Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

كيف تعد روسيا مخطط ضرب تركيا؟

يُشكّل موقع تركيا الجغرافي همزة وصل بين أوروبا وآسيا ما يُعطيها أهمية إقتصادية كبيرة على صعيد النقل والإستثمارات بحكم قربها الجغرافي وكلفة اليدّ العاملة فيها.

Print Friendly, PDF & Email

المدن \ بروفسور جاسم عجاقة

والأهم من هذا كلّه، أن تركيا إستطاعت منذ أوائل ثمانينات القرن الفائت أن تضمن لنفسها نسبة نمو مقبولة بفضل السياسات التي اتبعتها. ولكن هذه النسبة كانت مُتقلبة بسبب الأحداث السياسية والإقتصادية التي واجهتها كحرب العصابات في 1984، الأزمة المالية في 1994، والأزمة المالية والإقتصادية في أواخر تسعينات القرن الماضي. وهذا ما دفع الحكومة في العام 2001 إلى إجراء إصلاحات أسست لبنية الوضع المالي والإقتصادي الحالي في تركيا: إستقلالية البنك المركزي التركي، إعادة رسملة عدد من البنوك العامة والخاصة، إقفال المصارف التي في وضع الإفلاس، وإعادة هيكلة عدد من المؤسسات العامة والخاصة. وقد أدّت هذه الإصلاحات إلى وضع تركيا في نطاق الدول الجاذبة للإستثمارات (2

يحتل الإقتصاد التركي المرتبة الأولى في الشرق الأوسط (والـخامسة عشرة عالمياً) من ناحية الحجم، مع ناتج محلّي إجمالي يبلغ 1050 مليار دولار. هذه القوة أتت كنتيجة لعوامل عديدة هي وليدة الإصلاحات التي قامت بها الحكومة التركية في العام 2001، ولثبات النظام الحاكم على مدى السنين الماضية، ما سمح له بتنفيذ الخطة الإقتصادية. لكن هذه الخطة إعتمدت بشكل كبير على الإستثمارات الأجنبية المُباشرة أكثر من إعتمادها على الثروة المخلوقة من الماكينة الاقتصادية وهذا ما يجعل الاقتصاد التركي رهينة هذه الإستثمارات الأجنبية المباشرة. فالإستهلاك المحلّي مُتعلق بشكل كبير بمديونية المواطن التركي حيث يزيد الإستهلاك كنتيجة لزيادة المديونية. وبالتالي فإن مدخول المواطن التركي يتعلق بالإستثمارات الأجنبية والتي إذا ما قلّت تؤدي إلى تعثر القروض وإنخفاض الإستهلاك وبالتالي إنخفاض النمو.

الوضع الجيوسياسي

بُعيد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء الحرب الباردة، بدأت تركيا والولايات المُتحدّة الأميركية بالتعاون عسكرياً بين الماكينتين العسكريتين. وتزامن هذا التعاون مع تدهور للعلاقات التركية-السوفياتية ومع إضطرابات داخلية وتأزم ملف الأكراد. وفي العام 1980 حصل إنقلاب في تركيا أدّى إلى تطور إيجابي في العلاقات التركية الأميركية من علاقات عسكرية بحتة، إلى علاقة مبنية على منطق جيوستراتيجي، مع تموضع تركيا في حقل السياسة الغربية وبالتحديد الأميركية. وأصبحت معها تركيا العمود الرئيسي للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط عبر التأثير على السياسات العربية من خلال سياسة تركيا الإقليمية. وعلى الصعيد العسكري إستفادت الولايات المُتحدة الأميركية من قاعدة عسكرية في المنطقة من خلال حلف شمال الأطلسي. وبلغ هذا التعاون الديبلوماسي– العسكري ذروته في حربي الخليج (الأولى والثانية).

أدّى الوضع الإقتصادي المُتردّي في تركيا في أواخر تسعينات القرن الماضي إلى وصول النظام الإسلامي الحالي (AKP) إلى الحكم. وإستمرت تركيا في التبادل التجاري مع إيران على الرغم من وجود عقوبات إقتصادية ضد الأخيرة، مستفيدة بذلك من وجود جالية تركية كبيرة في إيران تعود إلى “الفتح العربي” لإيران إبان تقهقر الأمبراطورية الفارسية. وبذلك سعت تركيا إلى التقرب من إيران عبر هذا التبادل، ومن الدول العربية عبر موقفها اللافت من حصار غزة. وأصبح لدى تركيا أملٌ في تزعم العالم الإسلامي مع عودتها إلى الساحة الإقليمية وهي التي كانت غائبة عنها لعقود.

