Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

وعادت النفايات الى اجتياح الشوارع!

طوني بشارة

في ظل انبعاث الروائح الكريهة من جديد بات من حق المواطن أن يتساءل: هل ستعود النفايات مرة أخرى الى شوارعنا؟ أم أن دولتنا تعلمت من أخطاء الماضي وباتت تتفنن في إدارة ملفاتها وأزماتها بشكل منطقي، مما يؤدي الى حماية اللبناني وتجنيبه مخاطر الأوبئة والامراض؟

وهل يمكن اعتبار تفاؤل المواطن بدولته غير منطقي في ظل انتشار النفايات من جديد في شوارع المتن وجونيه والدورة لاسيما بالقرب من مستشفى مار يوسف؟ فالنفايات كما يبدو عادت من جديد الى شوارعنا، والمواطن للأسف أصبحت أقصى طموحاته الا تصطدم سيارته بأكياس النفايات في وسط الطريق، وألا يحوم الذباب حوله، أو ألا تعيق النفايات مجاري الصرف الصحي والسواقي بعد أن أصبح المطر محتملاً في أي لحظة مع الدخول في فصل الخريف؟

اعتصام الكتائب ورفضهم فكرة الطمر

في المقلب الآخر، أي المقلب السياسي لاسيما الأحزاب، كان لافتاً إعتصام حزب الكتائب أمام مطمر برج حمود استنكاراً لاستكمال الأعمال في المطمر، فالحزب يرفض طمر النفايات غير المفروزة في البحر، وبدوره حزب <الطاشناق> وكمبادرة منه قام بإقفال مركز تجمع النفايات الذي يستقبل يوميا 1500 طن من الزبالة ما دامت الأعمال في المطمر توقفت، أما أبناء برج حمود فعلا صراخهم رافضين قيام جبل نفايات ثانٍ في منطقتهم. الرفض سيد الموقف، لكن المصيبة وقعت، فالمطمر تم اقفاله وتكدست النفايات من جديد في شوارع لبنان، وعلا صراخ المواطنين، وانتشرت التجاذبات بين الأطراف المعنية بالموضوع.

الكتائب: المسؤولية تقع على عاتق الحكومة

حزب الكتائب لا يحمل المسؤولية للوزير أكرم شهيب الذي أعد خطة سابقاً بتكليف من الحكومة، وانما وفقاً للكتائب فإن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة التي لم تحرك ساكناً، وطالبت الكتائب وزير الزراعة بضرورة تطبيق خطته المبنية على مبدأ لامركزية النفايات، بحيث يصار الى الفرز من المصدر ومعالجة كل منطقة لنفاياتها بعد إنشاء معامل للفرز، واعتبرت الكتائب ان النفايات العضوية ممكن تسبيخها، وبعد القيام بذلك يبدأ الحديث في كيفية معالجة الـ20 بالمئة المتبقية من النفايات، وهي ما يسمى بالعوادم.

الجميل: لعدم قيام مكبين للنفايات على ساحل المتن

فرئيس الحزب سامي الجميل طالب بإعادة النظر بخطة النفايات وصرح بضرورة السعي لمنع قيام مكبين على ساحل المتن الشمالي بطول 3 كلم وعلو 15 متراً… مكبان يحويان نفايات غير مفروزة، وذلك ضروري كي لا نورث أولادنا كارثة بيئية سنعاني منها مدى الحياة. وأعلن الجميل بأن الحزب قد أوقف السير بمطمر برج حمود لأنه مؤذ وسيؤدي الى كارثة ستمتد لسنوات وستنتج عنها أضرار بيئية وصحية وقال: <ان البديل سهل وهو العودة الى خطة الوزير شهيب التي تقضي بلامركزية النفايات>.

