Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هل من سياسة إقتصادية تُنقذ لبنان؟

منذ تكليف الرئيس تمام سلام مهام تشكيل الحكومة والطبقة السياسية منهمكة بحساب حصصها في الوزارات والمقاعد النيابية، غير آبهة بالوضع الإقتصادي السيء والوضع الإجتماعي المتردّي الذي يطاول المُواطن اللبناني (على الأقل الأفعال تدل على ذلك!). فهل هناك من سياسة إقتصادية قد تُنقذ لبنان من الكارثة؟ برز بصيص أمل مع تكليف الرئيس تمام سلام مهمة تشكيل حكومة إنتقالية. هذا الأمل الذي تجسد بإجماعٍ على شخص رئيس الحكومة، ما لبس أن تحجّم عبر تسمية هذه الحكومة حكومة الإنتخابات.

وللأسف لم يتم ذكر الشق الإقتصادي في الخطابات والتعليقات كما لو أن المشكلة الوحيدة الموجودة هي مشكلة تشكيل الحكومة وإجراء الإنتخابات، وإنه إذا ما تمّ إنتخاب مجلس نواب جديد مع حكومة جديدة، ستُحلّ كل المشاكل. ولكن الجميع يعرف أن إنتخاب مجلس نواب جديد مع حكومة جديدة لن يُغير الإنقسامات الحادة الموجودة.

ولا نفهم من أين يأخذ أصحاب القرار النصائح التي تُحدثهم عن مبدأ الإينيرسيا (Inertia) الذي يسمح لإقتصاد البلد بالنمو على نفس وتيرة الفصل الأول من العام، حتى ولو كان أداء الإقتصاد سيئا في بقية فصول السنة. لكن ما يجهله هؤلاء أن الإقتصاد سيحتاج أعواماً ليستعيد عافيته، وأن المهم الآن هو قلب إتجاه النمو.

ومن أجل قلب إتجاه النمو، يجب وضع خطة إقتصادية معزولة عن السياسة وتتبناها كل الأطراف السياسية بغض النظر عمّن سيربح الإنتخابات القادمة. هذه الخطة الإقتصادية التي تهدف الى إنقاذ البلد من الإفلاس الذي قد نصل إليه إذا ما إستمر الوضع الحالي، يجب وضعها والبدء في تنفيذها في ظل الحكومة الإنتقالية، ويُستكمل تنفيذها في الحكومة التي تلي الإنتخابات النيابية.

هذه الخطة تطال عدة جوانب منها السياسة الإقتصادية (المالية والنقدية)، الأمن، الديبلوماسية، الإصلاحات الإدارية، القضاء… وتتضمّن النقاط التالية:

– لجم الدين العام: تنفيذ محاكاة لتطوّر الدين العام بعدة سيناريوهات، ووضع خطة للجم نمو خدمة الدين العام تتضمّن إعادة هيكلة الدين، وطلب قروض ميسّرة من قبل بعض الدول.

– وضع وإقرار موازنة عامة عقلانية: إن فشل تمويل سلسلة الرتب والرواتب هو أكبر دليل على أهمية وضع موازانات عامة على مدى خمس سنوات تُترجم الخطة الإقتصادية للحكومة وتسمح بالقيام بمشاريع إستثمارية وإجتماعية، وتُخفّف العجز الناتج عن الهدر والإختلاس.

– تحفيز النمو عبر القيام بتنشيط الإستثمار الخاص (سياسة ضريبية) والمضي بالشراكة مع القطاع الخاص.

– تشجيع التوظيف عبر سياسة ضريبية حكيمة لكل شركة تؤمن فرص عمل للشباب مع إعطاء الأولوية لللبناني.

– تخفيض كلفة الإقتصاد عبر إستيراد النفط مباشرة دون المرور بشركات وسيطة والبدء بالإستثمار بالطاقات البديلة.

– معالجة ملف الكهرباء وتخفيض نزف الخزينة من جراء هذا القطاع (إستيراد مباشر للفيول، طاقة بديلة…)

– تشجيع المصارف على زيادة القروض الى القطاع الخاص.

– القيام بحركة رسمية عبر الدبلوماسية بإتجاه الخليجيين لتحفيزهم على العودة سياحياً وإستثمارياً الى لبنان مع إعطائهم الضمانات اللازمة.

– وضع خطة تطوير للقطاع الزراعي تسمح بإستثمار المساحات الشاسعة غير المُستثمرة مع تأمين سوق للمنتوج داخلياً وخارجياً.

– دعم القطاع الصناعي وخصوصاً الصناعات الحرفية والتحويلية عبر قروض ميسّرة مع تأمين أسواق التصريف لها.

– إعطاء أولوية للمشاريع في مجال المعلوماتية والإتصالات والتي تشكل قطاعاً واعداً في لبنان.

– القيام بإصلاحات إدارية لمواكبة جذب المستثمرين، محاربة الهدر والسرقة في الوزارات والإدارات العامة، وتحويلها الى إدارة رقمية.

– تأمين مناخ أمني مُطمئن للإقتصاد عبر إعطاء الجيش اللبناني الضوء الأخضر للضرب بيد من حديد كل من يعبث بالأمن الوطني.

– وضع خطة لرصد المخالفات التي تطال الشق الضريبي وتبييض الأموال وعدم التهاون معها قضائياً.

وضع هذه الخطة لا يتطلب أكثر من شهرين كحد أقصى ويتضمّن الأهداف، الخطوط العريضة، التفاصيل (Breakdown Structure)، تمويل الخطة، تفاصيل تنفيذها، والنتائج المُرتقبة. وما دامت هذ الخطة غير مسيّسة، يُمكن الإجماع عليها من قبل كل الفرقاء السياسيين، بما يعني تحييدها عن التجاذبات السياسية.

هذا الأمر ليس بحلم. في بلجيكا، عاشت البلاد مدة طويلة بحكومة تصريف أعمال، ومع ذلك، لم تتوقف العجلة الإقتصادية، ولا تكبّد الإقتصاد الخسائر، والسبب بكل بساطة الإتفاق على نقطتين أساسيتين : الإجماع على سياسة إقتصادية من قبل كل الفرقاء، وعدم السماح بفلتان أمني.

لا شك أن إستقالة الحكومة خلّفت وراءها تحديات تُواجه الإقتصاد اللبناني. هذه التحديات، وفي ظل الإنقسام العامودي والإفقي في المُجتمع وعدم قدرة اللبنانيين على وضع خطة إقتصادية لتدارك الوضع، ستؤدي الى كلفة مالية عالية نقدّرها، بغياب أي تطور دراماتيكي (Status quo) وبإستثناء كلفة الدفاع عن الليرة اللبنانية، بخمس مليارات دولار سنوياً.

لقد رأى البعض إستقالة حكومة ميقاتي بالجيدة من حيث أنها تسمح بإعادة الحوار بين مختلف المكونات السياسية للمجتمع اللبناني. فحبذا لو أن هذا التفاؤل يترجم بإتفاق على خطة إقتصادية تكون من مهام هذه الحكومة وتبدأ بتنفيذها. ونأمل ألاّ يكون أهل السلطة يُراهنون على التطورات الإقليمية، لأن هذه التطورات لن تغير شيئا عند وقوع الكارثة.

رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email