Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الاقتصاد اللبناني بين مطرقة الدين الداخلي وسندان النزوح السوري

بيروت- قنا- ينشغل لبنان على المستويين الرسمي والشعبي في تحسين الوضع الاقتصادي المترهل بعد أن قارب دين الدولة 80 مليار دولار على وقع الأزمة السورية التي ألقت بثقلها على وضعه المالي المتأزم وسط تقديرات أن كلفة النزوح السوري على لبنان قاربت 20 مليار دولار منذ بدء الحرب. وبحسب تقرير عرضه الرئيس اللبناني العماد ميشال عون في جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي بلغت نسبة الدين العام 147 بالمائة بالنسبة للناتج المحلي المقدر بحوالي 54 مليار دولار العام الماضي .

ولفت التقرير الصادر بعنوان “ملخص حول واقع الكهرباء” إلى أن إجمالي عجز الكهرباء المتراكم خلال 26 عاما (من العام 1992 وحتى نهاية العام 2017)، يبلغ 36 مليار دولار أمريكي، ما يمثل حوالي 45 بالمائة من إجمالي الدين العام الذي يقدر بحوالي 80 مليار دولار أمريكي. وفي هذا المجال قال سعد الحريري رئيس مجلس الوزراء اللبناني قبل أيام ” لا يخفى على أحد أن الوضع الاقتصادي في لبنان اليوم صعب، وبأننا نواجه تحديات كبيرة فمعدلات النمو منخفضة ونسب البطالة تجاوزت الـ 30 في المائة، ومعدلات الفقر إلى ازدياد، وميزان المدفوعات يعاني عجزا، والدين العام إلى ارتفاع بوتيرة متسارعة وقد تخطى الـ80 مليار دولار، وعجز الخزينة وصل إلى مستويات غير مستدامة”.

يذكر أن الاقتصاد اللبناني حقق نموا بنسبة 2.5 بالمائة خلال العام الماضي مقارنة مع حوالي 2 بالمائة عام 2016. كما حقق في عام 2015 نموا بنسبة 1 بالمائة، وهو أقل معدل نمو منذ عام 2010 .

ولفت الحريري إلى أن الأزمة في سوريا ألقت بثقلها على الاقتصاد اللبناني وحركة الصادرات وتدفق الاستثمارات الخارجية، إضافة إلى تداعيات موجة النزوح الكثيفة التي أثقلت البنية التحتية والخدمات العامة وعجز الخزينة والاقتصاد بشكل عام.

ويأوي لبنان أكثر من مليون ونصف نازح سوري في ظل عجز الحكومة اللبنانية عن تحمل أعباء النزوح وعدم إيفاء الجهات الدولية المانحة بالتزاماتها تجاه هؤلاء النازحين الذين يعيشون ظروفا إنسانية صعبة.

وفي هذا السياق كشف رائد خوري وزير الاقتصاد اللبناني في تصريح لوكالة الأنباء القطرية قنا أن دين الدولة اللبنانية يقدر بحوالي 80 مليار دولار أمريكي .. معلنا عن خطة الحكومة من أجل تحفيز الاقتصاد بما يساهم في تخفيض عجز الدولة موضحا أن وزارته وقعت اتفاقية مع شركة ماكينزي الأمريكية من أجل وضع خطة لتحفيز القطاعات المنتجة والاستثمارية مما يؤدي بدوره إلى خلق فرص عمل .

وأشار خوري إلى أن نسبة العجز في الموازنة اللبنانية يقدر بحوالي 5.3 مليار دولار أمريكي للعام الجاري (8000 مليار ليرة لبنانية) مشددا على أهمية وقف الهدر في مؤسسات الدولة اللبنانية من أجل تخفيف العجز في موازنة الدولة .

وتؤكد جهات رسمية لبنانية على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى ديارهم بعد أن تجاوز عددهم مليون ونصف مليون نازح مما بات يضغط على الوضع الاجتماعي والأمني الداخلي ويثقل كاهل الاقتصاد والبنى التحتية والخدمات .

