Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

المالية العامة لن تتحمل المطالب الإجتماعية

بين الدعوات إلى الإضراب وتأجيل الإمتحانات، لا تنفك المطالب الإجتماعية تضغط على المالية العامة والتي ومن الواضح أنها أصبحت عاجزة عن تلبية هذه المطالب. فما هي السيناريوهات المحتملة للمرحلة المُقبلة؟

 

7,669 مليار ليرة لبنانية قيمة العجز المُقدر في مشروع موازنة العام 2014 أي ما يوازي 5 مليار دولار أميركي من زيادة على الدين العام الذي بلغ حتى الساعة 65.1 مليار دولار. وهذا يعني أنه وبنهاية هذا العام سيتخطى دين لبنان العام، وبحسب الأرقام الرسمية، 70 مليار دولار أميركي. هذه الأرقام الرسمية لا تأخذ بعين الإعتبار الـ 800 مليون دولار فوائد على خدمة الدين العام التي تستحق في الأول من حزيران ولا العجز الذي سينتج عن تلبية المطالب الإجتماعية والتي وبحسب تقديرنا ستبلغ الـ 4 مليار دولار أميركي. مما يؤدي، وبغياب أية مفاجأت سيئة، إلى رفع دين لبنان العام إلى 75 مليار دولار في أواخر هذا العام. إن علاقة العجز بالدين العام أصبحت منذ بدء الأزمة السورية علاقة ميكانيكية، أي أن العجز يتحول تلقائياً إلى دين عام وذلك بغياب نمو إقتصادي يسمح بإمتصاص هذا العجز. أضف إلى ذلك أن الميزان الأولي أصبح سلبياً مما يعني أنه إضافة إلى خدمة الدين العام هناك عجز إضافي يجب زيادته إلى الدين العام. وبهذا فقد لبنان رسمياً السيطرة على دينه العام. هذا الإستنتاج الأخير خطير جداً من ناحية أن تداعياته لن تتأخر بالظهور وخاصة التصنيف الإئتماني الذي سيكون بمثابة مسمار في نعش المالية العامة. فتصنيف لبنان الإئتماني أعلى بدرجة واحدة من تصنيف الإستثمارات الخطرة (Junk Bonds)، مما يعني إستحالة طرح سندات خزينة في الأسواق العالمية في حال تم تخفيض تصنيف لبنان الإئتماني وستدخل المصارف في دوامة تمويل الدولة إلى ما لا نهاية. كما أن العجز في المالية العامة سيمنع كل أنواع الإستثمارات العامة وبالتالي سيبقى الإقتصاد في حال جمود وهذا سيكون له أثره على الليرة اللبنانية مع زيادة الإنفاق غير المُجدي. تنصّ النظرية الإقتصادية على أن المقياس المناسب للسياسة المالية للحكومة، لا يعتمد حصرياً على توازن الميزانية العامة للدولة. والسبب يعود إلى سياسة الديون للسنين الماضية والتي تنعكس في خدمة الدين العام، وإلى الوضع الإقتصادي الحالي في الدورة الإقتصادية. فقد تنتج الزيادة في عجز الموازنة عن تدهور في الوضع الإقتصادي الدوري بمعزل عن الخيارات الهيكلية في الميزانية أي معدل الضرائب، ومستوى الإنفاق. وتحليل الانضباط في المالية العامة يتم عبر القيود على ميزانية الدولة والتي تنصّ على أن يتم تمويل النفقات الإجمالية في الميزانية لكل سنة مالية من الضرائب أو من الإصدارات لسندات خزينة. ويُمكن وضع هذه القيود ضمن المعادلة الحسابية التالية:الإصدارات الجديدة + الإيرادات الضريبية = خدمة الدين العام + الإنفاق العام. ومن الواضح من هذه العلاقة، أن زيادة خدمة الدين العام وزيادة الإنفاق، تفرض زيادة الضرائب وزيادة الدين العام عبر إصدارات جديدة. وما يزيد الوضع سوءاً، العجز الأولي المُسجّل في لبنان كما والفجوة بين سعر الفائدة الحقيقي ومعدل النمو والتي تزيد يوماً بعد يوم. مما لا شك فيه أن الطبقة السياسية أقحمت نفسها في معضلة بين إقرار السلسلة والقدرة على تمويلها. ومن المُتوقع ألا يتم إقرار مشروع السلسلة، أقله بنصه الحالي، لأن في ذلك إنعكاسات لن يتحملها أصحاب الوعود الإنتخابية. من جهة أخرى، أقحمت الهيئات النقابية نفسها في موقف حرج من ناحية أنها صعّدت إلى درجة لا يُمكن معها التراجع تحت طائلة فقدان المصداقية. وهذا سيؤدي بحسب إعتقادنا إلى تصدع الجبهة النقابية التي إستطاعت خلال فترة وجيزة أن تُوحّد صفوفها ولكن للأسف ليس لفترة طويلة. للختام، إذا كان تقديم مشروع موازنة هو واجب وطني على الحكومة، إلا أن مشروع موازنة 2014 كما المشاريع السابقة، تم تحضيره بمنهجية حسابية بحتة وسيؤدي إلى عجز كما في السنين الماضية. لذا نعتقد أنه وبغياب خطة إقتصادية مبنية على منهجية علمية، لن تستطيع هذه الموازنة الذهاب بعيداً خصوصاً في ضبط المالية العامة وبالتالي الدين العام. www.lebanonfiles.com/news/725046 

Print Friendly, PDF & Email