Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

ضرب مؤسسة الجيش اللبناني يعني ضرب الاقتصاد الوطني!

عجاقة: الجيش سيحسم المعركة لصالحه سريعاً مما يعني أن الأثار الاقتصادية ستكون محدودة

موقع الإقتصاد \ نانسي هيكل

مرة جديدة يدفع الجيش اللبناني ثمن الصراعات الاقليمية! فبعد مرور 7 سنوات على معركة مخيم نهر البارد وخروج جيشنا الباسل منتصرا على الظلم، يعود الارهاب اليوم ليضرب هيبة المؤسسة العسكرية في محافظة البقاع وتحديدا في بلدة عرسال الحدودية، لننع بذلك شهيدين، الأول يتمثل في شهداء الجيش الأبطال، أما الشهيد الثاني المتوقع من تسلسل الاحداث، والذي نتمنى ان لا يسقط، فهو السلم الاهلي الذي سينعكس سلبا على كافة الأصعدة، ومنها الاقتصاد المحلي.

فما هي تداعيات هذه الأحداث على الأوضاع الاقتصادية والحركة الاستهلاكية والاستثمارية والسياحية، على المديين القريب والبعيد؟ وهل فات الأوان على تنظيم تواجد اللاجئين السوريين في لبنان؟ أم من الممكن بعد الحد من تأثيراتهم على الاقتصاد الوطني؟

هذه الأسئلة أجاب عليها عدد من الخبراء الاقتصاديين في أحاديث خاصة لـ”النشرة الاقتصادية”، أجمعوا خلالها على أن ضرب مؤسسة الجيش اللبناني التي تعتبر العامود الفقري للوطن، يعني ضرب الاقتصاد بشكل مباشر وغير مباشر.

عجاقة

وقال الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة أن “مما لا شك فيه أن الوضع الاقتصادي سيتدهور في ظل سيناريو إطالة المواجهات العسكرية. لكننا نعتقد أن الجيش سيحسم المعركة لصالحه سريعاً مما يعني أن الأثار الاقتصادية ستكون محدودة. لكن وفي حال طالت المواجهات، فإن الحركة الاقتصادية ستُضرب على أصعدة عدة”.

وفي ما يختص بالإستثمارات أوضح أنه “من المعروف أن الأحداث الأمنية هي العدو الأول للإستثمار إذ أنها تُؤثر على ثقة المُستثمر وتُقلل من الإستثمارات وخاصة الأجنبية المباشرة منها. وحتى على الصعيد الداخلي، فإن إحتمال إندلاع مواجهات مسلحة بين مناصري داعش وجبهة النصرة المنتشرين بين اللاجئين السوريين تدفع إلى الخوف وتقتل كل شهية لدى المستثمرين”.

أما بالنسبة الى السياحة فأشار الى أنه “ليس بالجديد القول أن السياحة هي القطاع الذي يدفع الثمن الأكبر نتيجة تردي الأوضاع الأمنية. وبهذا نرى أن الحظر الخليجي على السياح الخليجيين كما وحظر الدول الكبرى على رعاياها بالتوجه إلى بعض المناطق التي تحتوي على معالم سياحية، كان ولا يزال له الأثر الكبير في تدني عدد السياح الأجانب. وفيما يخص المغتربين اللبنانيين، فإن العديد منهم ألغى رحلاته إلى لبنان هذا الصيف أو أرجأها إلى وقت لاحق. ومن يتواجد منهم حالياً في لبنان عمد بقسم كبير إلى تقصير فترة وجوده”.

وحول موضوع الاستهلاك لفت عجاقة الى أن المواجهات في عرسال، وفي حال تمددها إلى مناطق أخرى كطرابلس والمخيمات الفلسطينية في الجنوب، ستدفع باللبناني إلى حصر إستهلاكه بالمواد الغذائية الأساسية مما يعني أن القطاعات الأخرى كالمطاعم والعقارات ستشهد تراجعاً نسبياً.  وقد تكون لهذه النقطة وجهة إيجابية من ناحية أن قلة الإستهلاك، الذي يعتمد بنسبة 9

وبالنسبة الى الإصلاحات، كشف أن تردي الأوضاع الأمنية يجعل من الملف الأمني أولوية الحكومة، وهذا يدفع إلى تأجيل الإصلاحات التي هي ضرورة قصوى حالياً.

