Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

صيف نفطي لهّاب يدق الأبواب… صفيحة البنزين إلى 35 ألف ليرة؟

سلوى بعلبكي

فيما راحت أسعار النفط العالمية ترتفع تحت تأثير عوامل عدة، منها ما هو جيوسياسي ومنها ما هو إقتصادي، بدأت الترجمة العملية لهذا الارتفاع بزيادة ملحوظة لسعر صفيحة البنزين (2300 ل.ل للـ95 أوكتان) بما ينذر بصيف لهّاب، خصوصا مع توقعات لاستمرار ارتفاع سعر برميل النفط. فما هي الأسباب وإلى أي حد يُمكن أن يصل سعر صفيحة البنزين؟

نبدأ اولاً بالاسباب التي أدت الى ارتفاع اسعار النفط. وفق الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة، فقد بدأت التحوّلات الهيكلية لسوق النفط نتيجة عوامل جيوسياسية تؤثر على العرض، ونتيجة عوامل إقتصادية تؤثر على الطلب. فبعدما زاد الطلب على النفط في أكبر اقتصادَين في العالم الأميركي والصيني، باتت الكميّات المطروحة في الأسواق أقلّ من الطلب، خصوصا مع تقلص العرض نتيجة الإتفاق بين دول “الأوبك” وروسيا على تقليص الكميات المنتجة للمحافظة على أسعار نفط مرتفعة تسمح لها بمحو عجز موازناتها. وأتت الأزمة التي تعصف بفنزويلا إلى تقليص المعروض من النفط نتيجة تقلص الكمية التي تنتجها مع المشاكل الإجتماعية والإضرابات التي تعصف بهذا البلد منذ وفاة الرئيس هيوغو تشافيز، بما زاد الضغط صعودا على أسعار النفط. وكان لارتفاع وتيرة القصف الحوثي للسعودية بصواريخ بعيدة المدى دور كبير في زيادة مخاوف المستثمرين في الأسواق المالية حيال إمكان تعرّض المنشآت النفطية السعودية لتدمير مما يعني تقليل الإنتاج وزيادة المضاربات. هذه العوامل دفعت أيضًا بالأسعار صعودا. وزاد عليها التصعيد الأميركي ضد إيران وانسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الإتفاق على البرنامج النووي الإيراني ليزيد المخاوف من احتمال حصول مواجهة عسكرية في منطقة الخليج العربي وشرق البحر الأبيض المُتوسّط، مما يعني خطر انخفاض العرض في سوق النفط. هذه المخاوف تزامنت مع تطوير إيران منظومتها الصاروخية البالستية ومع اشتباك إسرائيلي – إيراني على الأراضي السورية هو الأول من نوعه. كل هذا دفع أسعار النفط الخام إلى الإرتفاع إلى أعلى مستويات منذ العام 2014 ليتخطى الـ71 دولارا أميركيا للبرميل الواحد.

وما يُعقدّ الأمور أن كمية نفط “الأوبك” في الأسواق والتي تبلغ 32 مليون برميل يوميًا، لم تعد تكفي في ظل استمرار الإتفاق بين “الأوبك” وروسيا على تقليص الإنتاج إلى نهاية العام 2018. وهذا يعني أنه مع وتيرة المواجهة مع ايران فإن سعر النفط سيصل بحسب التوقعات إلى حدود الـ 80 دولارا في الشهرين المُقبلين.

هل هذا يعني أن اسعار البنزين سترتفع… والى اي حد؟ من المعروف أن أسعار المحروقات في لبنان ترتبط بأسعار النفط العالمية، إذ إن تركيبة الأسعار تتبع معدّل 4 أسابيع إلى الوراء لأحد مؤشرات أسعار النفط، إضافة إلى جعالة أصحاب المحطات والمستوردين والموزعين ورسوم خزينة الدولة لتشكّل هذه الرسوم والجعالات على صفيحة البنزين ما يزيد عن 3

منذ 14 آذار الماضي بدأت أسعار صفيحة البنزين ترتفع بوتيرة 300 ليرة أسبوعيا، فأصبح سعر الصفيحة 95 أوكتان 27,500 ليرة مقارنة بارتفاع وسطي لأسعار النفط العالمية بقيمة دولار واحد على الفترة عينها. وإذا كانت طريقة الإحتساب التي تأخذ في الاعتبار معدل مؤشر نفطي على 4 أسابيع إلى الوراء لا تبرر الإرتفاع المستمر في سعر صفيحة البنزين، إلا أنه يتوجّب وفق ما يقول عجاقة معرفة أن أصحاب المصافي قد يفضلون إنتاج أنواع أخرى من المشتقات النفطية بما يتناسب وتعظيم أرباحهم، وهو ما قد يفسر ارتفاع سعر صفيحة البنزين بهذه الطريقة.

وبمحاكاة بسيطة، يشرح عجاقة “ان ارتفاع سعر النفط العالمي إلى حدود الـ 80 دولاراً للبرميل الواحد سيرفع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان إلى 35 الف ليرة، وهذا ما يُذكرنا بالعام 2008 حين وصل سعر الصفيحة إلى حدود الـ40 الف ليرة”.

من هذا المنطلق، يؤكد عجاقة أنه “يتوجب على الدولة اللبنانية إتباع ضريبة معكوسة ترتفع مع انخفاض أسعار النفط وتنخفض مع ارتفاع أسعار النفط مما يضمن مدخول خزينة الدولة على مستوى ثابت ويُخفف الحِمل عن المواطن اللبناني الذي سيرى قدرته الشرائية تتراجع في حال لم يتمّ القيام بأي إجراء من الدولة”.

لكن تداعيات ارتفاع أسعار النفط لن تقف عند هذا الحد، فالفاتورة الحرارية ومن بينها عجز “مؤسسة كهرباء لبنان” سترتفع ومعها عجز خزينة الدولة. كما أن معظم أسعار السلع والخدمات سترتفع أيضًا نتيجة استخدام النفط في عملية النقل (بالدرجة الأولى). من هنا يرى عجاقة “ضرورة الإسراع في وضع استراتيجية حرارية للبنان تسمح بتقليل تعلّقه بالنفط والإتجاه إلى الغاز في إنتاج الكهرباء والتدّفئة واعتماد العزل الحراري في المنازل التي تُعتبر من أكثر القطاعات استهلاكا للكهرباء”.

Print Friendly, PDF & Email