jassemajaka@gmail.com
أوقفوا التّهريب من وإلى لبنان.. وإلّا!
بروفسور جاسم عجاقة | موقع الصفا نيوز
التّهريب هو علّة العلل في لبنان سواء كان على الصّعيد الإقتصادي أو المالي أو النقدي أو الإجتماعي، هذا الأمر معروف من الجميع لكن لا أحد في السلطة يُحاول محاربته. بالطّبع للفساد دور كبير في عملية التّهريب وهنا يظهر إلى العلن التقصير الفاضح في الرّقابة والمُحاسبة للمخالفين الذين ينتمون إلى كلّ القطاعات والفئات.
أشكال التّهريب
التّهريب في لبنان يأخذ أشكالًا مُتعدّدة بحسب مستوى الإستفادة منه وبحسب سهولة العملية. فالتّهريب عندما كان الدولار بـ 1500 ليرة لبنانية، كان بالدرجة الأولى يقتصر على التّهريب إلى خارج الحدود البرّية والبحرية بحجّة التصدير (!) والتصاريح الخاصّة لتشمل دول إقليمية عديدة ولكن أيضًا دولاً بعيدة كأوستراليا مع تقديرات بأنّ نصف الإستيراد اللبناني كان يذهب إلى التّهريب.
إلا أنّه وبعد رفع الدّعم تدريجيًا ورفع الدولار الجمركي، أخذ التّهريب إلى داخل لبنان بالإزدياد. وإذا كانت التقديرات أنّ حجم هذا التّهريب يوازي 10 إلى 2
الخسائر الناتجة عن التّهريب
الخسائر الناتجة عن التّهريب هائلة! وقد تصل إلى أكثر من عشرة مليارات دولار أميركي في أقلّ تقدير كما سيُظهره هذا المقال. وتتوزّع التداعيات السّلبية على الدائرة الإقتصادية والدائرة المالية والدائرة النقدية والشقّ الإجتماعي.
التّهريب من الخارج إلى الداخل يحرم الدولة من الرسوم الجمركية ومن الضريبة على القيمة المضافة، ويضرب الأسس البنيوية للمالية العامة التي تعتمد على الضرائب والرسوم. وبالتالي كيف لنا أن نضع موازنة العام 2023 ونحن نعلم مُسبقًا أنّ المداخيل لن تكون صحيحة، بحكم أنّ الرسوم والضريبة على القيمة المضافة لن تُدفع، وأنّ الضريبة على الأرباح للشركات لن تُدفع؟ هناك إستحالة لعودة الإنتظام المالي للدوّلة اللبنانية من دون لجم التّهريب وضبطه. أيضًا للتهريب إلى الداخل تداعيات على الشركات الشريفة التي ستفقد مداخيلها، وبالتالي ستعمد إلى صرف موظّفين وحتى الإقفال في حال إستمرّت هذه الظاهرة إلى فترة طويلة. أضف إلى ذلك أنّ التّهريب الى الدّاخل يخلق لا عدالة إجتماعية من ناحية تركيز الثروات لدى التجّار والمُهرّبين الذين يبيعون السّلع والبضائع بأسعار مُرتفعة مع العلم أنّهم لا يدفعون الرّسوم والضرائب المتوجّبة للدولة.
وسواء كان عن قصد أو غير قصد، فإنّ الحديث عن إرتفاع مداخيل الجمارك هو أمر غير دقيق نظرًا إلى أنّ الإرتفاع في المداخيل هو بالليرة اللبنانية، وناتج عن رفع الدولار الجمركي على البضائع التي تمرّ عبر الجمارك، إلّا أنّ حجم السّلع التي تمرّ من دون رسوم جمركية، إرتفع بشكل كبير وبالتالي هناك خسائر هائلة على الدولة تُقدّر بأكثر من النّصف إذا ما قُوّمت بالدولار الأميركي!
التّهريب إلى الخارج له تداعيات كارثية من ناحية أنّه يحرم لبنان من دولاراته التي تذهب إلى الخارج على شكل بضائع، ويتمّ بيعها وإيداع الدولارات في حسابات مصرفية في بعض الدول الأوروبية وبعض الدول الإقليمية التي تحتاج إلى عملة صعبة، ويكفي النّظر إلى حجم حسابات التجّار في هذه الدول لمعرفة حجم التّهريب القائم. أيضًا من أضرار التّهريب إلى الخارج حرمان المواطن اللبناني من السّلع والبضائع، ورفع أسعارها بشكل جنوني، مع ما لذلك من عملية تفقير للشعب وخلق عجز في ميزان المدفوعات وتقويض للإستقرار النّقدي بحكم أنّ ميزان مدفوعات سلبي يعني خروج الدولارات من لبنان.
الخسائر الناتجة عن التّهريب هائلة! وقد تصل إلى أكثر من عشرة مليارات دولار أميركي في أقلّ تقديرالدولة لا تُحرّك ساكنًا
على الرغم من أنّ المُهرّبين معروفين بالأسماء من قبل الأجهزة الأمنية، إلّا أن لا قرارًا سياسيًا بلجم التّهريب. فبدون أيّ حياء من قبل المهرّبين، يقومون بالإتصال بالتجّار والعرض عليهم إيصال بضائعهم من بلد المنشأ إلى لبنان من دون المرور بالجمارك (يستعملون تعبير door-to-door) وهذا الأمر تعرفه الأجهزة التي تحتاج إلى قرار سياسي من قبل الحكومة لوقف هذه العمليات. والأصعب في الأمر أنّ الكثيرين من أصحاب النفوذ أصبحوا منخرطين في اللعبة نظرًا إلى الأرباح الطائلة التي يجنونها من جرّاء هذه العملية، من هنا نرى أنّ هناك إستحالة لوقف هذا التهديد المرعب للكيان اللبناني إلّا إذا أخذ القضاء زمام الأمر وبدأ بالملاحقات من دون تمييز بين الأسماء والإنتماءات.