وتابع عجاقة: “اما فيما يخص المالية العامة فإن تدهور النمو، في حال إستمرت الأوضاع الأمنية بالتردي، فإنها ستزيد عجزاً وهذا سيكون له تداعيات على الدين العام اللبناني الذي دخل مرحلة الصعود الإسي (Exponential)”.

كما أكد أن كل هذه العوامل، أضف إليها العمالة السورية التي زادت بفعل النزوح السوري الكثيف، ستؤدي إلى رفع البطالة أقله إلى 3

وختم قائلا: “لكن ولكي لا تكون النظرة تشاؤمية، فإن أخر المعلومات الواردة من عرسال تُظهر أن الجيش اللبناني إستعاد زمام الأمور وذلك عبر ردع الإرهاببين وصدهم وإستعادة كل المواقع التي إحتلوها. مما يعني أن الوضع الأمني قد يعود إلى طبيعته في فترة لا تزيد عن 72 ساعة”.

أبو سليمان

بدوره قال الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في حديثه لـ”النشرة الاقتصادية”، “نحن شهدنا مؤخرا انقساما سياسيا، تجلى في فشل الحل في موضوع سلسلة الرتب والرواتب. وكان هذا الأمر نتيجة المشاورات بين الكتل النيابية التي أدت الى عدم الاتفاق في موضوع السلسلة. وبالاضافة الى ذلك أتى موضوع الارهاب والاعتداء على الجيش اللبناني الذي يطال ويمس كل لبناني من كافة الطوائف”.

وأكد أن هذا الأمر سينعكس حتما على الوضع الاقتصادي، لأن اقتصادنا مبني على الاستقرار الأمني والسياسي. واليوم عندما نضرب المؤسسة العسكرية التي تعتبر العامود الفقري للوطن والرادع الى أي اعتداء، نكون بذلك قد ضربنا أيضا الاقتصاد بشكل مباشر وغير مباشر؛ مباشر عبر النزوح والتدمير في البلدات البقاعية، ولا سيما عرسال، وغير مباشر عبر تريث المستثمرين والمستهلكين، ليقتصر الاستهلاك على الحاجات الأساسية وليس الكماليات.

وتابع أبو سليمان “وطبعا هذا الأمر سيؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني من حيث تباطؤ الحركة الاقتصادية، ان كان من ناحية الاستثمار أو الاستهلاك”.

ولفت الى أن الوضع اليوم هو سيء للأسف، وطبعا التطمينات والتصاريح السياسية والعسكرية – لا سيما تصريح قائد الجيش جان قهوجي الذي قال فيه أن الوضع خطير جدا – لا تحفز أي مستثمر أو أي مستهلك على الاستثمار في لبنان، أو حتى على شراء الكماليات.

كما قال “من المبكر جدا اليوم تقييم الخسارات المادية المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد، انما اذا طالت الأمور بدون حسم أو تكاتف فإن الوضع الاقتصادي سيكون للأسف سيئا للغاية، وسنشهد نموا سلبيا، علما أن توقعات وكالات التصنيف العالمية والبنك الدولي، كانت تشير الى نمو اقتصادي يتخطى نسبة

وأشار أبو سليمان الى أنه على المدى القريب هناك احجام عن الاستهلاك، اضافة الى مغادرة السياح للبنان وتراجع الحركة السياحية بشكل كبير، علما أننا كنا نعول على موسم الاصطياف. وتابع “نشهد نزوحا كثيفا للاجئين السوريين ولسكان بلدة عرسال، وهذا الأمر سيؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد في المدى القريب”.

أما عن التداعيات الاقتصادية لأحداث عرسال على المدى البعيد، فقال “اذا دامت الأمور وطالت المشكلة، سنشهد حتما على نتائج سلبية جدا، ستطال كافة القطاعات الاقتصادية (القطاع العقاري، السياحي، التجاري، الاستيراد والتصدير…)، بالاضافة الى المعامل في البقاع، اذ تستضيف هذه المحافظة مصانع كبيرة جدا قد تتضرر في حال توسع رقعة الاشتباكات”.

