Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

سلسلة الرتب والرواتب… مقبرة المالية العامة

بعد خمسة أشهر من المخاض، أنجزت اللجنة الفرعية المُنبثقة عن اللجان المشتركة مشروع سلسلة الرتب والرواتب. هذا المشروع يُشبه مشروع الحكومة من ناحية عجز الإيرادات على تمويل كلفة السلسلة. يُعرِّف الإقتصاد الراتب الاسمي بالأجر الذي يتقاضاه الأجير في وحدة من الزمن والتي عادة ما تكون الشهر أو الساعة. هذا المبلغ الذي يظهر على بيان الراتب، لا يُوازي القدرة الشرائية الحقيقية للعامل حيث يتوجب أخذ التضخم بالإعتبار، بحسب المعادلة التالية: الراتب الحقيقي = الراتب الإسمي x مؤشر الأسعار في بداية الفترة على مؤشر الأسعار في نهاية الفترة.

المُحافظة على القدرة الشرائية للمواطن والتي تُساعد على نمو الإقتصاد، تمر عبر زيادة دورية للأجور للأخذ بالإعتبار التضخّم. وهناك ثلاث آليات لتحديد الأجر على الصعيد الوطني: آلية تلقائية كل عام بحسب معادلة حسابية بسيطة، آلية تمر عبر الإتفاقات الإجتماعية بين أرباب العمل والهيئات النقابية أو قرار حكومي، وآلية الإتفاقات الجماعية في القطاعات.

وتقوم بعض الحكومات التي تعتمد النظام الإجتماعي في سياساتها الإقتصادية، بإعتماد الحد الأدنى للأجور والذي هو عبارة عن الأجر الأدنى الذي يتوجب على رب العمل دفعه للعامل مقابل عمل معين. هذا الحد الأدنى للأجور يخضع بالطريقة نفسها إلى إعادة تقييم قد تمر عبر الحكومة أو عبر الإتفاقات الجماعية بحسب القطاع.

الحد الأدنى وغلاء المعيشة

منذ أواسط تسعينات القرن الماضي، لم يتم النظر في الحد الأدنى للأجور ولا غلاء المعيشة، بإستثناء زيادة غلاء المعيشة التي قامت بها الحكومة في العام 2008 والتي لم تُعطي الموظفين حقوقهم كاملة.

وإذا ما نظرنا إلى الوضع المالي والإقتصادي للموظفين، نرى أنه في تردٍّ مستمر ويُشكل عاملاً أساسياً في زيادة نسبة العائلات الفقيرة في لبنان، ساعده في ذلك التضخّم الذي بلغ نسباً عالية جداً. في العام 2012، بلغت نسبة التضخّم في لبنان حدود الـ 1

كلفة «السلسلة»

الغريب العجيب في ما يخصّ السلسلة هو عدم معرفة عدد المستفيدين فعلياً منها. حتى اليوم، وبعد تحويل مشروعين أحدهما من الحكومة والآخر من اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة، لا يوجد رقم واضح عن عدد المستفدين ممّا يطرح مشكلة الكلفة الحقيقية، وهل سينتج عجز عن هذه السلسلة في حال أُقِرّت. وبالتالي، هناك إشكالية إدارية من ناحية عجز الحكومة عن معرفة عدد الموظفين والمتعاقدين والمستفيدين والذين يتلقون رواتب من الدولة.

الوضع الإقتصادي

كل المؤشرات الإقتصادية تُشير إلى تراجع حاد في مقومات الإقتصاد. حتى أن أهم القطاعات بدأت بالتراجع وخصوصاً القطاع المصرفي. وبالتالي لن يكون هناك نمو هذا العام أو إذا كان هناك من نمو فلن يتجاوز النصف نقطة. فكيف يُمكن تمويل السلسلة من النشاط الإقتصادي.

إن عدم قدرة النشاط الإقتصادي من تمويل السلسلة، سيفرض تمويلها من المالية العامة والتي تشهد عجزاً مزمناً تعجز مع الدولة في بعض الأحيان من تأمين رواتب موظفيها. مما يعني أن الحكومة ستلجأ إلى الإقتراض وسيشهد الدين العام إرتفاعاً أكيداً نتيجة إقرار السلسلة.

