Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

إنتصار كبير حققه لبنان من مُؤتمر سيدر… والعبرة في التنفيذعجاقة : أهميّته تأتي بتغذية الإقتصاد بأموال الإستثمارات وضخ أموال في الماكينة الإقتصاديّة لزيادة النموّ وخلق فرص عمل

انتصار  كبير أعلنته الحكومة اللبنانية في أعقاب مؤتمر  سيدر 1 الذي انعقد في باريس الأسبوع الماضي، ووعود كثيرة بشأن التعافي الاقتصادي وخلق الوظائف. لكن السؤال المطروح هل هناك فعلًا نقاط إيجابية لهذا المؤتمر أم أنه حمّلة إنتخابية ستنتهي مفاعيله مع إنتها الإنتخابات النيابية؟ لمعرفة إيجابيات مؤتمر سيدر 1 وتداعياته على الإقتصاد اللبناني كما وشروط نجاحه، كان لجريدة «الديار» لقاء مع الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة. ما هي إيجابيات مؤتمر سيدر 1؟ من المعروف في النظرية الإقتصادية أن الدولة ليّست بلاعب إقتصادي بل تتموّل من ضرائب على النشاط الإقتصادي الذي يقوم على الشركات والأسر. والمُشكلة التي أصابت لبنان هو أن الدوّلة، وبسبب الهدر والفساد، أحجبت عن تحفيز الإقتصاد وزادت إنفاقها لدرجة أن الضرائب لم تعد تكفي لتغطية الإنفاق وأخذ الدين العام بالتراكم. وهنا أخذت الدوّلة بالإستدانة من المصارف اللبنانية مُخالفة بذلك قوانين الأسواق عبر منافستها القطاع الخاص على أموال المصارف وهذا الأمر أدّى إلى نقصّ حاد في القروض الإستثمارية إلى القطاع الخاص. من هنا تأتي أهميّة مؤتمر سيدر 1 بتغذية الإقتصاد بأموال للإستثمارات وبالتالي دفع العجلة الإقتصادية. وبالمُطلق يُمكن تعداد إيجابيات سيدر 1 على الشكلّ التالي: أولا – ضخّ أموال في الماكينة الإقتصادية مما يعني زيادة النمو الإقتصادي، فالمعروف في النظرية الإقتصادية أن لا نمو من دون إستثمارات. ثانيًا – خلق فرص عمل في الشركات التي ستقوم بتنفيذ المشاريع وعلى رأسها شركات البناء، مكاتب المحاماة، مكاتب الهندسة، والقطاعات الداعمة (نقل، أكل وشرب، ترفيه…). ثالثًا – فرض قيود على الإدارة المالية والإقتصادية وعلى إدارة مؤسسات الدوّلة من ناحية فرض إصلاحات في عشرة قطاعات على رأسها الكهرباء، الجمارك، الإتصالات، محاربة الفساد، موازنة تقشّفية… وهذا الأمر سيوفّر الكثير من الهدر. رابعًا – تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وذلك خارج إطار سيدر 1 عبر مشاريع قد تطال البنية الإقتصادية الصناعية، الزراعية، التكنولوجية وغيرها. خامسًا – تحديث العديد من القوانين التي تُساعد على تحفيز النشاط الإقتصادي بشقّيه الإستهلاك والإستثمار مثل التحفيز الضريبي، مُحاربة الفساد… سادسًا – دعم الليرة اللبنانية وذلك من خلال تدّعيم ميزان المدفوعات حيث أن دخول العملة الصعبة إلى لبنان سيزيد من الطلب على الليرة اللبنانية ويُخفّف من الضغط عليها. سابعًا – وضع الأسّس لجعل لبنان منصّة لإعادة إعمار سوريا من خلال الطرقات وخطوط السكّك الحديدية المنوي إنشائها.

