Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

نعم يا معالي الوزير، هناك نفط في البر اللبناني…

في حفل إطلاق المسح البري الثنائي الأبعاد – المتعدد الزبائن، صرّح وزير الطاقة والمياه «…أننا لم نصل الى مرحلة بإمكاننا أن نقول فيها ان لبنان لديه نفط في البر…». هذا التصريح مُستغرب من قبل الوزير الذي يعلم بوجود مسح سيزمي قامت به شركة ETEnergy والذي أثبت وجود نفط على عمق 600 في منطقة نهر إبراهيم.  تتشكل الهيدروكربونات القابلة للاستغلال في قلب الطبقات الصخرية والأحواض الرسوبية الجيولوجية. ويتم إستكشاف البترول عبر رصد مكوناته أي المواد الهيدروكربونية، وهذا ما تقوم به الشركات المُختصة بإستخدامها “الإنعكاس السيزمي” الذي هو عبارة عن تقنية تسمح بوضع رسم ثلاثي الأبعاد للطبقات السفلى.

ولكن هذه المواد الهيدروكربونية تحتاج إلى ضغط وحرارة معينة لتتحول إلى بترول. ومن الحق القول أنه لطالما لم يتم التنقيب عن البترول لا يُمكن القول أنه يوجد في مكان ما. لكن، وهنا قد تكون القطبة المخفية، في كل مرة يُعطى تقدير عن وجود البترول في مكان ما، يُحدد مع هذه الكمّية إحتمالات.

وهذه الإحتمالات يتم أخذها على محمل الجد إذا ما تخطت الـ 5

مراحل العمل

تمر عملية استكشاف واستخراج البترول بعدة مراحل تبدأ بالإستكشاف والذي هو عبارة عن رصد للمواد الهيدروكربونية ومعرفة ما إذا كان من المُجدي الاستمرار بالعمل على الخزان من خلال التنبؤ بمحتواه. ثم تأتي مرحلة تقييم محتوى الخزان وعملية التطوير، حيث يتم تقييم المخزون والكمية المُمكن استخراجها بكلفة معقولة إقتصادياً.

يلي هذه المرحلة، مرحلة تطوير الخزان والتي تنطوي على الحفر والصيانة والتثقيب. وفي النهاية، تأتي مرحلة الإنتاج والتي من خلالها يتم استخراج المواد الهيدروكربونية من باطن الأرض الى السطح عبر ضخ الماء أو الغاز.

في عام 2006، قامت شركة سبيكتروم بعمليات مسح وتنقيب عن البترول في البر اللبناني. وعند إنتهائها من هذه العملية لم تُزود الشركة وزارة الطاقة والمياه بتقرير عن نتائجها لأن الشركة طلبت مبلغا ماليا مقابل تسليم التقرير.

اليوم، وبحسب كلام وزير الطاقة، شاركت هذه الشركة في الاستثمار مع الدولة اللبنانية من دون أن تكلف خزينة الدولة أي مبلغ. مما يعني أن هذه الشركة توصلت إلى إحتمالات عالية عن وجود البترول وإلا لماذا عناء الإستثمار.

وعلى نفس الوتيرة قامت شركة إيتينرجي بمسح سيزمي للبر اللبناني الممُتد بين نهر إبراهيم وطرابلس وذلك في الفترة التي واكبت سقوط الطائرة الأثيوبية في العام 2010. وتوصلت الشركة من خلال مسحها إلى وجود إحتمالات عالية عن تكوّن النفط في عدة مناطق لبنانية وعلى رأسها منطقة نهر إبراهيم التي أظهر المسح فيها وجود النفط على أعماق 600 متر.

ولم تستلم وزارة الطاقة والمياه أي تقرير عن هذه الأبحاث لأن الشركة طلبت بدلا ماديا قدره 30 مليون دولار لتسلّم الوزارة نتائج البحث. وبحسب معلوماتنا لم يتم دفع المبلغ ولم يتم تسليم النتائج.