مشروع «السلسلة»

إن المشروع الذي أقرته اللجنة الفرعية المُنبثقة من اللجان المُشتركة لا يُقدم حلولا للمشكلة. وكون كلفة السلسلة غير معروفة لا تسمح بالحديث عن تمويلها. وإذا ما سلّمنا جدلاً بأن الكلفة معروفة، فإن الإيرادات غير مُقنعة من ناحية حصول نشاط إقتصادي يسمح بتمويلها.

بنود التمويل تضمّ بشقها الأساسي رسوما وضرائب منها ضرائب على الدخان المُستورد، وضرائب على الشركات المالية العاملة في مجال البورصة، رسوما وغرامات إضافية على الأملاك البحرية (تؤمن 100 مليار ليرة بحسب اللجنة) ورسوما من البناء الأخضر (الجمهورية تاريخ 10 كانون الأول 2013). كل هذه البنود ستؤمّن بحسب رئيس اللجنة كلفة السلسلة والتي تبلغ 2300 مليار ليرة. والاعتراض هنا على الكلفة وعلى إيرادات التمويل.

الكلفة

إن القول أن كلفة السلسلة هي 2300 مليار ليرة هو غير دقيق ويأتي من عدم معرفة عدد المستفيدين من السلسلة. فموظفو الدولة (ما بين 265 و285 ألف موظف) ليسوا المستفيدين الوحيدين من هذه السلسلة وهناك المتعاقدون والمستفيدون بشكل غير مباشر. والعدد الإجمالي غير معروف بدقة ونعتقد أن حساب كلفة السلسلة تمّ على أساس تقديرات عدد المستفيدين.

التمويل

لن تتحقق إيرادات التمويل لأنها مُرتبطة بالنشاط الإقتصادي والذي في ظل الأوضاع الراهنة لن يسمح بتحقيق المداخيل المرجوة. وإذا ما سلمنا جدلاً أن هذه المداخيل تأمنت، فإن كلفة السلسلة الحقيقية والتي بحسب رأينا تُقارب الـ 4000 مليار ليرة ستخلق عجزاً يُصبح معه الإقتراض الحل الوحيد لتمويل السلسلة.

تسريع الإفلاس

إن إقرار السلسلة بالمشروع المُقدّم من قبل اللجنة الفرعية المُنبثقة من اللجان المشتركة سيؤدي إلى تسريع عملية إفلاس الدولة لأن الأموال المُستوجب دفعها ستؤمّن بقسم كبير منها عبر الإقتراض. هذا الإقتراض سيؤدّي إلى خفض التصنيف الإئتماني للدولة اللبنانية مما يعني زيادة الفوائد على المالية العامة.

وبما أن مصرف لبنان لن يقف مكتوف الأيدي، سيعمد على غرار نظيره الأميركي إلى تسييل ديون الدولة اللبنانية، أي أن الدولة ستصدر سندات خزينة وسيعمد مصرف لبنان إلى شراء القسم الأكبر منها. كما وسيعمد إلى الضغط على المصارف لشراء قسم من هذه السندات وكل هذا سيشكل حلقة مُفرغة ليس لها من تداعيات إيجابية إلا تأخير دفن المالية العامة.

تمويل من خارج النشاط الإقتصادي

من أجل حل مشكلة السلسلة، يجب أن يتم تمويل السلسلة (أو قسم منها) بواسطة عائدات لا تعتمد على النشاط الإقتصادي. مثلاً الأملاك البحرية قد تدر ما يُقارب المليار دولار سنوياً على الدولة في حال تم إقرار القوانين المحقة في هذا الخصوص، كما أن الضرائب على الشقق الشاغرة تُدخل إلى خزينة الدولة ما يُوازي الـ 800 إلى 1000 مليون دولار سنوياً. أضف إلى ذلك الضرائب على أرباح عمليات القطاع العقاري مع مفعول رجعي من العام 2005.

كل هذه المداخيل غير شعبية وليست بنية أي مسؤول التطرّق لها، خصوصاً في وقت تحتاج فيه القوى السياسية إلى دعم شعبي! في الختام، إننا إذا ندعم السلسلة ونؤكد على أحقيتها، ندعو المسؤولين إلى الأخذ بالإعتبار الكوارث المالية التي ستنتج عن إقرار السلسلة بوضعها الحالي. وحبذا لو يكون هناك تروٍ في أخذ القرارات كي لا يكون لهذه القرارات تداعيات تطاول الأجيال المستقبلية.

رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email