Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

ضربة موجعة تنتظر خزينة الدولة مطلع آذار المقبل المعاهدة الجمركية الأوروبية – اللبنانية تخفّض الإيرادات 14% وتزيد الدَّين

موريس متى

تدخل المعاهدة الجمركية الموقعة بين لبنان والإتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في الاول من أذار المُقبل، وبموجبها تُعفى من الرسوم الجمركية كل البضائع المُستوردة من الإتحاد الأوروبي، كما الصادرات اللبنانية إلى الإتحاد، في خطوة قد تبدو تداعياتها للوهلة الاولى إيجابية. ولكن حقيقة الامر حتما مغايرة لهذا الاعتقاد، فتداعيات سريان مفعول هذه المعاهدة ستفرض دون شك مُشكلة كبيرة على خزينة الدولة التي ستُحرم من

 

 

وقّع لبنان في حزيران 2004 الاتفاق اللبناني – الخليجي الذي دخل حيز التنفيذ منذ مدة والخاص بإقامة منطقة تجارة حرة تهدف الى رفع الحواجز الجمركية وإلغاء الضرائب الأخرى والقيود غير الجمركية عن السلع والمنتجات ذات المنشأ الوطني المتبادلة بين الطرفين. والى هذا الاتفاق تضاف المعاهدة الجمركية الاوروبية التي وقعها لبنان في العام 2002، مما يعني حكما خفض بند المداخيل الجمركية الى “الصفر” مع إختفاء الرسوم الجمركية لأكبر شريكين تجاريين للبنان، أي الإتحاد الأوروبي والمنطقة العربية، رغم إستمرار فرض رسوم جمركية على البضائع المُستوردة من باقي البلدان، لكون حجم التبادل التجاري معها يبقى ضئيلاً مقارنة مع الاتحاد الاوروبي والمنطقة العربية، مما يعني محدودية المداخيل. (إشارة الى ان حجم الاستيراد اللبناني من الاتحاد الاوروبي وحده بلغ العام الماضي أكثر من 8 مليارات دولار فيما صدّر لبنان ما قيمته 350 مليون دولار الى الاتحاد). وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة لـ”النهار” “أن هذا الأمر يُشكل كارثة للخزينة، مع إنخفاض مداخيل الجمارك التي لم تتوقف عن التدني كنسبة مئوية من إجمالي إلايرادات في السنوات الماضية”. ويُضيف: “الرسوم الجمركية شكلت في الماضي ما يوازي 5 وعن تداعيات هذا الإنخفاض في المداخيل على خزينة الدولة وعلى الاقتصاد ككل، يؤكد عجاقة أن هذا الامر سيؤدي إلى تغيير هيكلي في مداخيل الخزينة، وسيزيد من عجزها الذي بلغ حوالي 8000 مليار ليرة في 2014 مما سيرفع حكما حجم الدين العام والفوائد عليه”. والجدير بالذكر بأن وزارة المال كانت قد كشفت في وقت سابق بأنها تفكر بخفض الفوائد على سندات الخزينة ، مما يُفسّر كإجراء إستباقي لتعويض الزيادة في خدمة الدين العام التي ستنتج عن العجز في الموازنة. وتعليقا على هذا الموضوع يقول عجاقة: “لا يُمكن لأي إجراء على الصعيد المالي أن يمحو التدعيات السلبية لهذا الإنخفاض. فخفض الفائدة لن يكون كبيراً نظراً للتصنيف الإئتماني للبنان, وإذا ما تّم خفض الفائدة كثيراً ، فلهذا الامر تداعيات سلبية على المستثمرين إلا في حال أقدم مصرف لبنان على تسييل الديون السيادية”. وللتذكير فإن نسبة مساهمة مصرف لبنان والمصارف التجارية في الدين العام تُوازي الـ 8 وكانت وكالات التصنيف الإئتماني العالمية خفضت التصنيف الإئتماني للمصارف اللبنانية ما دون تصنيف الدولة، وعزت هذا القرار إلى نسبة تعرض المصارف إلى الدين العام الذي بلغ نهاية 2014 حوالى 66.56 مليار دولار . ويبقى من المؤكد أن المصارف ستخسر من تصنيفها الإئتماني في حال زادت مساهمتها في هذا الدين مما حكما، وبغياب أي إصلاحات إقتصادية ومالية وإدارية، سيؤدي الى خفض تصنيفها الإئتماني مرة جديدة”. وعن هذه النقطة يقول عجاقة: “الودائع والأموال الخاصة التي تفوق الـ 170 مليار دولار لن تكون كافية لردع وكالات التصنيف الإئتماني عن خفض تصنيف المصارف لأنها فعلت ذلك سابقاً، فما من حجة تمنعها من القيام مرة جديدة بهكذا خطوة”. وعن إمكانية إستحداث ضريبة أو إقرار خطوات إقتصادية ومالية طارئة تسمح بتعويض الخسارة المتوقع من تراجع حجم الايرادات الجمركية يقول عجاقة : “إن الخسارة في مداخيل الخزينة ستذهب إلى جيوب المستوردين لأنهم سيعمدون إلى إظهار فواتير بقيمة أكبر إلى الجمارك ، والتي بدورها لا تمتلك أي وسيلة قانونية أو عملية للتدقيق بهذه الفواتير.ومع إلغاء الرسوم من المفروض أن تقلّ الأسعار في السوق ، مما سيزيد الإستهلاك نتيجة إرتفاع القدرة الشرائية للمستهلكين، وبالتالي إرتفاع مداخيل الدولة الناتجة عن تحصيل الضريبة على القيمة المُضافة. إلا أن الثغرات القانونية ستدفع حكما بالتجار إلى فرض الأسعار التي يرغبونها، من هنا أهمية خلق قاعدة بيانات مشتركة بين إدارة الجمارك، ومديرية الضريبة على القيمة المضافة ووزارة الاقتصاد والتجارة لكي يتمّ ضبط الأسعار بشكل أكبر. إضافة إلى ذلك يجب تعديل القانون لإعطاء الجمارك الوسيلة القانونية للتدقيق بالفواتير التي تٌقدمها إلى الجمارك”. وبغض النظر عما ستكون الإجراءات التي سيتم إقرارها، من المؤكد أن خزينة الدولة ستكون أمام إمتحان كبير في الاشهر المقبلة يستدعي خطة طارئة لمواجهة اي إهتزاز.

Print Friendly, PDF & Email