<الطاشناق>: برج حمود قادرة على حل مشكلة نفاياتها

اما حزب <الطاشناق> فرفض التطرق مطولا الى الموضوع، ولكنه أكد بدوره أن منطقة برج حمود قادرة على حل مشكلة نفاياتها، والحزب لن يقبل بأن تدخل قشة من خارج المنطقة. في ظل هذه المعمعة والتراشق السياسي واستحالة إيجاد حل سحري لأزمة النفايات، يبدو ان المصيبة واقعة لا محال، فهل بإمكان الجهات المسؤولة التخفيف قدر الإمكان من مخاطر المشكلة وتداعياتها الصحية والبيئية؟ وهل ان حجم الاضرار لمطمر برج حمود يفوق فعلاً التوقعات؟ وما هو موقف البلديات من مشكلة النفايات لاسيما بعد ان صرحت مجتمعة عن عدم جهوزيتها في الوقت الحالي لمعالجة هذه الازمة؟

أضرار مطمر برج حمودالبروفيسور جاسم عجاقة

أفادنا بأن الكشف على الأشغال القائمة في مكب برج حمود يظهر أن الخطة هي عبارة عن ردم البحر بالتراب ومن ثم وضع النفايات، ومن ثم طمرها من جديد بالتراب، لتكون النتيجة عبارة عن برج من النفايات، وهذا الأمر يؤدي الى تداعيات صحية واقتصادية جمة.

التداعيات الصحية والبيئية للمكب

وتابع عجاقة: بالإضافة الى التشويه الجمالي للبيئة، تنتج عن النفايات أمراض جمة مثل الملاريا والتسمم الغذائي والكوليرا وغيرها، وبالتالي من الخطر رمي النفايات أو طمرها في أماكن سكنية لأنها تكون سبباً في انتشار الميكروبات والطفيليات، كما أن التعفن يخلق الروائح الكريهة والأبخرة التي تهيج الحساسية والالتهابات ومنها الالتهاب الرئوي، وهناك أيضا نتائج أخرى لتراكم النفايات وعلى رأسها ظهور عدد من الحيوانات التي تلعب دوراً أساسياً في نقل الامراض، كـ<السلمونيلا>، الذباب، البعوض، الجرذان والفئران. واستطرد عجاقة:– لكن الأخطر يبقى في بعض الدراسات التي قامت بها منظمة الصحة العالمية والتي أظهرت أن مكبات النفايات تخلق عيوباً وراثية بين الأطفال الذين ولدوا من أب وأم يعيشان على بعد 3 كلم من موقع المكب. واللافت أن الحكومة اللبنانية تقوم وفق خطتها لمكبي برج حمود و<الكوستابرافا> بطمر ما يزيد عن 93 بالمئة من مجمل النفايات بعد أن تتم عملية الفرز الاولي التي تطال النفايات المعدنية والبلاستيكية الظاهرة، وتقوم الشركة بكب النفايات ثم تعمد الى طمرها بالتراب، لتعاود الكرة فينتج عن ذلك جبل من النفايات والتراب على شاطئ البحر. وخطة برج حمود تنص على خلق منطقة في البحر قريبة من مكان جبل النفايات القديم، وذلك من خلال خلق حاجز حجري في البحر لتعمد الشركة بعد ذلك الى استخدام المنطقة لطمر النفايات والتراب بشكل يسمح باستيعاب أكثر من عشرة ملايين طن من النفايات.

ــ ماذا عن الاضرار البيئية والصحية لذلك؟

– التداعيات لن تتأخر بالظهور، وعلى رأسها الروائح الكريهة التي تطال المنطقة على امتداد بضعة كيلومترات من المكب، وبما ان الرياح جنوبية – غربية، فإن محاكاة حسابية مبنية على نموذج حسابي تظهر أن الروائح والبكتيريا المنتشرة في الهواء ستمتد لتطال برج حمود، الدورة، الدكوانة، جل الديب، الزلقا، وصولا الى بصاليم ورومية وحتى بيت مري، وهذا الامر بالطبع ستكون له تداعيات صحية وبيئية. وتابع عجاقة:– التلوث لن يقتصر على الإنتقال بالهواء فإن الإحتكاك الجسدي الناتج عن النشاط الاقتصادي سيلعب دوراً في إنتقال البكتيريا والأمراض الى مناطق لحدود الكيلومترات حول المكب: الدورة، المرفأ، الاشرفية، الباشورة، بدارو، سن الفيل، المكلس.. وعلى صعيد تكاليف الطبابة ونظراً الى البيانات التاريخية لبعض المكبات في العالم، فإنها تقدر بقيمة 200 مليون دولار، وتشمل حساسية العيون، التهاب المسالك التنفسية، السعال، وضيق التنفس، والربو، والالتهاب الرئوي، وذلك لأكثر من 250 الف شخص معرضين للمطمر بشكل مباشر، أما على المدى البعيد فستكون هناك كلفة على الدولة وعلى الشركات التي تتعاطى التأمين لتغطية امراض القلب والاوعية الدموية والسرطان والعقم.

