Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

اليابان أعلنت حرب العملات

تتبع الحكومة اليابانية في الفترة الاخيرة خطة هي بمثابة إعلان حرب عملات لزيادة الصادرات عن طريق إضعاف عملتها الوطنيةن (الين). فهل نحن على ابواب حرب عملات عالمية ليس واضحا بعد كيف ستنتهي؟  تمر اليابان، ثالث قوة إقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الإميركية والصين، بأزمة مالية وإقتصادية حادة على الرغم من النمو الذي سجلته في العام 2012.

هذه الأزمة بدأت بعد كارثة فوكوشيما التي كلفت اليابان مبلغ 100 مليار دولار أميركي. وزاد الوضع تأزماً مجموعة عوامل منها: إنخفاض الطلب العالمي على السلع والبضائع اليابانية من قبل اوروبا والصين، قيمة الين المُرتفعة في الأسواق، وركود الطلب الداخلي.

وشهدت اليابان عاماً إقتصادياً أسود في 2012 تترجمت فيه الأزمة بتسجيل اليابان لعجز تاريخي في الميزان التجاري قدره 6927 مليار ين ياباني (76 مليار د.أ.) أي ان العجز التجاري زاد ثلاثة أضعاف عمّا كان عليه في 2011. كما بلغ الدين العام 25 أسباب هذا الوضع المُتدهور تكمن في العوامل التالية:

– الإنهيار الحاد في الطلب الخارجي خصوصاً من قبل الصين، أول شريك تجاري مع اليابان وذلك بسبب أزمة الجزر المتنازع عليها بين الدولتين ومن قبل اوروبا التي ترزخ تحت أزمة الديون السيادية.

– بعد كارثة فوكوشيما عمدت الحكومة اليابانية الى وقف العمل في كل المعامل النووية المُنتجة للطاقة. مما دفعها الى أعادة تشغيل معاملها الحرارية وإستيراد النفط والغاز لتشغيلها وهذا ما شكل كلفة عالية جداً بسبب حجم اليابان الصناعي.

وكردة فعل على هذا الوضع المُتردّي، وضع رئيس الوزراء الياباني خطة تهدف الى تحفيز الطلب الداخلي، إستعادة القدرة التنافسية الخارجية، إيجاد منافذ جديدة للصادرات اليابانية. وبحسب الخطة، يتمّ تحفيز الطلب الداخلي، عبر إصدار سندات خزينة جديدة بهدف الإستثمار، وعبر إلغاء الضرائب على الإستهلاك والتي كانت مقررة في العام 2015. هذه الخطة تترافق مع قرار البنك المركزي الياباني زيادة قيمة سندات الخزينة في محفظته بقيمة 10000 مليار ين (110 مليار دولار أميركي).

هذا الوضع الراهن له تأثير سلبي على الين الياباني الذي فقد من قيمته في الأسواق مقابل الدولار والعملات الرئيسية الأخرى.

وهذا التأثير هو على ثلاثة مستويات :

– العجز في الميزان التجاري يعني أن اليابان إستوردت أكثر مما صدّرت، أي أن الشركات اليابانية قامت ببيع الين مقابل العملات الأخرى (الدولار في معظم الأحيان) لتمول مشترياتها. والعجز يُشكّل المبلغ الذي تمّ بيعه مقابل العملات الأخرى.

– بإصدارها سندات الخزينة، تزيد الحكومة اليابانية قيمة الدين العام. وبما أن العملة تعكس الثروة الوطنية للبلد فإن زيادة الدين العام سيُضعف مباشرة الين الياباني أمام العملات الأخرى.

– إن شراء سندات خزينة من قبل البنك المركزي الياباني (أو ما يُسمّى بالـ Quantitative Easing) يُضعف العملة اليابانية، لأن هذه العملية ستُجبر البنك المركزي على طبع أوراق نقدية بقيمة 5000 مليار ين (55 مليار د.أ.)

لكن فقدان الين الياباني من قيمته ليس بشيء سيء بالمُطلق خصوصاً أن إضعاف العملة يزيد من القدرة التنافسية للدولة في تصدير بضائعها. إن الطريقة التقليدية التي تتبعها الحكومات لإضعاف عملاتها تنص على تخفيض الفوائد على العملة الوطنية من قبل البنك المركزي.

ولكن في حالة اليابان ومع فائدة تُقارب الصفر، لا يُوجد أمام البنك المركزي الياباني هامش تحرك كبير، لذا عمدت الحكومة، بالإتفاق مع البنك المركزي، الى خلق هذا السيناريو الذي يُلبّي ثلاثة أهداف:

أولاً: إضعاف الين الياباني بهدف تخفيز الطلب الخارجي وبالتالي زيادة النمو.

ثانياً: إصدار سندات خزينة تسمح للحكومة بالإستحصال على الأموال من الأسواق بهدف تحفيز الطلب الداخلي عبر مشاريع ستقوم بها، وعبر سياسة ضريبية مرنة.

ثالثاً: تحقيق التوازن في الميزان التجاري الذي يأخذ مجراه عادة بعد ستة أشهر من تخفيض قيمة العملة.

من الواضح أن خطة الحكومة اليابانية هي بمثابة إعلان حرب عملات لزيادة الصادرات عن طريق إضعاف العملة الوطنية. ومن المتوقع أن ترد القوى الاقتصادية، أي الولايات المتحدة، أوروبا والصين بالمثل. وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها القوى الإقتصادية العالمية الى مثل هذه الحرب. ففي عام 2011 نشأت حرب عملات أعلنتها الصين، وكان هناك رد من قبل الولايات المتحدة الأميركية قابله رد من اليابان ومن ثم أوروبا.

وبرأينا، إضعاف العملة له تأثير مؤقت من ناحية ان الدولة التي أضعفت عملتها لا تملك سوى وقت قصير قبل أن تقوم الدول الأخرى بردة فعل عن طريق إضعاف عملاتها. ويبقى السؤال عن المنتصر في هذه الحرب والذي نعتقد أنه الذهب الذي إرتفعت أسعاره منذ حزيران العام الماضي. فالمستثمرون الذين يخشون إنخفاض قيمة العملات الأخرى، يُفضّلون اللجوء إلى الذهب، مما يُشكّل ضغوطاً تصاعدية على الأسعار.

وبنظرنا، يتطلب الإنتعاش الاقتصادي العالمي التناوب الأمثل في الطلب على العملات. والعولمة تمنع شفاء إقتصاد دون الإقتصادات الأخرى، فالاقتصاد هو اقتصاد مفتوح. ونضيف أن هذا الطلب على العملات يجب أن يُؤيد بزيادة مرونة سعر الصرف الناتجة عن الطلب والعرض نتيجة حركة اقتصادية عادية وليس عن طريق ضغوط تضخّمية التي تجعل طريق الانتعاش طويلة وصعبة.

رابط الجمهورية

Print Friendly, PDF & Email