Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

مواد إشعاعية مجهولة في لبنان

أنّـا ماريـا لوكـا
بعد اكتشاف احتواء العديد من شحنات البضائع على مواد مشّعة، على الحكومة اللبنانية أن تُجيب على بعض الأسئلة المهمة

 

الأسبوع الماضي، تمّت مصادرة أكثر من نصف طن من الفوط الصحية المحتوية على مواد مُشّعة. وتحتوي هذه الشحنة، التي اكتشفت لجنة الطاقة الذرية اللبنانية أن نسبة الإشعاعات فيها تتخطى بـ35 مرة الحدّ المسموح فيه، على فوط صحّية من الصين. ويقول وزير المالية علي حسن خليل إنها ستُعاد قريباً الى المُصدّر.

وفي حادثة مماثلة الشهر الماضي، طلب وزير المالية من قسم الجمارك في مطار بيروت أن يعيد شحنة مؤلّفة من 98 غطاء هاتف اكتُشف بأنها تحتوي على مواد مشّعة. ولم تكشف السلطات اللبنانية إذا ما كان هذا الإشعاع من نوع ألفا أو بتا – غير شديدتي الخطورة- أو من نوع غاما، وهي الأخطر.

وزير المالية، هو الذي بدأ الحملة على البضائع المستوردة إلى لبنان التي تحتوي على مواد مشّعة. وجرت الحادثة الأولى في كانون الثاني في مرفأ بيروت. حينها أعلن خليل عن مصادرة العديد من الشحنات الملوّثة بالمواد المشعّة والمسمومة في مرفأ بيروت وفي مطار بيروت الدولي، بينها أطعمة، وأدوية، ومعدات انتاج وسكاكين مستوردة من الصين. “المواد الاشعاعية الخطيرة تبقى 85 عاماً” حذّر خليل قائلاً، مؤكداً أنه “من الممنوع تحويل لبنان الى مكب للنفايات السامة والإشعاعية”.

وطلب الوزير أيضاً فحص كافة الشحنات المصادرة ومن ثم إعادتها الى المُصدّر. لكنّه لم يأمر بالتحقيق بكيفية تلوّث هذه الشحنات أو كيفية وصولها الى لبنان في هذا الوقت القصير. فقد تكرّرت الحادثة أربع مرات منذ بداية عام 2015.

وقد رفع نبيه بري، رئيس المجلس النيابي ورئيس حركة أمل التي ينتمي اليها خليل، دعوى قضائية على الشركات التي استوردت البضائع. وجاء هذا التحرّك في اطار اعتبار القضية اجرامية تستحق التحقيق فيها.

أربع حوادث متتالية أو تهريب

يوجد تفسيران محتملان للمواد المشعّة التي اكتُشفت في الفوط الصحّية المستوردة من الصين او في الأدوات المطبخية، القادمة من الهند. التفسير الأول بأن تكون الشحنتان تعرّضتا للاشعاع في بلد المنشأ. التفسير الثاني بأنها تلوّثت وهي تُنقل في الباخرة أو الطائرة نفسها لأنها كانت تنقل أيضاً نفايات شعاعية.

“أعتقد بأنّ الاحتمال الثاني هو الأقرب”، قال لـNOW عالم الفيزياء النووية جاسم عجاقة، وأضاف: “أعتقد بأنّه يجري تهريب نفايات شعاعية إلى المنطقة لأنّ ثمّة بلدان في المنطقة بحاجة الى أماكن ترمي فيها نفاياتها. إذ لديها نشاطات نووية وهي بحاجة إلى رمي الوقود المتبقّي في مكان ما. ولبنان على قائمة البلدان المعرّضة لأن تكون مكباً للنفايات”، مشيراً إلى أنّ أي نفايات إشعاعية قد تكون دخلت لبنان تمّ رميها على الأرجح في مناطق مدنية، وتابع: “يمكن أن تكون في أي مكان. نحن فقط لا نعرف. لم يتم فحص لبنان لتأكيد خلوه من المواد الاشعاعية مؤخراً”.

بعد حرب تموز 2006، قام فريق من الخبراء من البرنامج البيئي في الأمم المتحدة بفحص وجود أي أثر للمواد الاشعاعية في لبنان، ولم يعثروا على أي أثر لها. ولكن بسبب النزاعات الاقليمية وعدم الاستقرار السياسي، يقول عجاقة إنّ الأمور قد تكون تغيّرت منذ ذلك الحين.

ضغط من الوكالة الدولة للطاقة الذرية

عقب الحوادث تلك، أرسلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية العديد من الاشعارات الى الحكومة اللبنانية، حتى أنها عرضت عليها المساعدة لبناء منشأة تخزين مناسبة للنفايات الإشعاعية. فحتى اليوم، لا تزال كافة الشحنات والنفايات الشعاعية المُكتشفة في قبضة الجيش اللبناني. ومن غير الواضح إذا ما كان الجيش اللبناني معدًّا للتعاطي مع هذا النوع من المواد الخطرة.

وأكّد أحد المتحدثين باسم الوكالة أنّ هذه الأخيرة كانت تحُثّ لبنان على بناء منشأة تخزين مناسبة. “فيما خص تطبيق خطة دعم الأمن النووي المتكاملة، تمّ الاتفاق على أنّ بناء منشأة تخزين آمنة للمواد المشعّة هو الأولوية التي بحاجة إلى مساعدة. الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعمل مع حكومة لبنان على بناء مثل هذه المنشأة”، قال المتحدث باسم الوكالة لـNOW. وعام 2005، تبنى لبنان قانوناً لبناء مثل هذه المنشأة، لكن المنشأة نفسها، وحتى بمساعدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا تزال بعد 10 سنوات مجرد مشروع.

