Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

لبنان تحت ضغط النزوح السوري… الأزمة مستمرة

عجاقة: الخسائر كبيرة جداً، والمؤسف أنه ليس هناك من أرقام تحدد حجمه

كتبت نهاد طوباليان في “المسيرة” –العدد 1690

لبنان تحت ضغط النزوح السوري: عودة خجولة وكلفة عالية وأزمة مستمرة

بعد 7 أعوام على النزوح السوري، ما هي التداعيات التي خلّفها على الواقع الاقتصادي؟ وهل سيبقى اللبناني رهينة هذه الأزمة التي بدأت إنسانية وتحوّلت الى إجتماعية وساح صراع دولي؟ أين تحوّلت المساعدات التي وصلت من الدول المانحة؟ وما حقيقة تعداد أرقام العائدين؟ وهل سيكون لبنان أمام واقع لجوء جديد وتسقط ورقة النازحين في مصافي التسويات الدولية على حساب لبنان كما العادة؟

2019  لن يكون عام الحل لملف النازحين السوريين حتمًا، لكن على الأقل نافذة للولوج الى باب حلّ ينقذ ما تبقّى من إهتراء على المستويين الإجتماعي والإقتصادي الناتج عن تداعيات النزوح السوري الى لبنان منذ 2011 حتى اليوم.

عجاقة: خسائر لبنان تخطت ال 25 مليار دولار

أكد الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة لـ “النجوى- المسيرة” أنه “لم يعد بإستطاعة أحد إنكار مدى إستنزاف النزوح السوري للإقتصاد، مقارنة مع عدد النازحين الكبير، وهو أمر لا يتلاقى ونظرية علم الإقتصاد التي تحدد شروطاً ثلاثة لاستضافة مطلق أي بلد للنزوح أو الهجرة أو اللجوء وهي:

-وجود نقص ديمغرافي في البلد المضيف.

-وجوب أن لا يتعدى عدد اللاجئين أو النازحين أو المهاجرين نسبة واحد في المئة من مجموع سكان البلد.

-وجوب أن يكون إقتصاد البلد المضيف قوي ومتين جداً.

وعليه، أوضح البروفسور عجاقة أن “أياً من الشروط الثلاثة لا يستوفيها لبنان، ما يعني أنه يواجه مشكلة كبيرة”. وأضاف: “فيما لهذا النزوح وجه إنساني لا يمكننا التغاضي عنه أو تجاهله، لكن من الجانب الإقتصادي، ثمة جريمة كبرى ترتكب بحق الإقتصاد، لا سيما في الشق المتعلق باليد العاملة اللبنانية غير المؤهلة بكفاءة عالية، لأنها إحترقت ولا مكان لها في سوق العمل جراء منافسة اليد العاملة السورية لها. ما يعني أننا أمام نسبة بطالة كبيرة ومخيفة. وقد أظهر إحصاء لدائرة الإحصاء المركزي أن نسبة البطالة بين اللبنانيين، بلغت 36 في المئة”.

ولفت عجاقة إلى أنه “كلما زاد مستوى التعليم، كلما إنخفضت البطالة»، رأى البروفسور عجاقة أن ذلك “لا ينطبق على كل الفئات المتعلمة، خصوصاً تلك التي لا يسمح للنازح العمل فيها، كطبابة التجميل مثلاً، حيث أنه في الوقت التي تسجل العيادة بإسم طبيب لبناني، فإن العمالة الحقيقية فيها لليد السورية، ومثل هذا الأمر ينسحب على مهن عديدة كالتمريض والهندسة التي يعمل فيها سوريون وأجانب”. إلا أنه رأى أنه “لا يمكن رمي كل مشاكلنا الإقتصادية على النزوح السوري، لأننا كلبنانيين سيئون في إدارة إقتصادنا الوطني، لعدم وجود خطط إقتصادية تساعد المالية العامة”. ولفت إلى أنه “كان  للنزوح السوري ما أسميه مفعول متآكل على إقتصادنا، على غرار مفعول الصدأ في تآكله للحديد”.

عجاقة إعتبر أن سنة 2019 “ستكون أشد وطأة على إقتصاد لبنان، في حال لم يساعد اللبنانيون أنفسهم، لمساعدة  النزوح السوري، خصوصاً وأن في قلب هذا النزوح هناك فقر مدقع قد يؤدي إلى إرتفاع مستوى السرقة والجريمة وحتى تشكيل عصابات، يدفع ثمنها كل النزوح”.

وإذ شدد  عجاقة على أن “لبنان فشل في إدارة ملف النزوح، ولم يعرف كيفية مطالبة المجتمع الدولي المانح المساعدة في هذا الملف من منطلق خبرته”، أكد أن النزوح “ألحق ضرراً كبيراً بإقتصادنا، ووضع البلد في مأزق، لكن يسجل له خدمة سياسية مهمة جداً، إذ إن وجودهم يمنع إنفجار الوضع الأمني، ما يعني أنهم يخدمون البلد بهذا الإطار”.

وعن حجم الخسائر في القطاع الإقتصادي جراء هذا النزوح، قال البروفسور عجاقة: “الخسائر كبيرة جداً، والمؤسف أنه ليس هناك من أرقام تحدد حجمه. عملياً، تخطى لبنان عتبة الـ25 مليار دولار خسائر مباشرة وغير مباشرة على إقتصاده وبناه التحتية والخدماتية منذ بداية النزوح إلى اليوم، أي على مدى سبع سنوات، إذ يستحيل تحديدها سنة بسنة”.

