسي في تحريك الاقتصاد لأنها الأكثر استهلاكًا، وبمجرّد القضاء على هذه الطبقة حتماً سيتمّ القضاء على ماليّة الدولة”.
ويشدّد عجاقة على أنّه بالعادة تحاول المجتمعات زيادة حجم الطّبقة الوسطى لأنّ اختفائها هو مؤشر يدلّ على فشل السياسات الاقتصادية في أي بلد.
تراجع قيمة الرواتب
بعد الانهيار في سعر صرف الليرة مقابل الدولار تراجعت قيمة الرواتب والأجور بالليرة اللبنانية التي يتقاضاها العاملون في لبنان، وهم الأكثرية، وأصبحت هذه الرواتب من بين الأدنى في العالم وباتت شبيهة برواتب موظفي أفقر الدول، وذلك بحسب الدّوليّة للمعلومات.
مثلًأ، أكثرية العاملين في القطاع التّجاري والصّناعي تتراوح رواتبهم بين 1 مليون ليرة و2.5 مليون ليرة، أي كانت هذه الرواتب تتراوح ما بين 666 دولاراً و1,666 دولاراً، وانخفضت اليوم إلى ما بين 106 دولاراً و266 دولاراً (هذه الدراسة نشرت قبل وصول الدولار في السوق السوداء إلى 10 آلاف ليرة بأيام قليلة).
هذا من أبرز الأمور الذي ينعكس على الطبقة الوسطى؛ فانخفاض قيمة الرواتب، يعني انخفاض القدرة الاستهلاكية لهؤلاء الناس. وطبعاً لا يجب أن ننسى ارتفاع الأسعار الجنوني الذي يؤثّر بشكل كبير على القدرة الشرائية لمختلف طبقات المجتمع.
التجّار إلى الطّبقة الغنيّة دُرّ
بالأرقام، إذا كان أحد المواطنين يحصل على راتب يوازي 5 ملايين ليرة لبنانية كان يصرف النسبة الأكبر منه من أجل التّرفيه عن نفسه، السياحة أو السفر أو شراء حاجات ثانوية. أما اليوم، مع وصول الدولار في السوق السوداء إلى 10 آلاف ليرة لبنانية، هذا يعني أن ذلك المواطن بات يتقاضى 500$ فقط، ومع ارتفاع الأسعار بلبنان، لم يعد يملك القدرة الشرائية ليرفّه عن نفسه، وسيصرف كلّ راتبه على الحاجات الأساسية، وبالتالي فإنّ هذه الأموال ستذهب إلى جيوب التجّار.
وهنا يشير الدكتور عجاقة إلى أن “التجّار الذين ينتمون إلى الطّبقة الوسطى سيصبحون من الطّبقة الغنيّة، أمّا التجّار الذي ينتمون إلى الطبقة الغنيّة فسيزداد غناهم”.
ما هي الحلول؟
“إعادة تفعيل الاقتصاد في لبنان هو الحلّ الأبرز للحفاظ على الطّبقة الوسطى في هذا البلد”، بحسب عجاقة، مؤكّدًا أن “المساعدات الماليّة التي تقدّم إلى الشعب اللبناني لن تدوم لفترة طويلة لذلك يبقى الحلّ الأساسي هو إعادة تفعيل العجلة الاقتصادية”.
إذا للأسف، النظرة للمستقبل القريب سوداوية بالنسبة إلى الطّبقة الوسطى التي تُعتبر المحرّك الأساسي للإقتصاد. فماذا ينتظرّ الشعب اللبناني بعد من مآسي بظلّ غياب أي تحرّك إنقاذي للبلد؟