Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

حوافز الاستثمارات البيئية وغرامات الصناعات الملوثة في لبنان عجاقة: المحسوبيات تفوق النصوص القانونية في بلد قوانينه جيدة وتطبيقها سيء

ناديا الحلاق

قانون حماية البيئة الذي يحمل الرقم 444 والصادر بتاريخ 29/7/2002، تنصّ المادة الثالثة منه على حق كل مواطن ببيئة سليمة ومُستقرّة. هذا القانون العصري (الصادر والنائم في جوارير الجهات المعنية المتجاهلة) تتمثل فعالية تطبيقه بعدد من المبادئ التي تُعتبر مُتطورة نسبة إلى الدول الغربية مثل: مبدأ الاحتراس، مبدأ العمل الوقائي، مبدأ الملوث – يدفع، مبدأ الحفاظ على التنوع البيولوجي، مبدأ تفادي تدهور الموارد الطبيعية، مبدأ المشاركة، مبدأ التعاون، مبدأ أهمية المعيار العرفي في الوسط الريفي، مبدأ مراقبة التلوث، مبدأ الاعتماد على المحفّزات الاقتصادية، ومبدأ تقييم الأثر البيئي.اضافة الى المرسوم 8213 الذي يُحدد آلية التقييم البيئي الإستراتيجي لمشاريع السياسات والخطط والبرامج في القطاع العام. الاّ ان المُشكلة تكمن في التطبيق نظراً للمحصاصات السياسية التي تلعب دوراً سيئاً في ذلك.

 

 

ما هي الغرامات المترتبة على الصناعات الملوثة؟

يشير الخبير الاقتصادي د جاسم عجاقة الى ان المادة 52 من القانون 444 تاريخ2972002، تنص على أن المسؤول عن الأضرار التي تطال البيئة، مُلزم بإتخاذ التدابير الآيلة إلى إزالة الضرر على حسابه بالكامل. والأضرار يتمّ مراقبتها من قبل الضابطة العدلية التي وفي حال المخالفة، تقوم بتسطير ضبط مخالفة يُحال إلى النيابة العامة.وبحسب القانون يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من خمسة عشر مليون إلى مئتي مليون ليرة لبنانية، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يعمد إلى تنفيذ مشروع يستوجب دراسة للتدعيات البيئية دون إجراء دراسة مُسبقة وإخضاعها لوزارة البيئة، أو من لا يحترم شروط الدراسة، أو من يعرقل إجراء مراقبة وتفتيش من قبل الوزارة.

من المعروف ان الترخيص البيئي ضروري لاية منشأة كي تباشر اعمالها، ما مدى التزام المنشآت اللبنانية ببنود هذه التراخيص بعد مباشرة عملها؟

يقول عجاقة بحسب القانون 444، تخضع كل المنشأت التي تحمل في طياتها مخاطر للبيئة، لعملية ترخيص وخصوصأ تلك التي قد تُسبب تلوثاً للأرض والمياه الجوفية. وهذا يتطلب في كثير من الأحيان إجراء دراسة لتقييم المخاطر البيئية التي – أي الدراسة – يتمّ إخضاعها إلى وزارة البيئة لتقييمها.لذلك ومن هذا المُنطلق، يُمكن القول أن لا إمكانية قانونياً للتهرب من الترخيص الذي يُعطى في حال كانت المنشآت تتضمن الوسائل لإحتواء المخاطر. لكن هناك مشكلة تطال تنفذ التعهد المنصوص عليه في الرخصة من ناحية أن العامل الاقتصادي يدفع بعض أصحاب هذه المُنشأت إلى إعتماد أساليب تقريبية تصب لمصلحتهم بالدرجة الأولى وهذا يطال معظم المنشآت اللبنانية.

ما هي البرامج التي يجب اتباعها لحماية البيئة، خصوصاً في مجال الانبعاثات في الهواء وحماية البيئة البحرية والصرف الصحي؟

في الواقع كل المشاريع التي نقوم بها مهما كان نوعها، تحمل شقاً بيئياً. من هذا المُنطلق، نرى أن الأبنية التي تُبنى حالياً هي إحدى النقاط التي يُمكن أن تكون برنامج بحد ذاته، أيضاً يُمكن ذكر السيارات وصيانتها، المولدات الكهربائية، معامل إنتاج الكهرباء الحرارية، النفايات الصلبة، الصرف الصحي، المصانع بكل أشكالها… لكن البيوت تبقى (نسبة إلى عددها) العامل الأول في التلوث البيئي وذلك على عدة أصعدة: إستهلاك الطاقة، النفايات، الإنبعاثات الحرارية وغيرها. وبحسب إعتقادنا، فإن البيوت المعزولة حرارياً والتي تستهلك الطاقة الشمسية أو أي أنواع الطاقة المُتجددة إضافة إلى فرز النفايات الصلبة، تُعتبر المشروع الأساسي الذي يجب على الدولة أن تعمد إلى تنفيذه وذلك عبر تحفيز ضريبي قوي وجريء. أيضاً يتوجب علينا النظر إلى الآليات التي تسير على الطرقات وفرض فلترات هوائية عليها كلها لكي نتفادى الإنبعاثات الحرارة وما تُسببه من ضرر في الصيف على المواطن.

