Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

«كارديش» دليل آخر على فشل السياسة الإقتصادية

في 22 أيار الماضي، أعلنت شركة نوبل إينرجي إكتشاف حقل نفطي جديد في البحر على الحدود مع لبنان دُعي حقل كارديش (Karish). وقالت الشركة أن الحقل يحتوي على 50 مليار متر مُكعب من الغاز الطبيعي بنوعية عالية. قُرب هذا الحقل من منطقة لبنان الإقتصادية الخالصة، ووجود نزاع على الحدود مع إسرائيل، دفع الدبلوماسية الأميركية إلى التحرّك لتهدئة النفوس خوفاً من ردة فعل عسكرية. فما هي حقيقة هذا الحدث وأبعاده الإستراتيجية والإقتصادية؟ مع إكتشاف حقل كارديش، أصبح إحتياطي إسرائيل من الغاز يتخطّى الـ 900 مليار متر مكعب (6500 مليار دولار تقريباً). هذا الرقم دفع بإسرائيل إلى خانة الدول البترولية على نفس مستوى دول الخليج وبدأ بتغيير المعادلة الإستراتيجية في المنطقة.

نجاح إسرائيل في هذا المجال يأتي من عاملين أساسيين: ضعف الإقتصاد الإسرائيلي (بإستثناء الصناعة العسكرية والتكنولوجيا) وما يترتب عليه من تردٍ للوضع الإجتماعي، وشعور إسرائيل بالخوف من جيرانها العرب مما دفعها إلى اللُحمة وتحييد الإقتصاد عن السياسة.

وتكلّل نجاح إسرائيل في 30 أذار 2013 بتدشين رئيس الوزراء الإسرائيلي بدء عمليات إستخراج الغاز من حقل تامار المُكتشف في 2009، وهذا الحدث إعتبرته إسرائيل بمثابة إستقلالها في مجال الطاقة.

نتيجة هذه الإكتشافات، وسرعة إسرائيل في تنفيذ مشاريعها، أصبح من شبه المُستحيل أن تستطيع الدول المُجاورة كلبنان، وسوريا وقبرص… أن تلحق بالدولة العبرية إن من ناحية حجم الإنتاج، أو الخبرة والتقنيات، أو البنى التحتية الداخلية للدولة، أو من ناحية التسويق. وهذا يعني أن إمتلاك وإنتاج إسرائيل للثروة النفطية أصبح أمراً واقعياً يجب التعامل معه.

إذا كانت إسرائيل تمتلك قوة عسكرية هائلة لن تتردد في إستخدامها لحماية مصالحها، فإنها تواجه تحديات يجب عليها تخطيها وإلا لن تنعم بهذه الثروة النفطية:

أولاً تصدير الغاز المُستخرج: إذا كانت إسرائيل لا تواجه مُشكلة في نقل الغاز المُستخرج إلى داخل إسرائيل للإستهلاك الداخلي، إلا أنها ستواجه مُشكلة التصدير إلى الخارج. فعدم وجود خط بري آمن لتصدير الغاز سيدفعها إلى إستخدام البحر إما لمدّ أنابيب غاز، وإما لنقل الغاز بالبواخر. وهذا سيتطلب حماية مستمرة من قبل القوات البحرية الإسرائيلية مما سيزيد الكلفة على الدولة العبرية.

وعلى الرغم من الحديث عن مشروع أنبوب غاز بحري مشترك لتصدير الغاز المُستخرج بين إسرائيل، قبرص، واليونان إلى أوروبا إلا أن كلفة هذا المشروع وتأخر الدول الأخرى في إستخراج الغاز، والأوضاع الإقتصادية التي تمر بها دول أوروبا، تُؤخّر أخذ قرار جدي في هذا المضمار، وستجد الدولة العبرية نفسها مُلزمة بتصدير غازها، ولو لفترة وجيزة، بواسطة بواخر مع مواكبة عسكرية.

ثانياً خوف إسرائيل من جيرانها: إن عدم وجود سلام مع الدول المُجاورة يدفع بإسرائيل إلى العيش في هاجس دائم، ألا وهو تأمين حماية مواطنيها إضافة إلى حماية مواردها وخصوصاً الغاز البحري. وهذا يعني أن إسرائيل أصبح لديها شيء إضافي قد تخسره في حال هوجمت.