وشكّل موقف تركيا من نظام الأسد إبان الثورة السورية نقطة تحوّل في العلاقات مع روسيا التي إعتبرتها عائقاً أساسياً أمام إستمرار النفوذ الروسي في المنطقة مع وقوفها ضد آخر نظام موالي لروسيا في الشرق الأوسط. وأصبحت روسيا بإنتظار الفرصة المناسبة للجم النفوذ التركي في المنطقة والذي إتهمته روسيا بدعم تنظيم “داعش”.

الحادثة الأولى التي تُؤكد هذا التحول السيء في العلاقات الروسية التركية، كانت إسقاط الطائرة التركية مقابل الساحل السوري من قبل القوات الروسية المُتمركزة في طرطوس. وعلى إثر التدخل العسكري الروسي في سوريا، لم تتوارنَ روسيا عن إستفزاز تركيا عبر خرق مجالها الجوّي بإستمرار.

الحرب المُقدّسة

على إثر بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا، أصدرت الكنيسة الأورثوذكسية الروسية بياناً قالت فيه أن الحرب في سوريا هي “حرب مُقدّسة”. وهذا الإعلان هو بمثابة مفاجأة، إذ أن هذه العبارة استخدمت في الحروب الدينية كالحروب الصليبية لإستعادة القدس، وحرب “القاعدة” و”داعش” لتحرير العراق من الأميركيين. فما هو هدف الروس من إستخدام هذه العبارة؟ السيناريو المُحتمل يُمكن أن يكون بإعادة إحياء الدولة البيزنطية (بغض النظر عن الشكل الذي ستأخذه!) وهي الدولة التي كانت عاصمتها القسطنطينية (إسطنبول) وكانت موجودة مكان الدولة التركية الحالية. نعم قد يكون هذا السيناريو خيالياً إلا أن الإحتمال موجود. كيف لروسيا أن تُنفذّ مخطط ضرب تركيا؟

هناك إحتمالان: الأول توجيه ضربة عسكرية لتركيا والثاني الضغط عليها إقتصادياً.

في ما يخص الضربة العسكرية، قد يكون من الصعب تصور هذا السيناريو مع وجود تركيا ضمن حلف شمال الأطلسي. وإذا ما هاجمت روسيا تركيا، فإن حلف الأطلسي سيرد. لكن هل حلف الأطلسي مُستعدّ للردّ؟

إذا ما حاولنا مقارنة الوضع الحالي بوضع العالم في الحقبة النازية، نرى أن قرار الدول الغربية بدخول الحرب ضد المانيا النازية أتى نتيجة التهديد الكياني لهذه الدول. اليوم الوضع مُختلف، والمعادلة هي المُحافظة على هيبة حلف شمال الأطلسي وصدقيته ومصالحه الإقتصادية. فهل هذا الأمر يكفي لدخول حرب ضد روسيا مصيرها إستخدام النووي؟ التاريخ سيخبرنا.

أما في ما يخص الشق الاقتصادي وهو الأكثر إحتمالاً في حال وجود نيات روسية بضرب تركيا، فإن الخطة مبنية على خلق إضطرابات داخل تركيا بإعتمادها على الأقليات (علويون، أكراد، أرمن) ما يؤدي إلى تراجع الإستثمارات الأجنبية المباشرة عصب الاقتصاد التركي وإلى تراجع السياحة. وهذا الأمر إن حصل فإن تركيا قد تخسر سريعاً مكانتها الاقتصادية. وإذا ما إضفنا إلى هذا المزيج تسليح الأكراد في تركيا، فإن تركيا قد تخسر مناطق عدة خصوصاً في شرق تركيا وهذا الأمر سيوقظ الحلم الكردي ببناء دولة كردية عابرة لسوريا، العراق، وتركيا. وبحكم أن تركيا دولة أمنية، فإن ردها في الداخل سيكون قاسياً وهذا ما يدعم سيناريو التقهقر الاقتصادي. وهذه الدولة ستكون دولة سنية بإمتياز في مواجهة إيران نظراً لأن قسماً من الدولة الكردية سيطال إيران. بالطبع الولايات المُتحدة الأميركية لن تقف مكتوفة الأيدي وستُحاول بشتّى الطرق صد هذا المشروع نظراً لإحتمال خسارة حليف أساسي لها في المنطقة، لكن العلاقات التي تربط البشمركة مع إسرائيل قد تكون عامل تسهيل لخلق هذه الدولة.

ما هي مصلحة روسيا الاقتصادية مع تركيا؟ إن نظاماً تركياً موالياً لروسيا يُشكّل دعامة أساسية في إستراتيجية روسيا الغازيّة والتي تهدف من خلالها للسيطرة على سوق الغاز في أوروبا. ووجود تركيا في حضن السياسة الروسية، يمنع أي دخيل مثل قطر أو أي دولة شرق أوسطية أخرى من إيصال الغاز إلى السوق الأوروبية.

Print Friendly, PDF & Email
Source رابط المدن