اضافة الى منع المس بالأشجار أينما وُجدت، إذ أن نمو القطاع العقاري تمّ قبل كل شيء على حساب البيئة. فكم من الغابات إختفت عن الخارطة لكي يتم إنشاء مساكن بدلاً عنها؟ وبحسب تقييمنا للوضع أصبحت منطقة بيروت وجبل لبنان شبيهة ببلوك من الباطون ما يعني أن لبنان الأخضر تحول إلى لبنان الرمادي (يكفي النظر إلى لبنان عبر الـ Google Earth).

في النهاية، هناك القطاع الزراعي الذي وبسبب الطرق المستخدمة في الزراعة والريّ له دور سلبي جداً في الحفاظ على البيئة وعلى المحيط المعيشي للإنسان.

ما هي كلفة الفاتورة البيئية؟ وكيف يمكن تخفيضها؟

في الواقع إن الحديث عن فاتورة بيئية يتضمن عدة نواحي يجب توضيحها. فهناك الإحتباس الحراري الذي يطال بالدرجة الأولى الإقتصادات المُتطورة وهذا النوع يصعب تقييمه من ناحية أن الضرر غير مُشخص بالدولارات وذلك أن عدم إصدار غازات مثل ثاني أوكسيد الكربون وغيرها تعني خفض الماكينة الإنتاجية للإقتصاد والخسارة الناتجة عن هذا الأمر من الصعب تقييمها. أيضاً هناك الإحتباس الحراري الناتج عن السيارات والغازات التي تنبعث منها. كما يجب إضافة التلوث البيئي الناجم عن النفايات الصلب والمواد الكيماوية والحوادث التي تطال الشركات الصناعية وغيرها.وبحسب تقرير للأمم المُتحدة في العام 2008، فإن الأضرار الناتجة عن التلوث الذي تُسببه الثلاثة ألالاف شركة الأكبر في العالم، يبلغ 2200 مليار دولار أميركي. وهذا الرقم يوازي ثلث أرباح هذه الشركات التي تعود بالدرجة الأولى للقطاع الزراعي، الطاقة والنقل.

في لبنان، من الصعب تقييم الأضرار على البيئة وذلك بسبب غياب الأرقام الرسمية. لكن النفايات الصلبة التي ينتجها اللبنانيون والتي تُقدّر بمليون ونصف طن، يُطمر منها 9

والتخفيض يتمّ قبل كل شيء عبر فرض ضرائب كبيرة على القطاعات التي تُلوث وعلى الأسر التي لا تفرز نفاياتها كما وعبر برامج التوعية التي يجب أن تتحمل كلفتها وزارة البيئة.

البيئة هي الاكثر تأثيراً على صحة الانسان، لماذا يفتقد لبنان الى آلية للشكاوى البيئية؟

لا يوجد آلية خاصة بهذا الأمر وتبقى الشكاوى لدى وزارة البيئة هي الحل الأفضل للمواطن. لكن وبحسب ما شهدناه في لبنان حديثاً خصوصاً في ما يتعلق بتلويث محمية في منطقة جبيل، لم تتحرك وزارة البيئة ولا القضاء على الرغم من شكاوى المواطنين. ما يعني أن المحسوبيات تفوق النصوص القانونية في بلد قوانينه جيدة وتطبيقها سيء.

يفتقر المواطن الى الثقافة البيئية فاين دور الجمعيات البيئية والدولة في التوعية؟

إن التوعية على البيئة والإنماء المستدام هي تيار فكري تعليمي تقوم به تاريخياً الجمعيات غير الحكومية. وهو تيار قديم قام بفضل فكر الإنسان ووعيه وبوجه القرارات الحكومية في بعض الأحيان وضد الشركات الصناعية الضخمة التي داست كل مصالح المجتمع لمصلحتها الخاصة. لكن اليوم ومع الخطر الحقيقي الذي يواجه البيئة والإرتفاع المُتوقع في درجات الحرارة وما له من تدعيات على صحة المواطن وعلى التصحّر، أصبحت التوعية من صلب عمل الحكومات مع فارق صغير بالنسبة إلى الجمعيات البيئية غير الحكومية، أن الحكومة تملك القوة لسن القوانين وردع المخالفين.

والتوعية المطلوبة اليوم هي قبل كل شيء توعية من نوع تربية مدنية هدفها دفع الإنسان وبالتالي المجتمعات إلى رصد المأزق الذي سنتواجد فيه إذا ما إستمرينا على نفس النهج الذي نتبعه اليوم.

ما هي حوافز الاستثمارات البيئية في لبنان؟

السؤال الأساسي المطروح، عندما نتكلم عن حوافز الإستثمارات البيئية هو: كيف يُمكن تصحيح التداعيات السلبية للنشاط الإنساني على البيئية؟ والجواب يكمن في دفع اللاعب الاقتصادي الذي يعتمد المبدأ الاقتصادي – Rational Self Interest – في خياراته الإستثمارية. من هذا المُنطلق هناك عدة طرق لهذه الغاية وعلى رأسها القوانين، التوعية، السياسة الضريبية، المساهمة المالية في المشاريع البيئية التابعة للقطاع الخاص.

للأسف في لبنان، تبقى الحوافز البيئية تدور حول السياسة الضريبية لعدد محدود من المشاريع، كما وقوانين لا نُجيد تطبيقها كما يجب. من هذا المنطلق، نرى أن الحوافز هي حوافز خجولة ولن تدفع مجتمع كالمجتمع اللبناني مع كل ما يتمتع به من سلوك سيء تجاه الطبيعة، من تغيير سلوكه.

Print Friendly, PDF & Email