Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

التهّرب الضريبي: أين سيادة الدولة المالية؟

كشفت دراسات مالية وإقتصادية أن لبنان يخسر سنوياً ملايين الدولارات بسبب ما يعرف بالتهّرب الضريبي، الأمر الذي يؤدي إلى ضرب مداخيل حزينة الدولة، ويدفع البلد إلى مزيد من الإستدانة لسد عجزه المالي. وبحسب تقرير بنك عوده عن الفصل الثاني للسنة الحالية، والمنشور خلال شهر آب الفائت، فإن كلفة التهرب الضريبي بلغت 5 مليارات دولار سنوياً، أي ما يوازي ال10 في المئة من الناتج المحلي. فما هو واقع هذا الملف الحساس ؟ مجلة «النجوى- المسيرة» تسلط الضوء على مسألة التهرب الضريبي مع كبير الإقتصاديين في مجموعة «بنك بيبلوس» الدكتور نسيب غبريل والخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة.

Print Friendly, PDF & Email

المسيرة | نهاد طوباليان

التهّرب الضريبي، وفق الدكتور نسيب غبريل هو «حين لا يسدد الأفراد والمؤسسات ما يتوجب عليهم من ضرائب لخزينة الدولة بالكامل أو جزئياً، الأمر الذي يؤدي إلى هدر فرص على أي خزينة في العالم، لغياب الشفافية في تعاطي الأفراد والشركات والمؤسسات مع هذا الموضوع الحيوي.

فالتهرب الضريبي هو مصطلح عام يشير إلى الجهود التي يبذلها الأفراد أو المؤسسات لتجنّب دفع الضرائب. يتضمن التهرب الضريبي عادة تشويه أو إخفاء متعمد للوضع الحقيقي للمكلّف تجاه السلطات الضريبية للحد من قيمة الضرائب التي يجب دفعها ويشمل على وجه الخصوص تقديم تقارير ضريبية غير صادقة، مثل التصريح عن أرباح أقل من القيمة الحقيقية لها أو إخفاء متعمد للوضع الحقيقي للمكلف الضريبي تجاه السلطات الضريبية. والتهرب الضريبي في لبنان يحصل بدرجات متفاوتة على الضريبة على الأجور والأرباح ورأس المال وعلى الاستهلاك وعلى الاستيراد والتصدير. فمن واجب الدولة محاولة القضاء على هذه الظاهرة أو الحدّ منها باقتراح بعض الحلول لمحاربتهـا وإصدار قوانين جديدة لردع المخالفين والحدّ من أثارها على المجتمع.

للتهّرب الضريبي في لبنان أوجه عدة، يقول الدكتور غبريل لمجلة «النجوى- المسيرة». ويوضح: تملك الشركات والمؤسسات قدرة التهّرب من ضرائب الدخل والضريبة على الأجور، وعدم دفع المتوجبات لصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، ومن دفع ضريبة القيمة المضافة وحتى الرسوم الجمركية. كما وأن بعض الأفراد يتهّربون من دفع ضريبة الدخل على الأرباح وعقود البيع الشخصية (سيارة، قطعة أرض، بيت) وصولاً الى الأسهم والسندات، هذا عدا عن الضرائب غير المباشرة التي لا تسدد، كفواتير الكهرباء، حيث أنه بحسب أرقام البنك الدولي إن ثلثي خسائر هذا القطاع سببها ما يُعرَف بالخسائر «غير التقنية» أي عدم تسديد بعض دوائر الدولة فواتيرها لشركة كهرباء لبنان، كما أن عددًا كبيرًا من الأفراد والأسر والمحال التجارية يعمدون إلى التعليق على الشبكة. ويضاف إليهم رسم الميكانيك الذي هو أيضاً نوع من الضريبة، وقد بينت أرقام صادرة عن دوائر رسمية أن40  الى 45 في المئة تقريباً من السيارات في لبنان لا يدفع أصحابها رسم الميكانيك المتوجب عليهم سنوياً.

