Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هل قطع الإقتصاد الأميركي مرحلة الخطر؟

الجمهورية | بروفسور جاسم عجاقة

فاجأ الإحتياطي الفدرالي الأميركي الأسواق بعدم المس بسياسته النقدية وببرنامجه لشراء سندات الخزينة الأميركية والذي يبلغ 85 مليار دولار شهرياً. وعلى الرغم من المؤشرات الإيجابية التي يبعثها الإقتصاد الأميركي والتي دفعت بالمستثمرين الى توقّع خفض دعم الإحتياطي الفدرالي لخزينة الدولة، يظهر من التحليل أن هناك قطبة مخفية يمتلكها الإحتياطي الفدرالي الأميركي ولا يراها السوق. فما هي الأسباب التي دفعت الإحتياطي الفدرالي الى المحافظة على برنامجه؟

ردا على الأزمة المالية التي ضربت العالم وتمدّدت لتضرب إقتصادات الدول العالمية، عمد البنك الإحتياطي الفدرالي الأميركي الى إنفاق مبالغ هائلة لدعم القطاع المصرفي حيث تخطت المبالغ 16000 مليار دولار كدعم مباشر للمصارف الأميركية وشراء سندات الخزينة الأميركية بمعدل 85 مليار دولار شهرياً.

كما إستطاع ولا يزال يُحافظ على معدل فائدة قريب من الصفر وذلك على إمتداد الأعوام الماضية التي تلت إندلاع الأزمة ضارباً بذلك بثلاثة ميزانيته.

وفي نظرة سريعة على الإقتصاد الأميركي (أنظر إلى الرسم) وتوقعات تطوره، نرى أن الأرقام في معظمها إيجابية وتدلّ على تعافي الإقتصاد. إذاً أين المُشكلة؟

التحفيز ليس ميكانيكيا

يمرّ تحفيز الإقتصاد عبر السياسات الإقتصادية التي تضمّ شقين: السياسة المالية والسياسة النقدية. وقد شهدت أميركا أغرب وأضخم سياسة نقدية في العالم بضخِّها أموالاً طائلة في الإقتصاد عبر عدة قنوات منها الدعم المالي المباشر للمصارف، القروض للقطاعات الخاصة بفوائد منخفضة عبر المصارف، والدعم المالي لخزينة الدولة الأميركية عبر شراء سندات خزينة بشكل منتظم وبحجم هائل سمح للحكومة الأميركية بتخطّي خطر الإفلاس.

والآليات التقليدية المُعتمدة للسياسة النقدية (monetary policy tools) مقسومة إلى ثلاثة أقسام : المزاد (Open Market) والتسهيلات الدائمة (Discount window lending) والإحتياط الإلزامي (reserve requirements). ولكن هذه الآليات، لا تضمن التأثير المباشر على المؤشرات الإقتصادية بل تؤمّن وضعا معينا مفيدا لهذه المؤشرات.

يعيش الإقتصاد الأميركي تحت قيود عدة، لكن الإحتياطي الفدرالي الأميركي، إضافة إلى الآليات التقليدية، إعتمد شراء سندات خزينة أميركية بهدف تفادي إفلاس الدولة الأميركية التي ترزخ تحت قيود عدة أهمها:

أولاً مستوى الدين العام الذي بلغ مستويات تاريخية والذي سيؤثر سلباً على السياسة المالية الأميركية بحكم وجود آلية ميكانيكية لخفض النفقات في الموازنة العامة في حال لم يتم الإتفاق على رفع السقف الأعلى للدين العام من قبل الكونغرس الأميركي.

ثانياً الوضع الإقتصادي الناتج عن الأزمة المالية العالمية في 2008 والذي تعيش أميركا تحت تأثيراته السلبية حتى الأن. وهذا الوضع أثر سلباً على مداخيل الدولة الأميركية بما يعني تراكّم العجز، وبالتالي لجم العجز في الموازنة ممّا يؤثر بدوره سلباً على النمو الإقتصادي كنتيجة لخفض الإنفاق العام.

ثالثاً، ربط الدولار الأميركي باليوان الصيني عبر تثبيت سعر صرفه وشراء الصين لسندات خزينة أميركية. مما يعني أنه في حال إنخفض سعر صرف الدولار، سينخفض حكماً سعر صرف اليوان بسبب وجود أصول أميركية مُقومة في الدولار الأميركي في محفظة المصرف المركزي الصيني. ويظهر بذلك أن الإقتصاد الصيني يُحمّل الإقتصاد الأميركي أعباءً مالية.

ضخ الأموال

يرى الإحتياطي الفديرالي الأميركي أن الوقت ليس مناسباً لتغيير برنامجه الداعم للخزانة الأميركية. فالبطالة تبقى على مستوى عال أكثر من “المقبول”، والتضخّم الناتج عن نمو إقتصادي غير كاف.

وبإعتقادنا، هذا التصريح ما هو إلا إعتراف بأن النمو الذي شهده الإقتصاد الأميركي في الفترة الأخيرة ناتج بالدرجة الأولى عن الضخ المُسرف للأموال في الإقتصاد الأميركي. كما هناك إحتمال بأن الخفض في الإنفاق العام الأميركي منذ عام، جلب نمو

وللتذكير فإن الـ 85 مليار دولار التي تدخل خزينة الدولة شهرياً، تنقسم إلى قسمين: 45 مليار دولار لشراء سندات خزينة و40 مليار دولار لشراء السندات المدعومة بالقروض العقارية (MBS). هذا كله مع معدل فائدة قريب من الصفر.

وبإعلانه المحافظة على برنامج الدعم، يُقرّ الإحتياطي الفديرالي الأميركي بأن صفحة الخمس سنوات من ركود إقتصادي ناتج عن الأزمة المالية العالمية لم تنته بعد، وأن مستقبل هذا البرنامج رهن تطور الوضع الإقتصادي.

ردة فعل الأسواق

انقسمت ردة فعل الأسواق على تصريح الإحتياطي الفدرالي الأميركي إلى قسمين: إقتصادياً، وعلى صعيد المضاربة. على صعيد الإقتصاد، كانت ردة فعل الأسواق إيجابية إذ إرتفع مؤشر الأسهم داوجونز الأميركي والـ أس أن بي 500 إلى مستويات تاريخية جديدة.

أما على صعيد المُضاربة، فقد شكل إعلان الإحتياطي الفدرالي الأميركي إحباطاً لكثير من المُضاربين الذين أتخذوا وضعيات في السوق كإستباق لإعلان الإحتياطي الفدرالي الأميركي بوقف برنامجه، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

من جهة العملات، إنخفض سعر صرف الدولار مقابل كل العملات الرئيسية. فسعر صرف اليورو سجل أعلى نقطة له مقابل الدولار الأميركي على 1.3570 ولكنه لم يتابع صعوده مثقلاً بالديون السيادية الأوروبية.

مخاوف الإحتياطي الفدرالي

يبقى أن مخاوف الإحتياطي الفديرالي الأميركي ستستمر ما دام الإقتصاد غير قادر على الإستمرار بدون دعم. وهذا سيجعل الإحتياطي الفديرالي الأميركي في حالة جهوزية كاملة من ناحية إستعداده لزيادة موازنته السنوية كلما دعت الحاجة. ولكن إلى متى؟

Print Friendly, PDF & Email
Source الجمهورية