وكانت منظمة الـ USGS قد قامت ببحث سيزمي في ثلاث طبقات جيولوجية، واحدة منها تُغطي قسما من اليابسة في لبنان وتوصلت إلى أن النفط والغاز موجودين وبإحتمالات عالية.

النفط موجود حتماً

كل هذا يؤدّي إلى نتيجة واحدة: هناك نفط وغاز في البر اللبناني كما في البحر، ينتظران الإستخراج. لكن الإستخراج، وللأسف، يصطدم بعقدة تسييس ملف النفط التي ستؤخره. فبدل تحييده عن التجاذبات السياسية والمُحاصصة، كانت البداية بمشكلة إقرار مُعاهدة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص من قبل مجلس النواب بسبب الضغط الخارجي. ثم أتى تعيين أعضاء هيئة إدارة قطاع البترول الذي أخذ وقتاً طويلاً قبل إقراره.

والخوف الأكبر يبقى بطريقة عمل هذه الهيئة التي هي هيئة إستشارية (على عكس إسمها) أي أن القرار يبقى بيد الوزير وبالتالي بيد الحكومة مُجتمعة مما يعني خضوع ملف النفط للتجاذبات السياسية بدل تركه بيد الهيئة التي من المفروض أن تكون تقنية.

ثم تأتي مشكلة توزيع المداخيل والتي حتى الأن ليست واضحة على الرغم من الحديث عن صندوق سيادي لا يُعرف كيفية صرف الأموال منه. وهذه المُشكلة قد تُؤدّي إلى حرب أهلية إذا لم يتم توزيع المداخيل قبل الغوص في التنقيب وإستخراج البترول.

وعلى سبيل المثال يُمكن إعتماد التوزيع التالي كمرحلة أولى: الدين العام 9

لكن هذه العقبات ليست الوحيدة، فهناك مشكلة عدم لحظ اليابسة في قانون الموارد البترولية في المياه البحرية. أي أنه لا يحق قانوناً إستخراج البترول من اليابسة على الرغم من وجود قانون منذ العام 1933.

ولا نعرف حتى الآن سبب إقصاء اليابسة من القانون الذي أُقرّ في 2010. ويُمكن أيضاً ذكر مشكلة الأيدي العاملة المؤهلة والتي تستوجب خطة من الحكومة على الصعيد الوطني (برامج مع الجامعات، تـأهيل الأيدي العاملة في القطاع…).

خطوات ضرورية

من كل ما تقدّم نستنتج أن مقاربة هذا الملف يجب أن تكون مقسومة إلى ثلاثة أقسام: إقتصادية، قانونية، وتقنية وكل ذلك بعيداً عن التجاذبات السياسية والمحاصصات.

إننا إذ نعي حجم العائدات المالية الهائلة الناتجة عن إستخراج النفط من البر والبحر، ندعو الحكومة اللبنانية إلى الإسراع الى: 1. تشكيل فريق من الخبراء لوضع إستراتيجية شاملة لموارد الطاقة؛

2. وضع خارطة طريق لاستخراج النفط من البر والبحر والتي تُحدد كل ما يجب عمله بدءاً من تأكيد حقها في النفط وحتى بدء عمليات إستخراج النفط؛

3. الإسراع بإستدراج عروض التنقيب؛

4. تعديل قانون النفط ليشمل اليابسة؛

5. وضع برنامج تدريبي بالتعاون مع الجامعات لإعداد الأيدي العاملة اللازمة؛

6. إعداد دراسة اقتصادية شاملة لتمويل البنية التحتية النفطية والإسثمارات تشمل كل السيناريوهات الممكنة بما فيها الإقتراض؛

7. متابعة الملف القانوني للمنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان بهدف عرضها على المحافل الدولية، خصوصا الأمم المتحدة؛

8. الدعوة الى تشكيل لجنة مشتركة من الدول المعنية بالإكتشافات النفطية الحديثة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط للتنسيق على خطة ترسيم الحدود البحرية. تشمل هذه الدول: لبنان، قبرص، سوريا، تركيا. أما في ما يخصّ إسرائيل، فإن التنسيق يتمّ عبر طرف ثالث.

رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email