في المقابل، لفت الدكتور غبريل إلى أن «30 في المئة من إقتصاد لبنان هو إقتصاد مواز، يقوم على تأسيس أفراد صناعات وتجارة من دون رخصة، ولا يسجلونها في وزارة المال ولا يسجلون موظفيهم في الوزارة وفي الضمان الإجتماعي، وتالياً، لا يصرحون عن دخلهم وأرباحهم، ولا يدفعون أي نوع من الضريبة، ما يعني أن هناك قدرة على التهّرب الضريبي».

وأشار الدكتور غبريل إلى أن «نسبة المتهربين من الضريبة مرتفعة في لبنان»، وأنه «يصعب تقدير عدد المؤسسات والافراد الذين يتهربون من التصريح والدفع، كما حجم الأموال التي تُحجَب عن خزينة الدولة، فيما لا تتعدى نسبة من يدفع الضريبة لا تتعدى نسبته ال40 في المئة من الشركات والمؤسسات والأفراد ممن يسددون ما عليهم بالكامل، في حين أن 60 في المئة إما يسددون الضرائب جزئياً، أو لا يدفعون شيئاً، وهذه الأخيرة، تشكل النسبة الأكبر في التهّرب الضريبي».

ووفق الدكتور غبريل، فإن من يتحمل عبء ضريبة الدخل في لبنان «هم بالدرجة الأولى الموظف الذي تُقتَطَع ضريبة الدخل من معاشه والقطاع المصرفي الذي يُصرّح عن ارباحه ويدفع ضرائبه بالكامل». وقال: «يظهر ذلك جلياً في مالية الدولة، بحيث أن 50 في المئة من مجموع ضريبة الدخل التي تدخل الى الخزينة تأتي من المصارف التجارية. إن هذا الأمر غير طبيعي، لا سيما وأن مساهمة القطاع المصرفي بالإقتصاد اللبناني تبلغ 9 في المئة فقط من الناتج المحلي، ولا يجوز تحميل القطاع المصرفي أو أي قطاع آخر هذه النسبة من الضرائب. وأضاف ان أحد المصادر الأساسية لخزينة الدولة هو الضريبة على القيمة المضافة أي الضريبة على الاستهلاك. ولكن بالرغم من صعوبة التهرب من هذه الضريبة هناك تهرب من دفعها في العديد من الحالات حسب دراسة لصندوق النقد الدولي. كما ان الجميع يعلم وضع الضرائب في ما يخص الجمارك».

ورد الدكتور غبريل أسباب تهّرب الأفراد كما الشركات من تسديد الضرائب الى ضعف العامل «الرادع» من التهرب، إذ إن طبيعة الإنسان منذ القدم لغاية اليوم تعكس رغبته في نهاية كل شهر أو سنة عدم إقتطاع نسبة مما جناه بكد وتعب، كما ان جابي الضرائب مكروه منذ بدء التاريخ وفي كل الحقبات والأزمنة والبلدان. من هنا تأتي أهمية عنصر «الردع» من التهرب الضريبي.  وتابع: كلما زادت نسبة الضرائب، كلما زادت نزعة التهّرب من دفعها في لبنان وفي العديد من البلدان الاخرى. إلا أن السبب المُعلَن مرارًا وتكرارًا للتهرب من دفع الضرائب في لبنان يتعلق بتذمر المكلفين من الهدر والفساد وغياب الخدمات. ولكن هذا يشكّل عذرًا أقبح من ذنب، اذ ان واجب كل مواطن الالتزام بالقوانين ومن ثم الاعتراض، لأن من لا يدفع ضرائبه بالكامل ويخالف القانون لا يملك حق التذمر من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ومن تردّي نوعية الخدمات العامة ومن أداء الأحزاب والسياسيين».

وفيما خص الضرائب ونسبتها، قال: «إن الضرائب متحركة إلى حد معين، بحيث تصل إلى 22  في المئة على  دخل الفرد، و17  في المئة على ارباح الشركات، بعدما رُفعَت العام الفائت من 15 إلى 17  في المئة، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 11 في المئة. لقد كان قرار الحكومة برفع الضرائب العام الفائت خاطئاً، لأنها أقدمت على ذلك في ظل وضع إقتصادي متباطئ، وهو ما أدّى إلى جمود إقتصادي نعيشه اليوم. ومن دفع هذه الزيادات هم ال40 في المئة فقط، أي الموظف والقطاع المصرفي والشركات في قطاعات أخرى التي تصرّح عن دخلها بالكامل، فيما تغاضى عنها كل من يتهرب منها من الأساس. وكان من الأجدى مكافحة التهرب وتفعيل الجباية لزيادة دخل الخزينة لجنب زيادة الضرائب».