أما بالنسبة الى أزمة اللاجئين السوريين، فأوضح أبو سليمان أنه “سبق وحذر بعض السياسيين من هذا الموضوع، كما سبق وحذرنا من هذه القنبلة الموقوتة، وأكدنا أن لبنان لا يستوعب المزيد من النازحين وليست لديه الطاقات اللازمة. وهذا الأمر كلف الاقتصاد ما لا يقل عن 7.5 مليار دولار. واليوم اذا لم نحصل على دعم مادي خارجي عبر الحكومة اللبنانية، وليس مباشرة للنازحين، فنشهد تداعيات وخيمة على الاقتصاد الوطني، ستشكل قنبلة قد تطال الجميع”.

يشوعي

من ناحيته أشار الخبير الاقتصادي د. ايلي يشوعي الى أن أخطر ما يمكن أن يحدث في لبنان هو الانشقاق الداخلي، أي خلاف اللبنانيين في ما بينهم وانقسامهم. وقال “التصريحات التي صدرت البارحة هي غير مطمئنة على الاطلاق، وتشحن النفوس طائفيا ومذهبيا، كما تخاطب النعرة الطائفية والعصبية المذهبية، وهنا تكمن الخطورة”.

وأكد أنه يجب على الجميع أن يميزوا بين المواطن اللبناني بغض النظر عن طائفته، وبين غرباء ودخلاء يريدون أن يزرعوا الفوضى ويتسببوا بتوترات أمنية. وتابع “لا نريد أن نتيح للمذهبية التغلب على الوطنية، لأننا اذا سمحنا للروح الطائفية بأن تطغى على الروح الوطنية، فسيواجه لبنان خطرا كبيرا قد يؤدي الى انقسام اللبنانيين”.

كما شدد يشوعي على أن مؤسسة الجيش اللبناني هي للجميع، ومعروفة بتكوينها وتاريخها وعملها ودورها، وقال “لن نسمح لأحد بأن يعيدنا الى العام 1975، أي الى بداية الأحداث اللبنانية”.

وتابع قائلا “ليصمت أصحاب الألسنة المذهبية، فمن واجبهم الوطني أن يهدأوا ويتقصوا عن الحقائق قبل اتخاذ المواقف الرنانة التي من شأنها فرض الانقسام، وتدمير لبنان واقتصاده الهش بالأساس، والذي يعاني من مشاكل لا تعد ولا تحصى”.

وأوضح أن اللبنانيين يتأثرون سريعا بالمجريات وبكل ما يهدد استقرارهم، لأنهم يعيشون منذ العام 1975 أحداثا مماثلة، تتكرر كل فترة. لذلك من الطبيعي خلال الأجواء الحالية والتوقعات سلبية، أن يحجموا عن أمور كثيرة، مثل الاستهلاك والاستثمار والسياحة الداخلية، وشراء المشتقات النفطية، وتوقيع عقود البيع والشراء…

ولفت الى أن عدم الاطمئنان وعدم الشعور بالاستقرار يؤثر جدا على مكونات ومرتكزات النمو الاقتصادي، مشيرا الى أنه لا يمكن بعد الآن الحديث في لبنان عن تداعيات اقتصادية على المدى البعيد لأن هذا الكلام يفترض استقرارا، وبما أن الاستقرار معدوم في لبنان، لا يمكننا الا التكلم على المدى القريب، والقريب جدا.

أما بالنسبة الى المناخ الاستثماري والسياحي، فأوضح يشوعي الى أنه سيتأثر حتما، فالإحجام اليوم في لبنان سريع، وذات مرونة عالية بحسب الحدث. وتابع “عند حصول أي مشكلة أمنية، يتوقف الناس عن المبادرة ويعلقونها، وبالتالي تتأثر الحركة الاقتصادية، والتبادل، والتجارة، والاستثمار، والشراء، والاستيراد والتصدير. حتى أن المستورد من لبنان يقلق من امكانية عدم استلام بضاعته. لذلك على الجميع أن يستوعبوا خطورة هذا الوضع ويعملوا على الحد من تداعياته”.

وحول موضوع اللاجئين، أشار الى أن لبنان يحتوي على أعداد كبيرة من النازحين السوريين، تخطوا عتبة الـ1.5 مليون، والكل كان يطالب الحكومة بالقرار السياسي، لكنها أتت وماطلت قليلا بسبب خوفها من القرار السياسي الذي قد لا يرضي مذهب أو فئة ما، وقد يؤدي الى ردات فعل سلبية نظرا للروح المذهبية المتفشية اليوم مع الأسف”.

Print Friendly, PDF & Email
Source رابط الإقتصاد