وتابع عجاقة: “لنسلم جدلاً ان هناك 2200 مؤسسة قد أغلقت أبوابها فعلاً، فإن ذلك إنعكاس لسوء الإدارة الإقتصادية، وغياب التخطيط الإقتصادي وسوء إدارة ملف النزوح. نعرف جميعنا أن العمودين الأساسيين للإقتصاد هما الشركات والأسر، فإذا كانا بحال جيدة وببحبوحة يكون الإقتصاد جيدًا، والعكس صحيح”. ورأى أنه “على الدولة محاربة الفقر لمساعدة المواطنينن وحماية اليد العاملة اللبنانية، على أن تبذل جهداً داخل تجمعات النازحين كي تكون لهم أعمالهم الصغيرة لكفاية أنفسهم وحصرها ضمن تجمعاتهم منعاً لمنافسة الإنتاج اللبناني”.

وعما إذا كانت مساهمات الدول المانحة تسهم في تداعيات أزمة النزوح على الإقتصاد، علق عجاقة: “أعتقد أنه خبيث، لأنه لم يساعد لبنان على إيجاد حل لائق لأزمة النزوح. يعتقد المجتمع الدولي أن لبنان يريد التخلص منهم بأي طريقة كان، فيما نحن نريد ضبطه وضبط إقتصادنا كي نصمد. لم يف المجتمع الدولي المانح بوعده لجهة إلتزام المنظمات الدولية شراء المنتجات اللبنانية لتوفيرها للنازحين، على أن يستوردوها من الخارج في حال عدم توفرها. والدليل على ما أقول، أنه في عز أزمة تصريف التفاح اللبناني، إستوردته المنظمات من إيطاليا لتوزيعه على النازحين”.

وفي المحصلة، أكد عجاقة أن “لبنان ليس سيئاً، ولا يستحق هذه المعاملة، فأوصلوه لما هو عليه اليوم، بالإضافة الى سوء إدارة لبنان للأزمة، وهو ما سيدخل حالة لبنان في كتب الإقتصاد لدراسة حالة إقتصاده وتعارضها وشروط الإقتصاد لإستضافة النزوح”.

*غسان الحسامي: أصبحنا في عين الإنهيار الإقتصادي

من أبرز أوجه تداعيات أزمة النزوح السوري على الإقتصاد اللبناني، مبادرة عدد من النازحين السوريين إلى إفتتاح محال تجارية في المدن والبلدات والقرى التي حلوا فيها، ما أدى إلى نشوء منافسة قوية للمحال والمؤسسات التجارية اللبنانية، وصولاً  إلى إغلاق العديد منها، على خلفية الأسعار التنافسية مع المحال التجارية السورية. وقد أدى الوضع المستجد إلى إطلاق التجار واصحاب المحال الصغيرة صرخة مدوية، مطالبة بوضع حدّ لهذا التفلت، لا سيما في عدد من المناطق البقاعية وجبل لبنان، إنتهت بإقفال بعضها، خصوصاً في محيط مدينة زحلة.

كما وبادر عدد من البلديات في ايلول الفائت، إلى إطلاق حملة واسعة النطاق لإقفال المؤسسات التجارية السورية في نطاقها البلدي، إنفاذاً لقرارات وزارة العمل، وتطبيقاً للقوانين، ومنع مزاحمة التجار اللبنانيين. ومن بينها  بلدية جونية التي أجرت مسحاً شاملاً لكافة المحال التجارية الواقعة في نطاقها، وشملت بلدات ساحل علما، وحارة صخر، وغدير والمعاملتين وصربا، لا سيما وأن عدد المحال التجارية العائدة للنازحين السوريين في نطاق مدينة جونية بلغ  أكثر من 100 محل.

تداعيات النزوح السوري على الإقتصاد اللبناني طالت أيضاً مدينة طرابلس التي وفق أمين سر جمعية تجارها غسان الحسامي «عانت لعقود من الحرمان والإهمال والإجحاف بحقوقها من الدولة اللبنانية على أكثر من صعيد. وما زاد الطين بلة، تداعيات الأزمة السورية منذ سبعة أعوام حتى اليوم، إذ دخلنا في دوامة تنافسية غير مسبوقة، على مستوى أرباب العمل والعمال. وبذلك، يتلخص المشهد التجاري في طرابلس بتأسيس عشرات المحلات للحلويات والمطاعم واللحوم والخضار والألبسة… فضلا عن بعض المصانع مثل محارم ورق على أنواعها وأكياس نايلون. بالتالي، المزيد من المنافسة، وإضطراب في حركة السوق وارتفاع حالة التذمر والشكاوى من التجار، ما دفع بوزير العمل محمد كبارة بالتفاعل باتجاه غالبية تلك المحال، التي خضعت لتطبيق الأنظمة والقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، وإقفال المخالف منها. ومؤخراً تم ختم بعض المحلات التابعة لسوريين غير مستوفين الشروط بالشمع الأحمر بعد أن تبيّن ذلك من خلال جولة لبعض الأجهزة الأمنية المعنية.

ولفت الحسامي الى أن “تداعيات الأزمة السورية أثرت على إرتفاع سعر الإيجارات السكنية نتيجة العرض والطلب، بالتالي رفع السعر أمام المواطن اللبناني لعدم قدرته على ذلك، مع العلم ان أكثر من عائلة سورية تتقاسم كلفة المأجور وتتشاطر الإقامة فيه”.

وتمنى الحسامي عودة أمنة للأخوة السوريين إلى بلدهم “لتستقر أوضاع لبنان، ولنتعافى من كل ما نتخبط به من أزمات تخطت كل الخطوط الحمر وتهدد مصيرنا”.

رابط القوات اللبنانية

Print Friendly, PDF & Email