Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

التحديات الإقتصادية التى تواجه لبنان في ظل الأوضاع الراهنة

بخطوة متوقعة سلفاً، قدم رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إستقالة حكومته الى رئيس الجمهورية. هذه الخطوة التي يراها البعض جيدة من حيث أنها تسمح بإعادة الحوار بين مختلف المكونات السياسية للمجتمع اللبناني، يراها أخرون على أنها دخول في المجهول أخذين بعين الإعتبار التطورات الإقليمية والتي تُوحي بضوء أخضر لإزالة نظام الحكم في سوريا. في إطار هذه التطورات يعيش لبنان أزمة إقتصادية خانقة ناتجة عن مديونية عامة من أعلى المديونيات في العالم، عجز مزمن في الموازنات العامة، إرتفاع في نسبة التضخم نتيجة إقرار سلسلة الرتب والرواتب، إنخفاض في نسبة النمو ناتجة عن تطورات الأزمة السورية ومقاطعة الخليجيين للبنان على مستوى السياحة والإستثمار وإرتفاع نسبة البطالة خصوصاً في قطاع الخدمات.

 

 

لكن إستقالة الحكومة خلفت وراءاها تحديات تُواجه الإقتصاد اللبناني. هذه التحديات، وفي ظل الإنقسام العامودي والإفقي في المُجتمع وعدم قدرة اللبنانيين على تشكيل حكومة في الوقت الحالي، لن تجد سلطة تنفيذية لمواجهتها وتخفيف أثارها السلبية على المواطن اللبناني. ومن أهم هذه التحديات:

أولاً: تُعد أزمة الدين العام في لبنان من أكبر التحديات التي تواجه الإقتصاد اللبناني. فمع دين عام يفوق الـ 58 مليار دولار أميركي، عجز في الموازنة العامة يفوق الـ 13 ألف مليار ليرة، نمو قريب من الصفر، تضخم برقمين (1

ثانياً: يأتي تحفيز النمو بالدرجة الثانية من ناحية التحديات التي تواجه الإقتصاد اللبناني. فمنذ بدء الحضر الخليجي على لبنان في العام 2011 وحتى الأن،  يُواجه لبنان أزمة إقتصادية حادة. هذه الأزمة إزدادت سوءاً مع أزمة قبرص، الرقابة الأميركية القوية للقطاع المصرفي اللبناني، إستيراد الأزمة السورية الى الشارع اللبناني، والوضع الإقليمي في ظل المواجهة الإيرانية – مع الغرب. كل هذه العوامل أدت الى إنعدام النمو في الـ2012 والمتوقع أن يزيد الوضع سوءاً مع الفراغ الحكومي والتمديد المُحتمل لمجلس النواب والذي أصبح شبه أكيد. لذا يترتب على الحكومة التي سترى النور في لبنان، إيجاد حلول لتحفيز النمو وتسمح للمالية العامة بإستعادة ملاءتها. وإذا ما نظرنا الى الهيكلية الإقتصادية، نرى أن أكثر القطاعات التي ستضرر في هذا العام 2013 هي القطاع السياحي، القطاع العقاري، القطاع الصناعي، القطاع الزراعي والقطاع المصرفي.

ثالثاً: نتوقع أن يكون العام 2013 عام الليرة اللبنانية. فعلى الرغم من تصريحات حاكم مصرف لبنان والتي تؤكد أن مصرف لبنان قادر على المُحافظة على إستقرار نقدي، نرى أن وضع الليرة اللبنانية هو وضع مُحرج جداً في ظل الإستحقاقات السياسية والإقتصادية الراهنة. وبالتعريف الإقتصادي للعملة، تعكس هذه الأخيرة ثروة البلد مُصدر العملة وبالتالي فهي نتيجة للوضع الإقتصادي. وتأكيد مصرف لبنان على قدرته عن الدفاع عن الليرة اللبنانية ما هو إلا واقع مؤقت، له مصداقية زمنية. فعلى الرغم من وجود إحتياطي هائل يسمح لمصرف لبنان بالدفاع عن الليرة اللبنانية، إلا أن هذا الإحتياط لن يكفي لفترة طويلة بغياب الحكومة. وللتذكير فإن تطور الأوضاع يعتمد على ثلاثة أطراف: السياسة النقدية (بيد حاكم مصرف لبنان)، السياسة الإقتصادية (بيد الحكومة)، الوضع الأمني والسياسي (بيد الحكومة والأطراف الحزبية). ومصرف لبنان لا يمسك إلا بطرف واحد. لذا مع إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب وتحويله الى مجلس النواب وبغياب التمويل الصحيح لهذه السلسلة وما سينتج عنها من تضخم، غياب النمو لما يعيشه لبنان من أزمة إقتصادية وسياسية حادة ستدك هياكل إقتصاده وبنيته الإجتماعية، والمُستقبل الأسود الذي ينتظر منطقة الشرق الأوسط مع إستمرار الأزمة السورية، نتوقع أن تمر الليرة بوضع سيء جداً.