 شروط النجاح – ما هي الشروط لإنجاح هذا المؤتمر والإستفادة من كلّ هذه الإيجابيات؟ يجب معرفة أن القروض التي تمّ التعهدّ بها من قبل الدوّل المانحة هي قروض مشروطة وبالتالي هناك عدّد من الشروط الواجب الإلتزام بها للإستفادة من هذه القروض : أولا- إلتزام الحكومة اللبنانية بكلّ ما تعهدّت به في مؤتمر سيدر 1 وعلى رأسها الإصلاحات التي تطال العشرة قطاعات والتي طالب بها صندوق النقد الدولّي. ثانيًا- تقديم دراسة جدوى إقتصادية لكلّ مشروع تُريد الحكومة القيام به وتتمّ الموافقة أو رفض تمويل المشروع على أساس هذه الدراسة. ثالثًا- تنفيذ المشروع بحسب الدراسة التي قُدّمت تحت طائلة وقف التمويل. وللتأكد من حسن التنفيذ، تمّ تشكيل لجنة تضمّ مُمثلين عن العديد من الأطراف (الحكومة اللبنانية، صندوق النقد الدولي، فرنسا، السعودية…). رابعًا- إلتزام الحكومة اللبنانية بمحاربة الفساد ومُكافحة التهرّب الضريبي خصوصًا على المرفأ والمطار والحدود من خلال وضع وتنفيذ خطّة إصلاحية للجمارك اللبنانية. خامسًا- إلتزام الحكومة خفض العجز في الموازنة من 1 سادسًا- تدعيم أجهزة الرقابة وعلى رأسها القضاء من دون معرفة تفاصيل هذا التدعيم. هل الإخلال بأحد هذه الشروط يوقف القروض؟ إن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي ماكرون في ختام المؤتمر يُظهر أن هناك أهمّية إستراتيجة للبنان على عدّة أصعدة منها موقعه الجغرافي، عدد النازحين السوريين على أرضه، الدوّر المنتظر له في إعادة إعمار سوريا… وهذه الأمور تُعطي لبنان والحكومة اللبنانية أسبابًا تخفيفية في حال تمّ الإخلال في أحد الشروط الموضوعة. إلا أنه يجب معرفة أن الحكومة اللبنانية لم تعدّ تتمتّع بهامش التحرك كما في مؤتمرات باريس 1، 2، و3 وبالتالي يجب عدمّ تجربة المُجتمع الدولي على هذا الصعيد.

وظائف اللبنانيين : ما الذي يضمن أن الوظائف التي سيتمّ خلقها ستذهب إلى اللبنانيين؟ لا يوجد ضمانة قانوية (مثلًا كوتا منصوص عليها في مُستند رسمي) ولا ضمانة فعلية على الأرض. لكن يجب معرفة أن المُجتمع الدولي يُريد تشغيل أكبر يدّ عاملة من النازحين السوريين بهدف منعهم (بواسطة الترغيب) من الهجرة إلى أوروبا وأميركا.  وبالتالي تقع مسؤولية إقصاء اللبنانيين عن هذه الوظائف لصالح اليد العاملة الأجنبية على السلطة السياسية بالكامل حيث لا يوجد أي بندّ فعلي في مؤتمر سيدر 1 يُلزم الحكومة اللبنانية بتشغيل اليد العاملة السورية. لكن هذا الواقع قد يتغيّر مع مؤتمر بروكسل الذي سيدرس مُشكلة النزوح السوري في دول الجوار. أيضًا يجب القول أن بعض الأعمال لا يقوم بها اللبناني وبالتالي تفرض تشغيل يدّ عاملة أجنبية تحت طائلة عدم القدرة على تنفيذ المشاريع. إلا أن بعض البيانات التي يتمّ التداول بها تحوي على مئات أسماء اللبنانية مع أرقام الهاتف من مناطق الأطراف وخصوصًا من عكّار وتعود إلى لبنانيين على أتمّ الإستعداد للقيام بكل الأعمال القاسية التي يقوم بها النازحون السوريون في لبنان. لذا يُمكن القول أن مسؤولية تشغيل هذه اليدّ العاملة تقعّ بالكامل على عاتق الدوّلة اللبنانية. في الختام يظهر للعلن أن نجاح هذا المؤتمر ولمس إجابياته مرهون بشكلّ أساسي بالتوافق بين القوى السياسية على الأرض. فهل سيتمّ وضع وتنفيذ خطّة لمحاربة الفساد؟ وهل سيتمّ رفع الغطاء على الفاسدين كما أظهرته خطابات القوى السياسية في جلسة إقرار الموازنة؟ بالطبع يجب إنتظار ما ستُنتجه الإنتخابات النيابية ولكن الأهم يبقى مُدّة تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات والتي تُظهر التحاليل أنها ستشهدّ صعوبات خصوصًا على وزارتي المالية والطاقة.

رابط الديار

Print Friendly, PDF & Email