Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

غسل الأموال في قبرص : الإزدواجية الأميركية

ظهرت على واجهة الأحداث أزمة مالية حادة في قبرص تمثلت بعجز القطاع المصرفي القبرصي عن إحترام إستحقاقاته المالية. يكمن السبب بتعرّض المصارف القبرصية للديون السيادية اليونانية. ومثل أي دولة أوروبية، يحق لقبرص طلب مساعدة الإتحاد الأوروبي، عبر صندوق الثبات المالي الأوروبي. إلا أن تلبية الطلب ترافقت مع شرط من دول الإتحاد وعلى رأسها المانيا : محاربة غسل الأموال. فما هي حقيقة هذا الأمر؟ وكيف يتعاطى الأميركيون معه؟   الإقتصاد القبرصي، إقتصاد صغير الحجم. اذ لا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الـ 22 مليار دولار. ويتميّز هذا الإقتصاد بقطاع أولي يُعاني من جفاف مزمن، حيث 15

ومن أهم ما ينُتجه هذا القطاع: القمح، العنب، الزيتون وغيرها. أما القطاع الثانوي فقد شهد نمواً ملحوظاً على الرغم من الخضّات التي تعرضت لها الجزيرة مع الإجتياح التركي للجزيرة في العام 1974 والذي أدّى الى هجرة كثيفة من الشمال الى جنوب الجزيرة. أما قطاع الخدمات فهو الأكثر تطوراً، مستفيداً من طبيعة الجزيرة السياحية، ومن الإرث البريطاني لتطوير القطاع المصرفي.

تنقسم الجزيرة القبرصية الى ثلاثة أقسام : الجمهورية القبرصية في جنوب الجزيرة وهي الوحيدة المعترف بها دولياً وتمتدّ على مساحة نصف الجزيرة تقريباً؛ الجمهورية التركية في شمال قبرص والتي تعترف بها تركيا فقط؛ ومنطقة تحت سيطرة بريطانية في أقصى جنوب الجزيرة وتحتل 10

قبل إنضمام الجمهورية القبرصية الى الإتحاد الأوروبي، قامت قبرص بتوثيق علاقاتها مع اليونان لما لها من إرتباط عقائدي وعرقي مع الأخيرة. توطيد العلاقات شمل القطاعات التجارية والخدمات المصرفية. وقامت المصارف القبرصية بالإستثمار بشكل كبير في الإقتصاد اليوناني، خصوصاً سندات الخزينة اليونانية. كما عمدت المصارف الى تنشيط التعاون المصرفي مع بريطانيا.

مع دخولها الإتحاد الأوروبي، إستفادت الجمهورية القبرصية من موقعها كدولة أوروبية موجودة في قلب البحر المتوسط ومناخها المثالي للسياحة. وإزداد عدد السواح الأوروبيين بشكل كبير مما أدّى الى نمو ملحوظ في إقتصاد الجزيرة. لكن ضعف الإقتصاد القبرصي، على الصعيد الزراعي والصناعي، دفع الجمهورية القبرصية الى تطوير قطاع الخدمات، خصوصاً القطاع المصرفي الذي، وبهدف إستقطاب المستثمرين، عمد الى تخفيف الرقابة كما هو منصوص عليه في الأنظمة الأوروبية.

هذا التخفيف في الرقابة، أدّى، وبحسب الإتهامات الأوروبية للجزيرة، الى عمليات غسل أموال، وهذا ما نفته الحكومة القبرصية. وأخذت العلاقات الأوروبية – القبرصية بالتعقيد لرفض الجزيرة إرسال مراقبيين أوروبيين للتحقّق من الأمر.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية في تشرين الثاني 2012 تقريراً قالت فيه أن قبرص تسمح بغسل أموال رجال أعمال روس ورجال مافيا، وأن المبالغ تصل الى حد الـ 20 مليار يورو.

في هذا الوقت، رزحت اليونان تحت أزمة ديون سيادية أقل ما يُمكن قوله فيها، أنها ستدوم لسنين طويلة. والحلول التي قامت بطرحها الترويكا (الإتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي) نصّت على محو نصف الدين اليوناني من قبل المقرضين، ومن بينهم المصارف القبرصية، والتي تتمتّع بنسبة تعرّض كبيرة للديون السيادية اليونانية. وبسبب حجم هذا التعرّض وحجم المصارف القبرصية، وجدت الأخيرة نفسها عاجزة عن سد الإستحقاقات والتي تُقدر بـ 12 مليار دولار أميركي.

ومثل أي دولة أوروبية عضو في الإتحاد الأوروبي، قامت الحكومة القبرصية بطلب المُساعدة من أوروبا. لكن هذه الأخيرة عادت الى إشتراط رقابة قوية على العمليات المصرفية لتفادي عمليات غسل الأموال، وهذا ما رفضته الحكومة القبرصية.

إلا أنها قبلت برقابة مستقلة من قبل جهة ثالثة. ومما زاد شكوك الدول الأوروبية بوجود عمليات غسل أموال، العرض الروسي بمساعدة قبرص بـ 2,5 مليار يورو. والشرط الثاني للإتحاد الأوروبي كان بالطلب من القبارصة المشاركة بإنقاذ الجزيرة عبر ضرائب على الودائع المصرفية، إلا أن البرلمان القبرصي رفض هذا الشرط.

ولكن هل هناك من خيار أخر لقبرص؟

للرد على هذا السؤال، يجب معرفة أن المصارف القبرصية أصبحت في وضع، أقل ما يُقال، انه كارثي. فقد أعلن التلفزيون الرسمي القبرصي أن المصرف الثاني في قبرص، LAIKI Bank، سيُعلن إفلاسه في الأيام المُقبلة. ولن يكون هذا المصرف الوحيد.

وبحسب نظرية الدومينو، سيؤدّي هذا الإفلاس الى جرّ عدد من المصارف الأخرى معه. وبذلك، نرى صعوبة وجود خيار آخر للحكومة القبرصية إلا الإمتثال للمطالب الأوروبية. ولكن الغريب في الأمر هو الموقف الأميركي، اذ أن ردة الفعل الأميركية لم تكن على المستوى المعهود من الإدارة الأميركية، وخصوصاً الخزينة الأميركية.

وكلنا يتذكر قضية المصرف اللبناني – الكندي الذي دفع بالمسؤولين الأميركيين لزيارة لبنان عدة مرات والتلويح بشبح العقوبات على لبنان وأدّى الى ما يعرفه الجميع. لذا نستنتج أن هناك إزدواجية في التعاطي الأميركي مع هذه القضية.

ولتأكيد ذلك، نشر موقع “أوروب برس”، خبراً جاء فيه أن قارباً روسياً رسى على الشواطئ القبرصية مرغماً بسبب العاصفة. وعند تفتيش هذا القارب عثرت الشرطة على أسلحة مرسلة الى سوريا. ولكن الغريب في الأمر أن السلطات القبرصية قامت بإخلاء سبيل القارب مع حمولته. مع العلم ان الإستخبارت البريطانية موجودة بفعالية على الجزيرة.

يبقى السؤال إذا ما كان هذا الأمر سيطال لبنان؟ المعروف أن العديد من رجال الأعمال اللبنانيين يمتلكون شركات Offshore في قبرص. وبحسب تحليلنا فإن تشدّد مصرف لبنان في تطبيق تعاميمه ووضع لبنان تحت المجهر الأميركي تُقلل من نتائج الآثار السلبية على لبنان، حتى ولو كان هناك من مخالفات.

رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email