ورأى غبريل أن التهّرب الضريبي «يعكس عدم قدرة الدولة في دفع الأفراد والمؤسسات للتصريح عن دخلهم وأرباحهم، وتسديد الضرائب المتوجبة عليهم». وإعتبر أن من لا يسدد الضرائب «هم بكل بساطة القادرون على ذلك، لغياب الملاحقة، وعدم وجود عقوبات تردعهم، عكس ما هو سائد في البلدان التي تتسلح بالقوانين الصارمة، والتي تحث المواطن والمؤسسات على دفع متوجباتها المالية لصالح خزينة الدولة».

تابع الدكتور نسيب غبريل: «فيما يعتبر التهّرب الضريبي غيابًا للمسؤولية المدنية لدى المكلف، فإن التهرب يتسبب في خسارة لواردات الخزينة في لبنان. ومن شأن تسديدها بالكامل من قبل كل المكلفين، ن يزيد من مدخول الدولة بمبلغ قدره مليار دولار سنوياً على الأقل، الأمر الذي يؤدي تلقائياً إلى ارتفاع واردات الدولة، والتخفيف من العجز بالموازنة، وخفض حاجة الدولة للإستدانة، وبالتالي تحسن تصنيف لبنان  الإئتماني من قبل وكالات التصنيف المالية العالمية والى تخفيض نسبة الفوائد على الودائع والتسليفات المصرفية».

ولبلوغ لبنان هذا الهدف، رأى الدكتور غبريل أن الحاجة ماسة ل»تطبيق القوانين ذات الصلة، وإعتماد سياسة «الجزرة والعصا» وعدم إجتزائها». وأضاف: «عملياً، المشكلة ليست بالقانون الضريبي لأنه جيد، إنما بتطبيقه، لا سيما لجهة فرض العقوبات على المتخلفين عن دفع الضرائب. إن العدالة الإجتماعية تقضي بملاحقة ومعاقبة من لا يدفع الضريبة، لا ان ترتفع الضرائب على المكلفين الذين يلتزمون بالقانون، كما أن ما يُعرَف بالعقد الإجتماعي يلزم المواطن بدفع الضرائب كي تقدم الدولة الخدمات له ولكافة المجتمع».

وشدد غبريل على ضرورة أن تكون هناك «إرادة وقرار سياسي لتطبيق القانون على الجميع، على أن يترافق ذلك مع توفير الخدمات الأساسية التي على أساسها يدفع المواطن الضرائب. واضاف: تتراجع نوعية الخدمات في ظل التهّرب الضريبي، فيما المواطن يتكلف بدفع ضرائب موازية، بمعنى أنه يدفع فاتورتي كهرباء، واحدة لشركة كهرباء لبنان وأخرى لأصحاب المولّدات غير الشرعية، ويدفع ثلاثة فواتير للمياه، عدا عن تكاليف غير مباشرة يدفعها المواطن جراء وضع الطرقات، وغياب التأمين الصحي ونظام تقاعد للقطاع الخاص وغيرها من الأمور والخدمات الواجب توفيرها من تحصيل الضرائب.

فتوفير الخدمات بالتوازي مع دفع المكلف الضرائب، تابع غبريل «من شأنه أن يعزز ثقة المواطن بالدولة، كما هي الحال مثلاً في إلمانيا التي تقتطع 51 في المئة كضريبة دخل  قصوى على دخل الفرد، لكنها بالمقابل توفر كل الخدمات الأساسية لحياة مشرفة».

