Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

أسعار النفط تُربك الممكلة العربية السعودية…والعالم

منذ بدء موجة انخفاض أسعار النفط عالمياً، واقتصادات الدول المُنتجة للنفط تتأثر سلباً نتيجة انخفاض المدخول وبالتالي ضرب الاستثمارات. لكن بعض الاقتصادات الأحادية تُعاني أكثر من غيرها على غرار الاقتصاد السعودي.   لا يُخفى على أحد أن انخفاض أسعار النفط العالمية هو وليدة مُخطط أميركي – سعودي يهدف بالدرجة الأولى الى لجم القدرات “العدوانية” لروسيا وايران وذلك عبر ضرب مداخيل هذه الدول من النفط وبالتالي تآكل الاحتياط ما يسحب من هذه الدول أي قدرة عسكرية. واذا كانت روسيا الخاسر الأول من هذه العملية قد خسرت ما يزيد عن 100 مليار دولار أميركي خلال عام واحد، الا أن حجم احتياطها الاجمالي لم يمنعها من التدخل عسكرياً في سورية. ويبقى القول: إن روسيا لن تبقى الى الأبد في ظل هذه الظروف نظراً الى الخطر المُحدق باقتصادها، لذا كانت لهذا التدخل العسكري أهداف واضحة وعلى رأسها تثبيت حصتها في نفط سورية والبالغة 6

وخطة خفض أسعار النفط العالمية ما كانت لترى النور لو لم تعمد المملكة العربية السعودية الى زيادة انتاجها بشكل ملحوظ في أوائل كانون الثاني 2015 حيث ارتفع هذا الانتاج من 9600 الى 10500 الف برميل في اليوم في حزيران 2015. وهذا الأمر بالطبع مُمكن تقنياً نظراً للقدرة الانتاجية غير المُستخدمة التي تمتلكها المملكة العربية السعودية والتي تصل الى مليوني برميل يومياً.

لكن المملكة العربية السعودية التي تعتمد بشكل شبه كلّي على النفط والصناعات النفطية، تأثرت بدورها من هذا الانخفاض بالأسعار وأخذ مدخولها بالانفاض وبالتالي سجلت الموازنة عجزاً يُقدّر بـ 2

من هذا المُنطلق، عمدت السعودية الى اصدار سندات خزينة لتمويل العجز في الموازنة. وخلال الثلاثة الأشهر الأخيرة، تمّ اصدار سندات خزينة بقيمة 55 مليار ريال سعودي وسيتمّ اصدار خلال الأيام القادمة سندات خزينة بقيمة 20 مليار ريال سعودي. والتوقعات تنص على أن وزارة المالية في المملكة العربية السعودية ستعمد الى اصدار سندات بقيمة 40 مليار ريال سعودي في أواخر هذا العام ليُصبح بذلك مجموع اصداراتها 115 مليار ريال سعودي أي 31 مليار دولار أميركي. لكن هذه الاصدارات التي تقوم بها المملكة العربية السعودية لها أهداف أخرى غير تمويل العجز وهي التي تتمتع باحتياط يفوق الـ 600 مليار دولار أميركي. ومن هذه الأهداف استباق العجز المُتوقع في الموازنة والذي سيبلغ حسب التحاليل الغربية عدة مئات من مليارات الدولارات الأميركية. وملاحظة مدة السندات تُوصلنا الى أنها تمتد على فترات 3، 5، 7 و10 سنوات ما يعني أن المملكة تتوقع استمرار أسعار نفط مُنخفضة أقله على الثلاث سنوات القادمة. وأقرنت المملكة سياسة الاستيدان هذه بسياسة مالية داخلية يغيب عنها دعم المحروقات ورفع الرسوم على كل المعاملات كما وفرض ضرائب على الدخل. هذه السياسة سيبدأ العمل بها ابتداء من مطلع العام 2016 حسب التوقعات.

بالطبع ان غياب التنويع في الماكينة الانتاجية السعودية، يُعتبر السبب الأول للتراجع المالي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية. هذا الأمر استوعبته دول خليجية أخرى كقطر والامارات العربية المُتحدة التي نوعت اقتصادها بشكل كبير، كما أن قطر وعبر صندوقها السيادي تهدف الى تمويل موازناتها كلياً من خارج مداخيل النفط.

وبالنظر الى الولايات المُتحدة الأميركية، نرى أن الاقتصاد الأميركي يستفيد ملياً من انخفاض أسعار النفط العالمية. لكن شركات النفط الأميركية خصوصاً تلك التي تستخرج النفط الصخري، تبقى المُتضرر الأول من ناحية أن كلفة الانتاج تُقارب الـ 70 دولار أميركي للبرميل الواحد أي أن برميل نفط بـ 40 دولارا أميركيا ليس كافياً. واذا ما استطاعت هذه الشركات تطوير طرق التنقيب والاستخراج بواسطة التكنولوجيا ما أدّى الى خفض الكلفة بنسبة 4

وبيقى القول أن انخفاض أسعار النفط كان عملية جيوسياسية بحتة لها أهدافها الاستراتيجية على الصعيد العالمي وموازين القوى، الا أن تأثير النفط في الاقتصاد ارتدّ على الجميع ويطاول حالياً كل الدول بشكل أو بآخر ايجابياً أو سلبياً. وفي لبنان، كان لانخفاض أسعار النفط الدور الكبير في منع تزايد عجز الموازنة بأرقام تفوق التصريحات الرسمية أي مليار ونصف مليار دولار أميركي. واستناداً الى حساباتنا، ساهم انخفاض أسعار النفط الى خفض الفاتورة الحرارية والفاتورة على الاقتصاد اللبناني بما يزيد عن 4.5 مليارات دولار أميركي. رابط البلد

Print Friendly, PDF & Email