على موقعها الإلكتروني، أعلنت الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية أنها ومنذ عام 1999، وهي توفّر خدمات مراقبة الاشعاعات والرقابة على الحدود، حيث لديها تسع نقاط تفتيش عند المرافئ البحرية، والمرافئ البرية والمطار. كما أن خبراء الهيئة يقومون بزيارات غير منتظمة إلى مكبات النفايات في أنحاء لبنان لمحاولة اكتشاف وجود أي مصادر اشعاعية محتملة تُستخدم في المنشآت الصناعية وقد تكون رُميت بدون تحذير في مناطق مدنية. وهي تحذر على موقعها الالكتروني أيضاً من استخدام المدنيين في لبنان لأي مصادر اشعاعية.

يقول عجاقة إنّ لبنان وقّع اتفاقات دولية حول النفايات النووية وهو مجبر على تركيب فلاتر لاكتشاف وجود أي نشاط اشعاعي. غير أنّ الحكومة لا تمتلك المعدات اللازمة للتعامل مع المسألة بالشكل المناسب. “رأيتُ الرجال الذين فرّغوا الحمولة في المرفأ. كانت شحنة أدوات مطبخية تبيّن أنها تحتوي على مواد مشعة. كانوا لا يرتدون أي بزّات واقية تحميهم. ولا حتى أي أحزمة كاشفة تضعها على صدرك وتدلّك عندما يكون مستوى الاشعاع خطيراً. ولا حتى هذه”، قال عجاقة.

ليست على جدول الأعمال

قبل أسبوع، اتصلّ NOW بالهيئة اللبنانية للطاقة الذرية وطلب مقابلة من هو متوفّر للحديث عن السلامة العامة والنفايات الاشعاعية في لبنان. أردنا أن نعرف سبب عدم إجراء أي فحوصات بهذا الخصوص من قبل الحكومة اللبنانية- إذا ما كان ذلك يعود الى النقص في التمويل أو الى أي سبب آخر. وقد سعى موقع NOW عدة مرات للحصول على اجابات قيل له إنه سيحصل عليها. ولكن حتى وقت كتابة هذا المقال، لم نسمع أي إجابة من أي شخص من الهيئة الذرية اللبنانية.

إلاّ أنّ مصدراً حكومياً طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخوّل الحديث الى الصحافة قال لـ NOW إنّ هناك الكثير من النوايا الطيبة لدى الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية وأنّ لديها فريق عمل جيد جداً. “ولكن كالمعتاد فإنّ هذه الأمور تكلّف الكثير من الأموال، وفي نهاية الأمر كل الأمور سياسية. انظروا ما الذي يحصل في المنطقة وسوف تكتشفون من لديه مصلحة في دفن أي نفايات شعاعية في لبنان. بالطبع هذا مجرّد تكهّن. لا شيء أكيد”، قال المصدر.

وجاء في مقالة في الصحيفة اللبنانية “السفير” أنّ “عصابات ومافيات” تقوم بتهريب منتجات مشعّة من سوريا والعراق عبر معابر غير شرعية على الحدود اللبنانية.

وقد اتصّل NOW بالعديد من المنظمات البيئية غير الحكومية، لكن أياً منها لم يكن لديه برامج متعلقة بالنفايات الشعاعية من أي نوع كانت. “هذا ليس في الحقيقة على جدول أعمالنا”، قال أحد موظفي منظمة غير حكومية لـNOW عبر الهاتف. “نحن نتعاطى بالنفايات المنزلية فقط”، قال عامل من منظمة غير حكومية أخرى لـNOW.

غياب التوعية

يقول عجاقة إنّ مستوى الوعي حول مخاطر المواد الشعاعية منخفض جداً في البلد. يضحك بمرارة، متذكراً حادثة كان فيها على وشك أن يتعرّض هو نفسه للطاقة المشعة: “ثمة شاب كنتُ أعرفه أتى الى مكتبي وقال لي: أعتقدُ بأني قمتُ بشيء غبي. أخذتُ غرضاً من الـ AUB”.

“ما هو؟”

“لا أدري، ولكن أعتقد بأنه خطير”.

“كيف كان يبدو؟”

“كان مشعاً ومضيئاً. بدا جميلاً”.

“يا الهي. هذا مصدر اشعاعي! أين وضعته؟”

“في العليّة”

“يا الهي. لديك أطفال! منذ متى وهو لديك؟”

“سنة أو سنتين!”

يقول عجاقة إنّه بعد عامين على وجود مصدر اشعاعي في العلية، لا بد وأنّ الرجل كان يعرّض نفسه للاشعاعات كل تلك الفترة. “لا يوجد أي وعي حول مثل هذه المخاطر في لبنان. أعرف لماذا قد يكون أخذ المصدر الاشعاعي ذلك، ولكن المشكلة الحقيقية هي كيف أن أحداً لم يلاحظ ذلك. كيف يتم ترك مصدر اشعاعي بدون حماية؟ نحن بحاجة الى هذا الفحص. ومن ثم بحاجة الى جدول يبيّن كمية الاشعاع التي نحن معرضون لها- جدول يحتوي على أرقام. أقلّه نعرف: فإن كان الوضع خطيراً، نغادر!”

Print Friendly, PDF & Email