وهل الدولة قادرة على تطبيق القانون الضريبي على الجميع ، وتالياً مكافحة التهّرب الضريبي؟ أجاب الدكتور غبريل: «حين تتوفر الإرادة السياسية، تكون الدولة عندها قادرة على تحصيل حقوقها الضريبية، وتفعيل الجباية كما يجب». وبهذا السياق، إستعرض غبريل النموذج الأميركي في تحصيل الضرائب، فقال: «يبلغ حجم إقتصاد الولايات المتحدة الأميركية 20 تريليون دولار أميركي، وفي المقابل، يدرك الشعب الأميركي أن هناك حقيقتان مؤكدتان تلازمه هما «الموت والضرائب». لذا، يبذل الأميركيون أفرادًا وشركات جهداً للتصريح عن دخلهم وتسديد الضرائب المتوجبة عليهم بحلول المهلة الزمنية المحددة لهذه الغاية بتاريخ 15 نيسان من كل عام، وذلك تفادياً لملاحقتهم من قبل دائرة تحصيل الضرائب التابعة لوزارة الخزانة الأميركية بما لديها من محاكم خاصة، وما تتمتع به من سلطة شبه مطلقة وصلاحيات لملاحقة الأفراد والشركات، وإجراء تدقيق مالي».

كما إستعرض الدكتورغبريل التجربة الروسية بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي لمكافحة ظاهرة التهّرب الضريبي، فقال: «عند إنهيارالإتحاد السوفياتي، تفكك العديد من مؤسسات الدولة وأصبح من الصعب تحصيل الضرائب، ما دفع الدولة الروسية في ما بعد إلى إستخدام الجيش لمكافحة هذه الظاهرة». وأضاف: «جميعنا يعرف أن الأمن هو الخدمة العامة المحققة والتي يلمسها المواطن يوميًا، ولدينا جيش نقدره ونحترمه ونهابه. لذا، يمكن اللجوء إليه كوسيلة لمكافحة التهّرب الضريبي».

وخلص للقول: «فيما الرادع من التهّرب الضريبي موجود في الولايات المتحدة كما في الكثير من البلدان ينقصنا في لبنان هذا الرادع. وما نشهده في لبنان هو بذل وزارة المال جهداً مشكورة عليه، يتجلى بإعتمادها سياسة «الجزرة»، أي تقديم تخفيضات على الغرامات، والتشجيع على التصريح عن الدخل وتمديد المهل، وإدخال المعاملات الإلكترونية مثلاً الى القطاع العقاري للحدّ من التلاعب بأسعار الشراء أو البيع وكلها خطوات ضرورية وجيدة. ولكن على السلطات ان تستخدم «العصا» الرادع لمن يتهّرب من التصريح عن الدخل وتسديد الضرائب المتوجبة وخصوصًا للمصانع والشركات والأفراد العاملين في الاقتصاد الموازي، كما للأفراد العاملين في المهن الحرّة».

البروفسور عجاقة: المطلوب ثقافة ردع ضد ثقافة الفساد

أما الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة، فقد إعتبر أن التهرّب الضريبي « ظاهرة قديمة آتية من مبدأ يعتقد به العديد من الأشخاص ألا وهو «عدم أحقية الضرائب» المفروضة من السلطة الحاكمة وعملًا بمبدأ «المصلحة الذاتية العقلانية» الذي يُكرّس المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامّة». وقال: «كان اللبنانيون على أيام الحكم العثماني يرفضون دفع الضرائب للسلطنة العثمانية بإعتبارها قوّة إستعمارية. وبالتالي كانوا يتهرّبون قدر المُستطاع من دفع هذه الضرائب. وإستمر اللبنانيون تحت الإنتداب الفرنسي، بالتهرّب من دفع الضرائب للأسباب نفسها».

ورأى البروفسور عجاقة أن إستقلال لبنان «لم يُغيّر في هذه الثقافة، لا بل على العكس، زاد الفساد والتهرّب الضريبي وصولًا حتى أيام الرئيس فؤاد شهاب الذي قام بإنشاء مؤسسات رقابية وسنّ قوانين تُحارب الفساد والتهرّب الضريبي». وأضاف: «إستمرت هذه المؤسسات بعملها الرقابي وملاحقة المُتخلّفين عن دفع الضرائب حتى بدء الحرب الأهلية في لبنان ، حيث توقّف دفع الضرائب بشكل شبه كامل، بإستثناء بعض المناطق. خلال هذه الفترة، إستفحل الفساد والسرقة وسادت ثقافة الإعتماد على النفس بدل الإعتماد على الدوّلة التي كانت مشلولة».