وعلى الرغم من اتفاق مجمل الأفرقاء السياسيين في لبنان على ضرورة عودة النازحين ورفضهم فكرة “التوطين ” إلا أن الاختلاف في وجهات النظر يكمن حول الجهة التي ينبغي التواصل معها في هذا الشأن حيث ترفض أقطاب سياسية إعادتهم بالتنسيق مع الحكومة السورية ، مشددين على ضرورة التنسيق مع المجتمع الدولي من أجل إعادة آمنة لهم .

وقد أكد الرئيس اللبناني قبل أيام على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم تدريجيا . وقد أبلغ عون رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السيد فيليبو غراندي أن لبنان لم يعد قادرا على تحمل أعباء النازحين السوريين إليه وتداعياتها على مختلف الصعد …لافتا إلى أن الأمر يستوجب تحرك المجتمع الدولي لتسهيل عودة تدريجية لهم إلى المناطق السورية الآمنة وتلك التي لم تعد تشهد قتالا، وذلك من دون ربط تلك العودة بالحل السياسي الذي قد يتأخر بسبب التجاذبات والتدخلات الخارجية وما يشاع عن مخططات دولية تستهدف وحدة سوريا. وسط هذا التعثر الاقتصادي وحده قطاع المصارف يعطي بارقة أمل للبنانيين بمستقبل أفضل لاقتصاد بلدهم . وقد كشف رياض سلامة حاكم مصرف لبنان عن إجراءات يقوم بها المصرف لعدم تجاوز معدل التضخم في بلاده/ 4 / بالمائة خلال العام الجاري وذلك من خلال إدارة السيولة …مؤكدا استقرار الوضع المالي والنقدي في لبنان . وأوضح سلامة في تصريح لـ /قنا/ أن المصرف المركزي يعمل على التقليل من السيولة النقدية في البلاد من أجل كبح جماح التضخم في حال ارتفاع الأسعار.. موضحا أن أحد العوامل التي تتحكم بمعدلات التضخم في لبنان هو ارتفاع الأسعار المتعلق بالطلب لافتا إلى أن الطلب يتعلق بالسيولة المتوفرة في الأسواق .

كما أعلن أن موجودات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية تقارب حاليا 43 مليار دولار أي بانخفاض قدره 500 مليون دولار أمريكي إذ بلغت موجودات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية العام الماضي 43 مليار و 500 مليون دولار أمريكي . وحول توقعاته لنسبة النمو للاقتصاد خلال العام الجاري، قال إن التوقعات بالنسبة للنمو لا تتم قبل شهر يوليو القادم في ظل المستجدات التي قد تحصل والمؤتمرات الدولية التي ستعقد لدعم لبنان.

وفي ظل هذا التعثر المتفاقم منذ سنوات جراء دين الدولة المتراكم وانعدام الفرص الوظيفية على وقع الهزات الأمنية والسياسية والذي زاد منه النزوح السوري ينعقد في وقت قريب ثلاثة مؤتمرات دولية لدعم لبنان وأبرزهم مؤتمر “سيدر” الذي سيعقد بباريس في 6 ابريل القادم إلى جانب مؤتمر روما2 لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية في 15 مارس الجاري ومؤتمر بروكسل المخصص لدعم الدول المضيفة للنازحين السوريين شهر مايو القادم . وفي هذا السياق أكد سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية أن نجاح مؤتمر “سيدر” يرتكز بشكل أساسي على نية جدية لدى المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب لبنان لدعم الاستقرار الاقتصادي فيه، كما أنه يرتكز على إرادة حقيقية لدى جميع الفرقاء السياسيين للمضي بعملية التصحيح المالي وتنفيذ الإصلاحات القطاعية والهيكلية التي من شأنها تفعيل نشاط القطاع الخاص واستقطاب الاستثمارات الأجنبية وخلق معدلات نمو وفرص عمل مستدامة.

