Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

آن الآوان لصناعة عسكرية لبنانية

الجمهورية \ بروفسور جاسم عجاقة

تُعدّ الصناعة العسكرية من أكبر القطاعات الاقتصادية للدول المُتطورة. وهذه الصناعة تؤمّن للدول التفوّق العسكري إضافة إلى تأمينها العمل لملايين الأشخاص حول العالم. وفي لبنان الصناعة العسكرية معدومة مع الفيتو المفروض من الدول الكبرى على الجيش اللبناني. فهل هناك إستفادة إقتصادية من تطوير الصناعة العسكرية اللبنانية؟

 إنّ تأثير الصناعة العسكرية في الدول المُتطوّرة هو شبه مجهول من عامة الشعب مع العلم أنّ هذه الصناعة هي قلب النشاطات الأكثر ديناميكية في العالم. ومما لا شك فيه أنّ كلّ الدول المُتطوّرة إقتصادياً تمتلك صناعة عسكرية مُتطوّرة، وهذا ما نلحظه بالترتيب العالمي للدول بحسب حجم الصناعة العسكرية حيث تحتلّ روسيا المرتبة الأولى مع أكثر من 12 مليون عامل في هذا القطاع الذي يُشكل ما يُقارب الـ 8

وبالنظر إلى المراتب الأولى العشرة، نلاحظ الترابط بين حجم الاقتصاد وحجم الصناعة العسكرية. ويستخدم المحللون العسكريون كلمة المجمع الصناعي العسكري للتعبير عن ثلاثية الصناعة العسكرية، الجيوش المُسلّحة والسلطات العامة إضافة إلى العلاقات العامة واللوبي الذين يستخدمهما هذا الثلاثي للدعاية وعقد الصفقات.

البعد الإستراتيجي

إذا كان من السهل تحديد بدايات الصناعة العسكرية مع بداية الصناعة في العصر الحديث (القرن السادس عشر)، فإنّ هذه الصناعة بدأت تأخذ حجمها في الحقبة الصناعية في القرن التاسع عشر مع تطوّرها الهائل في الدولة الغربية. ويُحدّد الطابع الدفاعي، أي المحافظة على سيادة البلد ومؤسساته، مع المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية، التوجيهات العامة لهذه الصناعة.

وبالتالي تعكس هذه الصناعات، إلى حدّ كبير، إستراتيجيات الدفاع الوطني في ظلّ الوضع الجيوسياسي العالمي والإستراتيجية الخارجية للدولة. وبالتالي، فإنّ الحكومات التي تعتمد حرباً توسّعية (مثلاً ألمانيا النازية) تُركز على ديناميكية «متطرّفة» من الصناعة العسكرية وهذا يتمّ غالباً على حساب القطاعات الاقتصادية الأخرى.

إلّا أنّ برنامج حرب النجوم الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغين والذي لم يرَ النور، نقل المنافسة بين الدول في مجال الصناعة العسكرية إلى مستويات لم يكن يحلم بها الإنسان في خمسينات القرن الماضي.

والكلفة العالية لبرنامج حرب النجوم دفعت بالإميركيين إلى مجال جديد من الصناعة العسكرية مبنية على النانوتكنولوجيا والتي وجدت لها تطبيقاتٍ هائلة في المجال العسكري من معدّات أخف وأقوى إلى وسائل إتصالات تتحمّل الغبار النووي في الفضاء، مررواً ببزات عسكرية تُداوي الجندي الجريح وتخفيه عن النظر بواسطة تقنيّات مُتطوّرة جداً. لذا تظهر الصناعة العسكرية كحجر أساس من ناحية ضرورة وجود سياسة دفاع للدولة.