رابعاً: يعتبر ملف الكهرباء في لبنان رابع أكبر تحدي لما يُشكله هذا الملف من عبء على خزينة الدولة ومع عجز وزارة الطاقة على مر العهود بمعالجة هذا الملف. فالكهرباء في لبنان تقع تحت أيدي كارتيلات ومافيات وتُكَّلِف الدولة، وبالتالي الشعب اللبناني، مبلغ ملياري دولار أميركي سنوياً. وغياب الحكومة والفراغ الناتج عن إستقالتها سيضر بشكل مباشر هذا الملف لما يحتاجه هذا الأخير من قرارات إقتصادية وسياسية كإنشاء معامل جديدة والبدء بالإستثمار في الطاقة البديلة وغيرها من المشاريع التي أصبحت أكثر من ضرورية. وللتذكير وبغياب القرارات فإن الفاتورة ستزيد كل عام بمعدل 2 مليار د.أ. مما يعني زيادة الدين العام.

خامساً: إن ملف النفط في لبنان سيكون من أكثر المتضررين من غياب الحكومة وهي التي في عز وجودها، عجزت عن إتخاذ أبسط القرارات مثل تعيين هيئة إدارة هذا القطاع نظراً للمحسوبات السياسية في هذا التعيين. ووجود عدة إستحقاقات في هذا الملف كالمناقصات، تلزيم الشركات، والإستثمارات في البنية التحتية التي ستواكب ملف النفط وغيرها من القرارات تحتاج كلها الى مجلس وزراء لإقراراها. وبهذا فإن غياب الحكومة والفراغ الذي سينتج عنه والذي سيطول بحسب ما نراه، سيؤخر إستخراج النفط ويحرم لبنان من ثروته النفطية في فترة أقل ما يُقال عنها أنها حرجة جداً نظراً للإستحقاقات المالية التي تتطور بشكل إسمي (Exponential) مع الوقت.

سادساً: يُشكل ملف سلسلة الرتب والرواتب والذي أحالت مشروعه الحكومة المُستقيلة الى مجلس النواب من أكثر النقط التي فشلت الحكومة في معالجتها. فهذا الملف المحق هو ضربة قاضية للإقتصاد اللبناني إذا ما أُقر في مجلس النواب في حالته. فضخ 3000 الى 4000 مليار ليرة في الإقتصاد اللبناني في الوقت الحالي سينفخ الإقتصاد بتضخم هائل لن يستطيع مصرف لبنان ولا إحتياطه على لجمه. فهناك معضلة أمام مصرف لبنان في ذلك: إذا رفع مصرف لبنان الفائدة فسيقتل ذلك النمو الإقتصادي ويرفع كلفة خدمة الدين العام. وإذا ما حارب السوق بإحتياطه فلن يكفيه ما يملكه من إحتياط نظراً لوجود فرص مراجحة في السوق (Arbitrage Opportunities). والسبب الأساسي يكمن بأن الدائرة المالية هي التي تُمول هذه السلسلة وليست الدائرة الإقتصادية. وفي هذا الإطار هددت جمعية المصارف الحكومة بأنها لن تُمول العجز الناتج عن هذه السلسلة مما يعني تردي الوضع المالي العام.

سابعاً: يُعتبر لبنان من أكثر الدول عجزاً عن إقرار الموازنة العامة وذلك على مر كل العهود والألوان السياسية. وأخر موازنة أقرت في لبنان تعود الى العام 2005، ومنذ ذلك الوقت تقوم الحكومات المُتعاقبة بالصرف على أساس قاعدة الإثني عشرية. والموازنة هي ترجمة للخطة الإقتصادية التي تضعها الحكومة والتي تُحدد معالمها في بيانها الوزاري. وهذا الغياب في إقرار الموازنة ما هو إلا دلالة واضحة على غياب الخطط الإقتصادية لكل الحكومات السابقة وعجز القوى السياسية عن عزل الإقتصاد عن التجاذبات الساسية. لذا من أهم التحديات التي ستواجه لبنان هو وضع وإقرار موازنة تحتوي على خطة إقتصادية لمدة خمس سنوات أقله.

ثامناً: يظهر اليوم وكحاجة مُلحة، ملف الإصلاحات الإقتصادية، الإدارية والساسية. والسبب في ذلك يعود الى ما خضع له الإقتصاد اللبناني من تغيرات هيكلية تترجمت بتحوله من إقتصاد خدماتي بإمتياز الى إقتصاد ريعي وغياب الماكينة الإنتاجية الوطنية. وهذا التحول يُعرض الإقتصاد اللبناني الى الأزمات الإقليمية كما هو الحال الأن نتيجة الأزمة السورية والترابط مع المواجهة الإيرانية – الخليجية التي تتمثل على الأرض بعواقب إقتصادية وخيمة. لذا من الواجب العمل على تنويع الإقتصاد اللبناني عبر تنويعه مما يفرض إصلاحات إدارية مهمة على صعيد الوزارات كما وإصلاحات سياسية تفرض على من يتعاطى الشأن العام عدم تعاطي المصالح الخاصة خلال وجوده في مركز سلطة.

من المُؤكد أن هذه التحديات ليست الوحيدة إنما هي التحديات الأكثر ضرورة لمعالجتها نظراً للعواقب المالية التي تترتب على عدم مُعالجتها. وبحسب تقديرنا وبإستثناء ملف الليرة اللبنانية، فإن الكلفة السنوية لهذه الملفات في حال تأخر البت بها، ستفوق الخمس مليارات دولار والتي ستترجم بزيادة الدين العام. أما فيما يخص الليرة اللبنانية فإن الأرقام تتراوح بحسب تتطور الأوضاع. وللتذكير فإن إحتياط المركزي المصري قل الى النصف في خلال أقل من شهر

 

 

 

Print Friendly, PDF & Email