وكشف الحريري عن برنامج الإنفاق الاستثماري في لبنان الذي وضعته الحكومة بالتعاون والتنسيق مع كافة الإدارات والوزارات المعنية، والذي تم التشاور حوله مع كافة الكتل النيابية، يفوق حجمه 16 مليار دولار، ويضم أكثر من 250 مشروع في قطاعات الكهرباء والنقل والمياه والري والصرف الصحي والنفايات الصلبة، إضافة إلى المناطق الصناعية ومشاريع النهوض الثقافي .

وفي سياق متصل أوضح الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة أن مؤتمر “سيدر” يهدف إلى دعم الاقتصاد من خلال تشجيع الانفاق على الاستثمار في مجال البنى التحتية، مشيرا إلى أن الحريري في جعبته مشاريع بقيمة 16 مليار دولار أمريكي سيطرحها خلال المؤتمر… لافتا إلى أن المؤتمر يفرض شروط على الدولة اللبنانية وعلى رأسها إقرار موازنة للعام 2018 إضافة إلى إجراء إصلاحات… مشيرا إلى أن هذا الأمر يصطدم بالعجز المسجل في مشروع موازنة العام 2018 .   وذكر أن الإصلاحات التي تطلبها المنظمات الدولية (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي) والدول الداعمة مقابل دعم لبنان تتمحور حول ثلاثة محاور: زيادة الضرائب ورفع الدعم عن السلع والخدمات إلى جانب خصخصة المرافق العامة..لافتا إلى أن هذه الإصلاحات لا يمكن تطبيقها في الوقت الحالي بحكم أن رفع الضرائب في الفترة التي تسبق الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها شهر مايو القادم هو من شبه المستحيلات وأن الشق المتعلق بخصخصة مرافق عامة يواجه عقبتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالسعر السوقي للمرفق والذي سيكون منخفضا في ظل التراجع الاقتصادي، والثاني يتعلق بآلية الشفافية المتبعة والتي تنتقدها المنظمات الدولية .

ورأى أن المؤتمرات الداعمة للبنان سيسمح للاقتصاد بتنفس الصعداء إلا أن هناك مشكلة ستتمثل بانحصار الاستثمارات بقسم منه ولن تطال كل القطاعات مشددا على أن الحل الجذري يبقى بمحاربة الفساد والتهرب الضريبي اللذين يشكلان عتبة خلاص للمالية العامة ومحفز أساسي للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وأكد على أهمية مؤتمر روما 2 من ناحية أنه سيؤمن للقوى المسلحة اللبنانية عتادا سيساعدها في فرض الأمن وضبط الحدود… مشددا على أن هذا الأمر له تداعيات اقتصادية على مستويين: الأول فرض الأمن الذي يشكل حجر زاوية أساسي للثقة في البلاد والثاني لجم التهريب على الحدود والذي تعاني منه البضائع والسلع اللبنانية.

أما في ما يخص مؤتمر بروكسل، أوضح عجاقة إنه في حال نجاحه، سيكون أهم مؤتمر لدعم لبنان من ناحية إزالة الضرر الكبير الذي يشكله النازحون على البنية الخدماتية للدولة اللبنانية (كهرباء، نفايات، سوق العمل)…. لافتا في الوقت عينه الى أن الاقتصاد بحاجة إلى قسم من اليد العاملة السورية لدعم اقتصاده خصوصا أن لبنان قادم على ورشة إعادة تأهيل للبنى التحتية .

ولفت إلى وجود آمال كبرى معلقة على هذه المؤتمرات في حال نجاحها لكن يبقى مؤتمر “سيدر” الأكثر غموضا من ناحية النتائج نظرا إلى الصعوبات التي تواجه الدولة اللبنانية في موازنتها العامة من ناحية العجز الهيكلي المزمن والذي يصعب التخلص منه من دون تكبير حجم الاقتصاد ولجم الإنفاق العام.

ويبقى السؤال هل يستطيع لبنان الخروج من براثن الديون المتراكمة في وقت قريب لإنقاذ الاقتصاد من التعثر ولإعادة الأمل إلى اللبنانيين بمستقبل مشرق لأجيالهم الصاعدة بعد دخول بلادهم نادي الدول النفطية مؤخرا .

رابط الوطن

Print Friendly, PDF & Email