Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

أموال الإغتراب اللبناني ودورها في الإقتصاد

لا مبالغة في القول أن تحويلات المغتربين اللبنانيين والتي تُشكّل 19 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي أصبحت عنصراً أساسياً في الإقتصاد اللبناني. إلا أن معرفة أن ما يزيد عن 30 مليار دولار أميركي من هذه التحاويل لا يتم إدخالها في الدورة الاقتصادية، يطرح السؤال عن دور أموال الإغتراب اللبناني في الإقتصاد. صار من المعروف أن هيكلية الاقتصاد اللبناني الهشّة لا تسمح بخلق فرص عمل لإستيعاب 16 ألف خريج سنوياً من الجامعات. على الستة عشر ألفا، ثلاثة آلاف منهم فقط يجدون فرص عمل في لبنان وفي أحيان كثيرة لا يتناسب العمل مع الشهادة التي يحملها الخريج. من هذا المُنطلق، عمد الكثير من الشباب اللبناني إلى الهجرة بعد التخرج في لبنان أو إلى تكملة الدراسة في الخارج.

وبذلك إرتفع عدد المغتربين بهدف العمل في الخارج خصوصاً الولايات المُتحدة الأميركية، أستراليا، كندا، ألمانيا، المملكة العربية السعودية، فرنسا، السويد، البرازيل، بريطانيا… ومعهم زاد إرسال الأموال إلى الأهل في لبنان لدرجة أصبحت التحاويل تُشكّل ما يزيد عن 1

وإذا ما قمنا بجمع تحاويل المغتربين اللبنانيين منذ العام 2002 حتى العام 2014، نرى أن مجموع هذه التحاويل بلغ 81 مليار دولار أميركي، وهذا الرقم يفوق دين لبنان العام والبالغ 70مليار د.أ.

وبالنظر إلى طريقة إستخدام هذه الأموال، نرى أن 31 مليار دولار أميركيا تنام في المصارف على شكل ودائع في حين أن 50 مليار دولار الباقية تمّ إستخدامها في الإستهلاك.

وهذا يُبرر إلى حد كبير النمو الملحوظ للإقتصاد اللبناني في العقد المُنصرم حيث أن الإستهلاك ساهم بنسبة تزيد عن 3

و توزع الإستهلاك الناتج عن أموال المغتربين بين إستهلاك المواد الغذائية بالدرجة الأولى، شراء العقارات بالدرجة الثانية ومن ثمّ تحسين الأوضاع المعيشية (كشراء السيارات). وبذلك إستطاع القطاع الخدماتي الحصول على حصة الأسد من هذه الأموال. في المقابل، لم يشهد القطاع الصناعي أو الزراعي أي إستفادة إستثمارية من هذه الأموال.

هنا يأتي الدور السيء لهذه الأموال القابعة في المصارف حيث أن الإستثمارات لا تستفيد من هذه الأموال التي أصبحت تُشكّل عبئاً على المصارف من ناحية أن هذه الأخيرة لا تُموّل الاقتصاد وبالتالي كيف لها أن تدفع الفوائد على هذه الأموال.

وهنا كان خيار المصارف اللبنانية بتمويل عجز دين الدولة اللبنانية ما يسمح بتحقيق الفائدة الواجب دفعها لهذه الرساميل كما وربح ضئيل نسبياً لحجم الأموال المُستثمرة في سندات الخزينة.

أضف إلى هذا الوضع التعيس، أن العمال الأجانب في لبنان يُحولون سنوياً ما يُقارب الخمسة مليارات دولار أميركي إلى ذويهم. أي أن الماكينة الإنتاجية اللبنانية تخسر سنوياً 5 مليارات دولار أميركي كانوا ليُستخدموا في الإستهلاك المحلي والإستثمار في الماكينة الإنتاجية اللبنانية.