كل هذا سيؤدّي إلى إعتماد سياسة عسكرية متشدّدة من قبل الدولة العبرية والتي تعتمد على إنزال أكبر الأضرار بالعدو لردعه عن القيام بأي عمليات مُستقبلية (مما يُفسر إلى حد كبير السياسة التدميرية في عدوان تموز 2006). وكترجمة إقتصادية لهذه السياسة، سنشهد في السنين القادمة إرتفاعا مُلفت لموازنة وزارة الدفاع الإسرائيلي.

ثالثاً النهوض بالإقتصاد الإسرائيلي: إن حصول إسرائيل على هذه الثروة النفطية، ستكون له آثار إيجابية على الإقتصاد الإسرئيلي بدون أدنى شك. لكن ولكي لا يتحول هذا الإقتصاد إلى إقتصاد ريعي من قبل الحكومة للشعب، ستعمد إسرائيل إلى الإستثمار في القطاعات الإقتصادية كافة.

وهنا تظهر إلى العلن مُشكلة تشابك دولة غنية مع شعب فقير وما سيولده من ردات فعل ستهز بدون أدنى شك كيان إسرائيل. أضف إلى ذلك العداء مع الدول المُجاروة الأخرى.

من هنا يبرز تحرك الدبلوماسية الأميركية على هذا الصعيد بإتجاه الدول العربية وخصوصاً لبنان الذي أظهر تأثير الأزمة السورية عليه، هشاشة نظامه السياسي والإقتصادي والإجتماعي. ويساعد الدبلوماسية الأميركية في تحركها الوضع المالي والإقتصادي في لبنان، كما ومستوى الدين العام، الذي تستخدمه كعامل أساسي لدفع لبنان إلى التخلي عن العنصر الأمني والإهتمام بإستخراج الغاز لما له من خلاص عبر هذه الثروة.

وتذهب الدبلوماسية الأميركية إلى حد أبعد في تحركها من ناحية خلق تعاون مشترك غير مباشر في المرحلة الأولى بين لبنان وإسرائيل بهدف تخفيف العداء بين الدولتين وخلق مصالح مشتركة قد تؤدّي في المستقبل إلى توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل.

ولهذه الأخيرة مصلحة في هذا التعاون من جهة تأمين الإستقرار على الحدود مع لبنان وخفض الكلفة الإقتصادية على المنشأت البترولية. والإستراتيجية الإسرائيلية تقبل بالتنازل في بعض الملفات، لكنها حددت مصالح حيوية لن تتنازل عنها.

وكترجمة لهذه الإستراتيجية سنشهد في الفترة المقبلة إتصالات دبلوماسية غربية كثيفة في هذا الصدد مع المسؤولين اللبنانيين. ونعتقد أن عدم إندلاع الحرب في لبنان على نطاق واسع يدخل في هذا الحساب مع العلم أن كل العناصر لإندلاع الحرب موجودة.

في لبنان، يتأخر ملف النفط لعدة أسباب ظاهرها غياب الحكومة، وهذا يعني التأخر في التنقيب عن النفط وإستخراجه. ولا نعرف فعلاً ما هو السبب الحقيقي وراء التعقيدات: هل هي قضية حصص أم هناك حسابات خارجية…؟

يُمكن القول أن الوضع الحالي قد يستمر لفترة طويلة وكنتيجة لكل سنة تأخير، هناك كلفة تفوق الـ 10 مليار دولار سنوياً تُسجَّل على لبنان. ولمعرفة كيفية الحصول على هذا الرقم، يجب حساب كل النفقات التي تُترجم بزيادة في الدين العام إضافة إلى ثمن الفرص (Cout d’Opportunité)، ففي الإقتصاد كل قرش كان من الممكن توفيره ولم يُوفر هو خسارة وكل ربح كان من المُمكن ربحه ولم نفعل هو خسارة.

وللختام يجدر القول أن إكتشاف إسرائيل لحقل كارديش هو دليل إضافي على فشل السياسة في لبنان بتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية ومصالح الطوائف. وإستنكار إستخدام إسرائيل لإستغلالها هذا الحقل، الذي قد يكون داخل المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان، لن يكفي لإسترداد حقنا في هذا الحقل.

رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email