Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

تأثير إنخفاض أسعار الذهب على الدين العام اللبناني

الذهب هو مقياس لقوة العملات أو بمعنى أخر مقياس لقيمتها الجوهرية. إذا كانت العملات قوية فهذا يعني أنها تقوم بمهامها كمادة تخزين للقيمة التي تمتلكها الدولة. وليس من سبب جوهري لتقلب أسعار الذهب بل أن أسعاره تعكس العرض والطلب. ونشهد منذ أيام إنخفاضا حادا في أسعاره، فما هي أسباب هذا الإنخفاض ؟ هل تستمر الأسعار في الإنخفاض؟ وما تأثير هذا الإنخفاض على الدين العام اللبناني؟ من المعروف أن الدول تُكوّن إحتياطياً من العملات، يتكوّن بشكل أساسي من العملات الرئيسية في العالم، من العملة الوطنية ومن الذهب. ومع تفاقم الأزمات المالية في العالم، أخذت المصارف المركزية، وعلى رأسها المصرف المركزي الصيني، بتكوين إحتياطات هائلة من الذهب لعدم ثقتها بالعملات الرئيسية، كما بدأ المُستثمرون بأخذ مراكز على الذهب أدّت إلى زيادة الطلب عليه.

هذه الزيادة في الطلب من قبل المستثمرين ومن قبل المصارف المركزية، أدّت إلى إرتفاع في أسعار الذهب تجلّى بأسعار وهمية لاتعكس قيمته الجوهرية.

لكن أسعار الذهب أخذت إتجاها نزوليا منذ مطلع تشرين الأول 2012. هذا الإنخفاض تسببت به خمسة عوامل (منها ما هو جوهري ومنها ما هو مراهنة) أثرت على العرض والطلب:

أولاً: الإنتعاش في الإقتصاد الأميركي الناتج بالدرجة الأولى عن الإستثمارات الهائلة التي تقوم بها الحكومة الأميركية. فمنذ حزيران 2012 ومؤشر الأسهم في أميركا (Dow Jones Industrial) يرتفع حتى أنه تخطى مستواه في عام 2008 قبل بدء أزمة المشتقات الإئتمانية ذي المخاطر.

وبما أن هذا الإرتفاع بدأ يغري المستثمرين، فقد الذهب موقعه كملاذ آمن وإتجه المستثمرون الى الإستثمار في سوق الأسهم. وبنظرة على رسم مؤشر الأسهم الأميركية مقابل الذهب، نستنتج أن هذا الإخير فقد موقعه كملاذ أمن منذ مطلع سنة 2013.

ثانياً: إعلان وزير المالية القبرصي هاريس جورجيادس أن حكومة بلاده تخطط لبيع بعض احتياطي الذهب خلال الأشهر القادمة (الجمهورية بتاريخ 17 نيسان 2013). هذا الإعلان خلق نوعا من البلبلة في الأسواق على الرغم من الكمية المحدودة (14 طنا) التي هي موضوع البيع.

ثالثاً: في 10 نيسان 2013، قام بنك الاستثمار غولدمان ساكس بالإعلان عن بيع الذهب في محافظه المالية. وفقاً للمحللين في البنك، يتوجب بيع الذهب نظراً لإنخفاض توقعات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا.

وتبع بنك الاستثمار غولدمان ساكس عدة بنوك أخرى تمتلك وضعيات هائلة كما وكثير من المستثمرين. وتجلّت هذه العمليات بإنخفاض حاد في أسعار الذهب في أواخر الأسبوع الماضي.

رابعاً: قامت اليابان ببيع قسم من مخزونها من الذهب. هذه العملية جاءت نتيجة إنخفاض قيمة الين مقابل الدولار الأميركي. ومن خلال بيعها الذهب في الأسواق، قامت اليابان بتقويم حيازاتها من الذهب بالدولار الأميركي.

وبهذا تمكنت الحكومة اليابانية من الحصول على ين ياباني بواسطة الدولار الأميركي أكثر من الذهب (Arbitrage Opportunities). وهذا ما سمح للياباني بزيادة قوته الشرائية عبر كسب 10 ين مقابل كل دولار مما سيدفعه الى الإستهلاك وزيادة النمو في اليابان.

خامساً: أخذت الأسواق بالركود بعد العاصفة التي ضربت الأسواق في 2008 الى أواخر الـ 2011. وإذا نظرنا الى مؤشر التقلبات في الأسواق المالية (VIX)، نرى أن هذا المؤشر عاد الى مستويات متدنية لا تسمح للمستثمر بقطف الفرص في الأسواق مع الصعود المنتظم لمؤشر الأسهم الأميركية.

وعند إعلان غولدمان ساكس ببيع الذهب أخذ هذا الأخير بالتهاوي مما شكل حركة جماعية في الأسواق تجلت ببيع المستثمرين للمراكز التي يحملونها من الذهب واللجوء الى أسواق الأسهم.

ولكن هل سيستمر سعر الذهب بالإنخفاض؟

الجواب هو كلا والأسباب تكمن في نسبة الدين على النمو. فالنمو الحاصل في الولايات المتحدة الأميركية سببه الأموال الهائلة التي تضخها السلطات الأميركية في الإقتصاد.

هذه الأموال تأتي بنسبة كبيرة من الدين. لذا فإن نسبة النمو يجب أن تكون أكبر من قيمة الديون الإضافية، وإلا سبّب ذلك إضعاف نسبة الدين على النمو مما يؤدّي الى إفلاس الدولة الأميركية. مما يعني أن الذهب سيغري المستثمرين من جديد.

هناك سبب أخر في عدم إستمرار إنخفاض أسعار الذهب، وهذا السبب هو أسعار الفائدة. وإذا ما عاد النمو فإن التضخّم سيظهر، مما سيُلزم المصرف المركزي الأميركي برفع الفائدة، خصوصاً مع كميات هائلة من العملات طُبعت منذ العام 2008 وحتى الأن.

وهنا سيدخل الإقتصاد في معضلة : من جهة يجب رفع الفائدة لتفادي التضخم (سيء للعملة) ومن جهة أخرى فإن رفع الفائدة سيزيد خدمة الدين وبالتالي الدين العام.

ما هو تأثير إنخفاض أسعار الذهب على الدين العام اللبناني؟

إن الإقتصاد أصبح عنصراً أساسياً في إستقرار البلدان ولهذا نشهد أن المصارف المركزية تلعب أدواراً غير منوطة بها عادة (تسييل الدين، ضخ المال في الأسواق…). وفي لبنان، يلعب المصرف المركزي هذه الأدوار غير العادية، ولو بتطبيق مختلف قليلاً.

وقد عمد المصرف المركزي اللبناني منذ عدة سنوات الى إعادة تقييم الذهب لتخفيض نسبة الدين العام على الناتج المحلي الإجمالي مستفيداً بذلك من إرتفاع أسعار الذهب في ذلك الوقت. لذا فإن إعادة تقييم الذهب من جديد سيرفع بلا شك نسبة الدين العام على الناتج المحلي الإجمالي مما سيؤثر سلباً على المالية العامة.

إننا، وكإستنتاج لما سبق ذكره، نرى أن هناك ضرورة قصوى للسيطرة على الدين العام اللبناني لأن تجارب الدول الأخرى تُظهر أن مستوى دين عالٍ يُصبح غير محمول إذا ما تجاوزت أسعار الفائدة الـ

رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email