Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الارتفاع المستمر لأسعار المشتقات النفطية يستنزف جيب المواطن والاقتصاد اللبناني الجدول الاسبوعي يستند الى فواتير غير مدقَّق فيها وأرقام شركات تحتكر السوق

إنه كابوس يعيشه المواطن صباح كل أربعاء، مع إصدار وزارة الطاقة والمياه جدول أسعار المحروقات التي شهدت في الاسابيع الماضية إرتفاعات مستمرة. وعلى الرغم من قلة قيمة هذه الزيادات المتتالية، بات تراكمها يُشكل عبئاً كبيراً على المواطن، وضرراً واضحاً على الاقتصاد اللبناني من ناحية الكلفة التي تُقلل من الاستهلاك كما من القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني.

Print Friendly, PDF & Email

النهار / موريس متى

يحدّد سعر النفط المستورد بحسب آليات متبعة تنص على أن تقوم الشركات المستوردة للنفط بتحديد الأسعار عبر مناقصات أسبوعية تقوم بها وزارة الطاقة والمياه على أساس المرسوم الاشتراعي الرقم 79 تاريخ 27/ 6/ 1977 والذي أعطى وزارة الصناعة والنفط الحق في سبعينات القرن الماضي بعقد صفقات بيع وشراء وتصدير واستيراد للمشتقات النفطية، بالاضافة الى تحديد رسم تخزين المحروقات وكلفة التخزين.

واللافت في هذا الامر ان المناقصات التي تُجريها وزارة الطاقة والمياه لاستيراد المازوت والفيول عبر الشركات المحلية، تفتقد الشفافية المطلوبة الى حد ما، وخصوصاً من ناحية تركيبة الأسعار. فغالباً ما تكون الشركة التي تطرح السعر الأقل ضمن المناقصة، قد قامت بالتعاقد مع الشركات الخارجية لحجز البضاعة وشرائها قبل إرساء المناقصة، حيث يتم أحياناً فتح الاعتمادات في الوقت نفسه الذي تصل فيه البواخر المحملة نفطاً الى لبنان وهذا ما يشير الى ان عملية الشراء من المصدر قد تمت سلفاً.

أما في ما يخص مادة البنزين، فلا مناقصات أسبوعية لها، بل يتم إصدار جدول أسبوعي من وزارة الطاقة يُحدد الأسعار إستنادا إلى فواتير المنشأ التي تقدمها الشركات المستوردة نفسها إلى الوزارة. وبحسب المعلومات، فان هذه الفواتير لا تخضع لأي تدقيق أو مراقبة للتأكد من صحتها وتواريخها، ومن هنا يتم إصدار الجدول الاسبوعي لأسعار المحروقات استنادا الى فواتير المنشأ التي تقدمها الشركات المستوردة نفسها، من دون أيّ تدقيق أو مراقبة لصحتها وصحّة تواريخها.

ثم يحدّد السعر على أساس المعدّل الوسطي لسعر طن البنزين عالمياً في الاسابيع الثلاثة الأخيرة التي تسبق صدور الجدول، لكي تتفادى الشركات التعرض لمخاطر تقلبات الأسعار العالمية. وهذا يعني أن الأسعار العالمية وأسعار البيع بالتجزئة يمكن ان تكون أخذت إتجاهات معاكسة في بعض الأحيان (Shift)، في حين يفترض ان يكون حجم التغيرات متناسباً مع تغيرات الأسعار العالمية. وضمن تركيبة الأسعار الاسبوعية أيضاً، الضرائب التي تتلقاها الدولة على كميات المشتقات المُستوردة والتي تزيد سعر البيع بالتجزئة، كما أن هناك كلفة التخزين والنقل وهامش ربح الشركات.

 منذ بداية 2014 وحتى منتصف تموز الحالي، تعرضت أسعار النفط العالمي لضغوط تصاعدية، وهذا الأمر يُترجم طبيعياً بإرتفاع أسعار البنزين وغيره من المُشتقات. لكن منذ منتصف تموز، وبعد إنحسار المخاوف عن إحتمالات سيطرة تنظيم “داعش” على منشآت نفطية في العراق، بدأت الأسعار العالمية بالهبوط، وهذا الواقع لم يُترجم في أسعار البيع بالتجزئة في لبنان بحسب الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة الذي يقول: لـ”النهار”: “يجب طرح السؤال على وزارة الطاقة المُولجة مراقبة الأسعار والتحقق من صحتها.”