عجاقة: الأطفال والمسنون هم الأكثر عرضة للضرر

ــ أي فئات عمرية عرضة أكثر من غيرها لمخاطر المكب؟– يعتبر الأطفال والمسنون الشريحة التي ستطالها الامراض بالدرجة الأولى، وعلى صعيد التلوث المائي فإن النفايات ستخلق نوعا من الإسهال الحاد وستتسبب بتفشي البكتيريا والفيروسات في هذه المياه، مما يعني ان المشكلة أصبحت مشكلة صحة عامة. لكن الأصعب في الأمر، يبقى التشويه الخلقي، ضعف في القلب، الضعف في نمو الأعضاء….. اذ من المتوقع أن تظهر في الأجيال القادمة مشكلات صحية ناتجة عن النفايات وخصوصاً في منطقة قطرها 3 كلم من المكب، واذا اعتبرنا نسبة الإصابة 50 بالمئة تقدر كلفة الطبابة عندئذٍ بـ100 مليون دولار أميركي، مما يعني ان هذه المنطقة ستتحول الى نوع من المناطق المنكوبة بكل ما للكلمة من معنى، اذ يكفي النظر الى المكب لملاحظة غياب الطيور والأشجار نتيجة التلوث، وهذا أكبر دليل على فقدانها لقيمتها السياحية التي من المفترض ان تتوافر لمنطقة على شاطئ البحر. ــ وماذا عن التداعيات الاقتصادية؟– ان التداعيات الاقتصادية لمكب برج حمود ستطاول الآتي: أشغال تأهيل المكب، طبابة السكان الذين ستطالهم الأمراض، التعويضات الصحية لتغطية الأمراض المستعصية والتشويه الخلقي، تعويض الضرر لأصحاب العقارات المحيطة بالمكب على أساس 4 كلم، التلوث المائي، وغياب الفرص الاقتصادية، وتبلغ كلفة تأهيل مكب برج حمود بحسب خطة الحكومة 120 مليون دولار أميركي، وتطال طمر منطقة في البحر تبلغ 570 الف متر مربع ممتدة من المرفأ الى <السيتي مول>، وهذه الأشغال تشمل خلق حاجز بحري وإفراغ المنطقة من المياه الموجودة بهدف طمر النفايات مكانها. وتابع عجاقة:– على الصعيد البيئي هناك كلفة التأهيل في المستقبل بعد الإنتهاء من المكب، اذ أن التربة التي ستمتص السائل الاتي من النفايات ستسمح بتمرير هذا السائل الى الطبقة الجوفية خصوصاً مع تساقط المطر، وبالتالي فإن الكلفة المادية لمحو التلوث ستكون عالية جداً، وبالنسبة لي فإن الفرز يبقى الأساس في معالجة النفايات، ومن دونه هناك مشكلة كبيرة ستواجه لبنان خصوصا مع 1,6 مليون نازح سوري، وعلى السلطة إختيار أماكن للطمر بعيدة من الأحياء السكنية نظراً للضرر الصحي والبيئي، كما ونظراً للتكلفة المالية العالية لتداعيات خيار طمر النفايات في أماكن مكتظة بالسكان.