وتُشير البيانات التاريخية أن مجموع تحاويل العمال الأجانب في لبنان إلى ذويهم بلغ 49 مليار دولار أميركي في الفترة المُمتدة بين العام 2002 والعام 2013. وللتذكير 49 مليار دولار هو حجم الاقتصاد اللبناني!

في العام الماضي صرح مصرف لبنان أن المحفظة الإستثمارية بقيمة 450 مليون دولار أميركي التي كان قد خصصها لتحفيز الإستثمار ساهمت بـ 0.

إذا أخذنا بالإعتبار وجهة نظر المُغترب، سيكون الجواب بالطبع: «نريد ثباتا أمنيا وسياسيا ومحاربة للفساد، وعندها يُمكننا أن نستثمر في لبنان». نعم هذه مطالب مُحقة وخاصة أن الاقتصاد مبني على الثقة التي تتأثر بنسبة كبيرة بغياب هذه العوامل. أيضاً يُمكن طرح السؤال عن طريق تصدير البضائع اللبنانية التي وفي حال زادت الإستثمارات، ستصطدم بكلفة نقل بحرية عالية.

لكن لبنان غير قادر على تأمين هذه المطالب، فكيف يُمكن حلّ هذه المعضلة؟ الجواب على هذا السؤال ليس بالسهل خصوصاً أن كل محاولة تصطدم بالتعطيل السياسي الذي يمنع أخذ القرارات التي تتناسب وهذه المطالب.

الكل يتفق على أن الإستمرار على هذا الوضع هو مُستحيل لأن النهاية ستكون خسارة للجميع، وعلى المغتربين أيضا. هذا الوضع يُمكن إختصاره بعدم وجود إستثمارات التي وفي غيابها لن يكون هناك نمو.

كيف لنا أن نطلب من المُستثمر الخليجي أن يعود إلى لبنان للإستثمار في الاقتصاد اللبناني والمغترب اللبناني لا يفعل ذلك؟ بالطبع هذا الأمر غير منطقي من ناحيتين: الأولى بالنسبة للمستثمر الأجنبي الذي يرى أن المُغترب اللبناني لا يثق بإقتصاد بلده فكيف له، كغريب، أن يثق بهذا الاقتصاد؟

الثانية تتمثل بالفرصة التي يُفوّتها المغترب على نفسه بعدم إستثماره في الاقتصاد اللبناني مع العلم أنه يحمل خطر البلد بحكم وجود أمواله في المصارف اللبنانية.

من هذا المُنطلق فإن المغترب اللبناني مدعو إلى الإستثمار في الماكينة الاقتصادية اللبنانية، لأن هذا الإستثمار سيسمح له بعائدات على الإستثمار أعلى من نسبة الفوائد التي يتلقاها على الودائع في المصارف. مع الأخذ بالإعتبار أن نسبة المخاطر على الأمد البعيد هي نفسها (خطر البلد).

يبقى القول أن بقاء لبنان في المستنقع السوري هو كارثي للبنان والخاسر الأكبر هو الاقتصاد اللبناني. وإذا إستطاعت الطبقة السياسية أن تعفي البلد من حرب أهلية إلا أنها لم تستطع أن تعفي الاقتصاد من تداعيات الأزمة السورية.

لذا فإن هذه الطبقة مدعوة إلى عمل كل ما في وسعها لعزل لبنان عن محيطه وعلى تشديد الروابط مع المغتربين اللبنانيين في الخارج عبر مؤتمرات ولقاءات تهدف إلى إقناعهم بالإستثمار في الماكينة الاقتصادية اللبنانية وذلك من خلال صناديق إستثمارية تكون تحت إشراف هؤلاء المغتربين أو تحت إشراف مصرف إستثماري عالمي. هذا الأمر بالطبع سيكون الخطوة الأولى في مشوار الألف خطوة لإعادة الاقتصاد اللبناني إلى وضع طبيعي.

في الختام، لا بد من القول أنه آن الآوان لإنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وفك الحصار عن المؤسسات الدستورية التي تُعاني ويُعاني معها الشعب اللبناني بأسره.

رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email