ومن هنا يمكن الاعتقاد بحسب عجاقة أن هناك خللاً معيناً في الآلية المُتبعة، يسمح بالاستفادة من أرباح غير مُبررة. وهذا ما نلحظه على الرسم الذي يُظهر سعر الخام العالمي وسعر البيع بالتجزئة، حيث نرى أن هناك أرباحاً لا يُمكن تفسيرها إلا إذا تم إبراز الإثباتات التي تُفسر أسباب ارتفاع أسعار البيع بالتجزئة، فيما أسعار النفط العالمية تنخفض لأسابيع عدة”. ويضيف عجاقة: “يجب التذكير بأن سعر صفيحة البنزين في لبنان يضعه في المرتبة الرابعة إقليمياً من ناحية غلاء سعر الصفيحة”.

وعن تداعيات الارتفاع المستمر لأسعار المحروقات في لبنان على الاقتصاد ، يؤكد ان التداعيات كبيرة وتتمثل بزيادة الكلفة في قطاع النقل بالدرجة الأولى، “وهناك تداعيات أيضاً على شركة كهرباء لبنان التي، وهذا ليس بالجديد، تعيش تحت عجز مزمن، و7

والجدير بالذكر أن فاتورة إستيراد المشتقات النفطية بلغت 5 مليارات دولار عام 2013 لحجم إستيراد 5,56 ملايين طن، مما يعني أن أكثر من ثلث الموازنة يذهب إلى شراء المشتقات النفطية، وهذا الأمر يؤدي إلى الإستنتاج أن لبنان يستطيع تحقيق نسبة نمو إضافية بما بين 1 في المئة و 2 في المئة من خلال تخفيف كلفة الفاتورة الحرارية.

والحل لهذه المشكلة يلخص بثلاث نقاط بحسب الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفسور عجاقة:

“أولاً تصحيح الثغرة القانونية التي تسمح للشركات بتحقيق أرباح غير مُبررة. فعدم وجود تفاصيل في القوانين المرعية الإجراء، يسمح بزيادة الاسعار خلال المناقصات التي تجريها وزارة الطاقة والتي تهدف الى إستيراد المازوت والفيول عبر الشركات المحلية، وأن الإعتماد على فاتورة من بلد المنشأ حيث تمّ إستيراد المشتقات النفطية غير كاف. لذا يجب فرض معايير أخرى لتحديد السعر، كفرض هامش محدّد لا يمكن تجاوزه، وغيرها من القيود التي قد تعمل على ترشيد الأسعار.

كما من المفروض إشراك الجمعيات المدنية، حماية المستهلك وديوان المحاسبة في عمليات المناقصة التي تتمّ، وذلك عبر إعطائهما دوراً رقابياً على هذه العمليات لضمان الشفافية من ناحية تركيبة الأسعار، وخصوصاً أسعار البنزين. وثانياً، تحرير القطاع من الإحتكار، فعلى الرغم من وجود عدد من الشركات التي تستورد المشتقات النفطية، لا ضمان ألا يكون هناك إتفاق ضمني على احتساب السعر المحلي، وهذا يؤدي الى زيادة هامش الأرباح في غياب المنافسة في السوق.

والمطلوب ثالثاً، وضع إستراتيجية حرارية تُقلل من التعلق على المشتقات النفطية وتُعطي الطاقة المتجددة دوراً أكبر وهذه المُهمة أصبحت أكثر من ضرورية في ظل الوضع الاقتصادي الحالي الذي هو في أشد الحاجة إلى النهوض.

وفي ما يخص الاستراتيجية الحرارية، لا بد من التذكير أن العديد من الدول بنت إستراتيجياتها على عاملين هيكليين أساسيين: الأول هو الأبحاث بهدف الحصول على تفوق تكنولوجي يضمن إستمرارية النمو ويسمح باستيعاب الأيدي العاملة التي تدخل سوق العمل، والثاني العمل على تحسين القدرة التنافسية، وذلك بخفض الكلفة الإجمالية على الاقتصاد، وهذا الأمر يمّر عبر تخفيض الكلفة الحرارية على الاقتصاد.

من هنا تبقى المشاكل الرئيسية التي تواجه القطاع الحراري في لبنان بمعظمها هيكلية ترتبط بهيكلية سوق العرض وسوق الطلب، ومعالجة هذه المشاكل يتطلب إصلاحات هيكلية في العديد من القطاعات. ولتحقيق هذه الإصلاحات، ينبغي التصدي لعدد من التحديات، ومنها خفض سعر الطاقة على الشركات والأسر، والتي هي من الأعلى عالمياً، بالاضافة الى خفض نسبة التعرض الكبير لإستيراد الطاقة الأحفورية على أنواعها، والتي تجعل من لبنان عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، والأحداث الأمنية التي تعصف بالمنطقة.

Print Friendly, PDF & Email
Source النهار