جبارة وفصل السياسة عن النفايات

بعيداً عن الاضرار البيئية والتداعيات الاقتصادية للمكب، يبدو ان هناك تفاوتاً في آراء رؤساء البلديات بالنسبة لموضوع النفايات، تفاوت سببه عائد للإنتماء المناطقي ربما، او السياسي لأعضاء البلدية، فرئيس بلدية الجديدة ــ البوشرية ــ السد، أنطوان جبارة إعتبر أن ملف النفايات أساسا من مسؤولية الدولة وليس البلدية، على إعتبار أن الدولة ومنذ 20 عاماً أخذت على عاتقها مهمة النفايات، وشدد جبارة على ضرورة الفصل ما بين السياسة والنفايات، فمن المعيب ان يتدخل رجال السياسة بملف كهذا، والحل الأنسب والأفضل في الوقت الحالي بالنسبة لجبارة هو إعادة فتح المكب مع متابعة العمل والسعي لإقامة معمل لتوليد كهرباء على المكب أي تطبيق المشروع الذي تقدم به ميشال المر والذي لم يبت به حتى تاريخه. وتابع جبارة:– كل دول العالم تعتمد على المحارق لمعالجة أزمة النفايات، وخير مثال على ذلك فرنسا وبلجيكا والمانيا.. فلماذا التركيز في بلدنا على فكرة الطمر؟ علماً اننا في ظل الازمة نحن بحاجة لمعامل توليد الكهرباء، التي بدورها تعالج ثلاث أزمات: ازمة الكهرباء، ازمة النفايات وأزمة المجارير.

الاكياس البيضاء من جديد

ــ في حال لم تتم إعادة فتح المكب، ما الحل الذي ستعتمده البلدية؟ علماً أن انتقادات عدة طالت بلدية السد بسبب اعتمادها الاكياس البيضاء في الازمة السابقة؟ – الاكياس البيضاء التي اعتمدناها سابقاً لجمع النفايات بعد معالجتها، ستعمد في الوقت الحالي اغلبية البلديات الى اتباعها كوسيلة لمعالجة نفاياتها، ونحن كحل مؤقت عمدنا الى استئجار قطعة ارض في الوادي الصناعي في عين سعادة سوف ننقل الاكياس البيضاء اليها بعد القيام بعملية فرز بدائية، علما ان الحل النهائي هو تطبيق خطة المر بإقامة معامل توليد للطاقة بالقرب من مكب برج حمود.

الحواط وفكرة اللامركزية لإدارة ملف النفايات

اما رئيس بلدية جبيل زياد الحواط فألمح الى انه مع فكرة اللامركزية في إدارة ملف النفايات، وأوضح بأن جبيل لم ولن تعاني من أزمة النفايات، فالبلدية منذ فترة بدأت مشروعاً مع شركاء لبنانيين <head> و<act> و<zero waste> بهدف تحويل جبيل الى مدينة خالية من النفايات من خلال تطبيق مبدأ فرز النفايات من المصدر في جميع انحاء المدينة، كما ان البلدية تلقت منذ فترة تمويلاً لتنفيذ مشروع تجريبي تحت عنوان (الفرز من المصدر) من المنصة الاستراتيجية <الأورو متوسطية> للإدارة المناسبة للنفايات <ماد 3 أر>، وهو مشروع استراتيجي لبرنامج التعاون عبر الحدود لحوض البحر الأبيض المتوسط ضمن مسألة إدارة النفايات وإعادة تدويرها، وهذا المشروع ممول الى حد 90 بالمئة من ميزانية قدرها 4787062 يورو من قبل الاتحاد الأوروبي ويجمع 15 شريكاً مباشراً، وسبعة شركاء إرتباط في إطار مشروع <ماد 3 ار>، والبلدية قررت أن يغطي هذا المشروع المدينة بأكملها، وهكذا بالإضافة لحل ازمة النفايات ستصبح المدينة قادرة على توليد عائد مالي من خلال بيع المواد القابلة للتدوير المنتجة من اجل الاستثمار في مشاريع إنمائية في المدينة.

Print Friendly, PDF & Email