البعد الاقتصادي

قام الاقتصادي الشهير كينز بتبرير الصناعة العسكرية لما لها من دور في زيادة النموّ عبر زيادة الإستهلاك، وهذا الأمر تمّ إثباته على مرّ السنين. فالمراقب للإقتصاد الأميركي، يرى أنّ الولايات المُتحدة الأميركية عمدت إلى شنّ حروب في كل مرة كان إقتصادها يُعاني من ركود وهذا ما نلحظه في حروب الخليج الأولى والثانية. لكنّ كثيرين من الإقتصاديين، شككوا في هذه الصناعة وفوائدها الاقتصادية من ناحية حجم الإستثمارات التي تستهلكها والتي كان من الممكن تخصيصها لقطاعات أخرى كالصحة، والتعليم و…

وتُقدر الصناعة العسكرية بـ 1.5 تريليون دولار أميركي أي ما يوازي

الوضع في لبنان

لا وجود لصناعة عسكرية لبنانية، والسبب الأساس يعود إلى وجود إسرائيل. والتاريخ يُخبرنا أنّ جامعة هايكازيان بالتعاون مع الجيش اللبناني حاولت منذ العام 1960 أن تبني صواريخ وقد نجحت في ذلك حيث وصل مدى بعض الصواريخ إلى حدود الـ 600 كم. وفي زخم إحدى التجارب كاد أحد الصواريخ أن يسقط على سفينة حربية قبرصية، ما دفع بريطانيا الى الاحتجاج رسمياً ضدّ لبنان أمام مجلس الامن.

وهذا الأمر أدّى إلى ضغوط عالمية لوقف المشروع الأمر الذي دفع الرئيس فؤاد شهاب بإصدار قرار بوقف المشروع عام 1964 وإغلاق المختبر لأسباب سياسية وأمنية. كما كان هناك محاولات لصنع رصاص وبعض المعدات العسكرية الخفيفة لكنّ معظمها توقف لأسباب غير مبرّرة.

الوضع اليوم هو أنّ لبنان مُحاط بمنطقة مُلتهبة وجيشه لا يملك سلاحاً كافياً لردع الإرهابيين كما وطمع الدول المُجاورة. أضف إلى ذلك الفيتو الأميركي-الغربي على تسليح الجيش اللبناني لخوف الغرب مما قد يفعله هذا الجيش في حال واجه إسرائيل. والمواجهات الأخيرة مع الإرهابيين الذين إحتلوا عرسال، أظهرت الحاجةَ إلى صناعة عسكرية لبنانية لسدّ حاجات الجيش اللبناني بالمعدات التي تسمح له بردع الإرهابيين وحماية أهاليه وحدوده.

والإقتراح ينصّ على:

– أولاً: إنشاء مصنع لتصنيع الرصاص الذي يقوم الجيش اليوم بشرائه من تجار الأسلحة. وهذا ليس بالأمر المُعقّد علمياً ولا يتطلّب مهارات لا يمتلكها الجيش اللبناني؛

– ثانياً: إنشاء معامل للدواليب وذلك عبر إستراداد الدواليب المُستهلَكة وإعادة وضع إطار مطاطي حولها. وهذه الصناعة موجودة في لبنان في القطاع المدني.

– ثالثاً: إنشاء معمل تكرير للزيوت وهذا يمرّ عبر إستراداد زيوت محطات البنزين ما يحمي البيئة ويسمح للجيش اللبناني بالإستفادة من هذه الزيوت إلى حد 6

– رابعاً: إنشاء وحدة بحثية عسكرية-مدنية لتصنيع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ووسائل المراقبة والتنصت وغيرها، وتحويل نتائج هذه الأبحاث إلى شركة عامة في المرحلة الأولى على أن يتمّ خصخصة جزء منها لاحقاً بهدف جلب الإستثمارات. والهدف المنشود تأمين الأرضية للجيش وقوى الأمن الداخلي لملاحقة الإرهاب والقضاء عليه وضبط الحدود.

– خامساً: إنشاء وحدة بحثية مختصة في صواريخ الإعتراض (مدى قصير) بهدف خلق قبة حديدية على مثال إسرائيل تسمح بردع المعتدين جواً، براً وبحراً.

إنّ هذه المشاريع ستسمح بتغطية البعد الإستراتيجي والبعد الاقتصادي. فتحويل الوحدات والمصانع إلى شركات خاصة، سيسمح بتوظيف عمال وبالتالي سيُشارك هذا القطاع في النموّ الاقتصادي. وللمتردّدين، يجب القول إنّ الجيش هو بأمر السلطة السياسية ويُمكن للأمم المُتحدة مراقبة أعمال ونشاطات هذه المصانع لأنّ لبنان لا يسعى إلى الإعتداء على الآخرين وبالتالي لا نيّة له بإقتحام إسرائيل ولا سوريا.

Print Friendly, PDF & Email
Source  رابط الجمهورية