الخروج من الحرب الأهلية، بحسب عجاقة «كرّس مبدأ «السلم الأهلي فوق كل إعتبار»، وبالتالي لم يكن هناك من محاسبة جدّية للمتهربين من دفع الضرائب حفاظًا على هذا المبدأ لأن المساس بشخص يعني المساس بطائفته». وأشار إلى الأحداث التي مر بها لبنان (من عناقيد الغضب إلى اليوم مرورًا بإغتيال الرئيس الحريري، عدوان تموز 2006، أحداث 7 أيار، الأزمة السورية، التفجيرات في العام 2013، الفراغ الرئاسي…) لم تساعد لبنان «على تحسين التحصيل الضريبي، بل أخذ التهرّب الضريبي أبعادًا جديدة مع تطوّر قوانين الشركات والإستفادة منها، عبر خلق شركات وهمية تقوم بعمليات التهرّب الضريبي».

وتابع البروفسور عجاقة: «أضف إلى ما سبق، فإن غياب الشمول المالي والتعامل بالنقد وتفشّي الفساد، أفقد الدوّلة سيطرتها الرقابية على النشاط الإقتصادي، خصوصاً أن الإقتصاد غير الرسمي يُشكّل أكثر من 38 في المئة من حجم الإقتصاد العام. لذا، هناك  حالياً إعتقاد سائد لدى المواطن اللبناني أن الضرائب تذهب إلى جيوب بعض المُستفيدين، وبالتالي يجدون خلف هذا الإعتقاد حجّة قوية للتهرّب من دفع الضرائب».

ولفت إلى  أن التهرّب الضريبي هو «عملية سرّية لا يتمّ الكشف عنها، وبالتالي هناك صعوبة بمعرفة الرقم بالتحديد». من هذا المُنطلق، أضاف: «هناك منهجيتان يتمّ إعتمادهما لتقديرهذه الخسارة: الأولى تعتمد على منهجية ماكرو إقتصادية لتقدير حجم التهرّب الضريبي، والثانية تعتمد على تشريح التهرّب الضريبي وتقدير كل شق منه».

وأضاف عجاقة: «إن الحسابات  التي قمنا بها بإعتماد هاتين المنهجيتين، أعطت أرقاماً متقاربة بحدود الـ 4.5 مليار دولار أميركي،  وبالتحديد، المنهجية الأولى التي تعتمد النمذجة الماكرو إقتصادية التي  أعطت الرقم 7.2 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي أي 4.02 مليار دولار أميركي».

أما المنهجية الثانية، والكلام لعجاقة «فأعطت الأرقام التالية: التهرب من ضريبة الدخل (1.65 مليار د.أ)، التهرّب الجمركي (1.38 مليار د.أ)، التهرّب من الـ TVA (1.35 مليار د.أ)، التهرّب من دفع فواتير ورسوم للمؤسسات العامّة (370 مليون د.أ)، والتخمين العقاري (220 مليون د.أ) أي ما يوازي 4.96 مليار دولار أميركي».

ومما سبق، علق البروفسور عجاقة: «نرى أن هناك إشكالية الدقّة في تخمين الخسارة على خزينة الدولة الناتجة عن التهرّب الضريبي بسبب سريّة هذه العمليات. وكمعدّل عام هناك 4.5 مليارات دولار أميركي تخسرها الخزينة سنويًا أي ما يوازي 8.18 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي».

بالطبع هذه الأرقام وفق عجاقة لا تأخذ بالإعتبار الخسارة غير المباشرة والناتجة عن غياب الفرص الإقتصادية، والتي كانت لتؤمّن لخزينة الدولة مداخيل إضافية، يضعف تقديرها بسبب صعوبة النمذجة الحسابية.

ولفت عجاقة الى وجود عدة أماكن يتمّ فيها التهرب من دفع الضرائب والرسوم، وهي وفق التالي:

أولًا – التهرب من دفع ضريبة الدخل الذي يتبع عدة أساليب منها عدم التصريح، التلاعب بالإيرادات والإنفاق… وهذه الأساليب تقوم بها بالدرجة الأولى الشركات ولكن أيضاً الأفراد.

ثانيًا – التهرّب من دفع الرسوم الجمركية الذي تقوم به شركات وأفراد عبر المرفأ، المطار وأيضاً عبر الحدود الشرقية. وهذا البند بالتحديد يُشكّل فضيحة في العالم الإقتصادي من ناحية أن سيادة الدولة المالية ليست مُحترمة.

ثالثًا – التهرّب من دفع فواتير ورسوم لمؤسسات عامّة تُقدّم خدمات للشركات والأفراد كشركة كهرباء لبنان، والمُعاملات الإدارية التي تتمّ من دون إحترام القوانين المرعية الإجراء.

رابعًا – عدم التخمين الصحيح للعقارات الذي يؤدي حكماً إلى تراجع مداخيل الخزينة بحكم أن هذه الأخيرة هي نسب مئوية على قمية العقار.

لذا، رأى عجاقة من الناحية النظرية، أن «الشركات والأفراد هم المُستفيدون من هذا التهرّب، لكن الملاحظ أن الشركات والأفراد يتنظّمون ضمن منظومة معينة تأخذ طابعاً حزبياً في بعض الأحيان، وطائفياً في أحيان أخرى».

وفيما اعتبر أن الفساد هو عمل غير أخلاقي «عبر وضع المصالح الشخصية قبل الصالح العام»، وبأن «هناك تلاعب في القواعد العامة المنصوص عليها في القوانين المرعية الإجراء»، أشار عجاقة إلى فرضية «وجود علاقة جوهرية بين التخلّف الفكري في المجتمع وبين تفشّي ظاهرة الفساد والتي يُعتبر التهرّب الضريبي أحد أوجهها».

ولفت إلى أن المشكلة تكمن في أن «ثقافة الفساد تُشرّع في عقل اللاعبيين الإقتصاديين، مبدأ الإثراء غير المشروع عبر التهرّب من دفع الضرائب، من خلال التلاعب بقواعد اللعبة الإقتصادية وتسريع الإثراء الشخصي».

وقال البروفسور عجاقة: «لو كان الفساد غير موجود في لبنان، وكان اللاعبون الإقتصاديون يدفعون ضرائبهم بشكل صحيح، لكنا اليوم على مستويات عالية من التطوّر الإجتماعي، البيئي، والثقافي. ولكن للأسف هناك تخلّف فكري ناتج عن تشريع ثقافة الفساد التي أصبحت تُمارس بالعلن».

وعما إذا كان الخلل مرتبط بالقانون ما يفرض إعادة النظر به، أم بالمتهربين من تسديد الضرائب، اجاب البروفسور عجاقة: «نعم هناك خلل واضح في القوانين ويجب إعادة النظر فيها. مثلًا في بلد مثل ليخشتنشتاين يُعتبر التهرّب الضريبي جنحة (مثل ركن السيارة من دون دفع بدل)، وبالتالي تتمّ تسوية الأوضاع عبر دفع غرامة مالية. أما في الولايات المتحدة الأميركية، فإن التهرّب الضريبيجريمة يُحاسب عليها الشخص جزائياً ومدنياً، أي أن الشخص عرضة للسجن إضافة إلى غرامات مالية هائلة».

وختم البروفسور عجاقة كلامه بالقول: «لا توجد في لبنان حتى ثقافة الردع في القوانين لمكافحة التهرّب الضريبي. تاريخياً،  كانت العقوبات للتهرّب الضريبي منصوص عليها بموجب المادّة 108 من قانون ضريبة الدخل،  وبعدها بالمرسوم الإشتراعي 15683 الذي تعتمده وزارة المال. التصويت على القانون 442008 أعطى مزيداً من الدفع عبر رفع السرية المصرفية، لكن هذا الأخير لا يزال غير مُطبّق».أساسها يدفع المواطن الضرائب. واضاف: تتراجع نوعية الخدمات في ظل التهّرب الضريبي، فيما المواطن يتكلف بدفع ضرائب موازية، بمعنى أنه يدفع فاتورتي كهرباء، واحدة لشركة كهرباء لبنان وأخرى لأصحاب المولّدات غير الشرعية، ويدفع ثلاثة فواتير للمياه، عدا عن تكاليف غير مباشرة يدفعها المواطن جراء وضع الطرقات، وغياب التأمين الصحي ونظام تقاعد للقطاع الخاص وغيرها من الأمور والخدمات الواجب توفيرها من تحصيل الضرائب.

Print Friendly, PDF & Email
Source القوات اللبنانية