Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

التجديد لسلامة.. ضرورة

تنتهي في أيار ٢٠١٧ ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وإذا كانت خيارات الحكومة تراوح بين التعيين والتجديد، فإن هذا الأخير يظهر كخيار إلزامي نظراً لأهمية الثبات النقدي في هذه المرحلة وارتباط إسم رياض سلامة بهذا الثبات.  تنقسم السياسة الإقتصادية إلى نوعين: السياسة المالية التي هي من مهمات الحكومة وتطال الشق الإقتصادي والضريبي، والسياسة النقدية التي هي من مهمات المصرف المركزي وتطال الثبات النقدي ومحاربة التضخم. والسياسة النقدية بمفهومها الحر تنص على استقلاليتها الكاملة عن السلطة السياسية، حتى لو كانت هي من تُعيّن حاكم المصرف المركزي. وهذه السلطة لا تستطيع إملاء قرارات على المصرف المركزي سواء كانت هذه القرارات صائبة أو تخدم الفريق الحاكم. وفي نطاق الأنظمة الإقتصادية الحرّة، هناك خصائص أخرى تسّمح بتقييم أداء السياسة النقدية. ومن بين هذه الخصائص.. الصدقية. هذه الأخيرة تُعرّف في عالم المال على أساس أنها سلوك يتبعه الحاكم المركزي وتنص على أن يقول ما سيفعله، تنفيذ ما صرّح عنه، والتذكير بما قال وما فعل. من هنا، تأتي أهمية التصاريح لحكّام المصارف المركزية في العالم خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. استطاع رياض سلامة أن يُطبق استقلالية في سياسة مصرف لبنان النقدية. وهذا الأمر نابع من الصلاحيات الواسعة التي يتمتّع بها طبقاً للقانون. واستطاع إعفاء المؤسسة من التدعيات المذهبية والحزبية. أما على صعيد الصدقية، فقد أثبت سلامة أنه يتمتّع بصدقية عالية على الصعيدين الداخلي والعالمي. هذه الصدقية دفعت بمجلة “غلوبال فايننس” إلى وضع إسمه في لائحة أفضل عشرة حكام مصارف مركزية في نحو ٧٥ دولة. وقامت “غلوبال فايننس” بتصنيفه على أساس معايير أساسية في الإقتصاد وفي القطاع المالي وخصوصاً: السيطرة على التضخم، أهداف النمو الاقتصادي، الثبات النقدي، إدارة سعر الفائدة، استقلالية المصرف، الاستقلالية الإقتصادية. لعب رياض سلامة دوراً أساسياً ومحورياً في تحديد السياسية النقدية. وبالتالي، السيطرة على التضخم، وفي الحياة الإقتصادية من خلال اللعب على أسعار الفائدة. ما يعني دعم النمو الاقتصادي وبعض القطاعات الإقتصادية من خلال حوافز مالية. لكن الأهم في أداء سلامة يبقى سياسة الثبات النقدي. وإذا كان العديد من الطامحين لمنصب حاكمية مصرف لبنان يُهاجمون سلامة على كلفة الثبات النقدي، إلا أن معرفة أن الأبحاث العلمية أثبتت أن كلفة الثبات النقدي في دول يشوبها عدم استقرار سياسي وأمني، تبقى أقل كلفة على الإقتصاد من الخسائر الناتجة من تأرجح سعر صرف العملة. هذا الأمر مثبّت وعلمي وقام به باحثون أرادوا تحديد العوامل التي تؤثّر على ثبات العملة في ظل سعر صرف ثابت مقابل عملة أو سلّة عملات أجنبية. ومن يتذكّر العام ١٩٨٣، يتذكّر كيف أن الليرة اللبنانية إنهارت أمام الدولار الأميركي ووصلت إلى مستويات تاريخية أفقرت معها قسماً كبيراً من الطبقة المتوسطة وزادت من إفقار الطبقة الفقيرة بحكم أن قسماً كبيراً من هاتين الطبقتين هو موظفون ويقبضون أجورهم بالليرة اللبنانية. من هنا، أتت سياسة الثبات النقدي الذي مارسه سلامة ليسمح لليرة خلال الأعوام الثلاثة والعشرين الماضية من الصمود في وجه الأزمات السياسية والأمنية التي عصفت في لبنان من عناقيد الغضب إلى الشغور الرئاسي اليوم مروراً باغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدوان تمّوز ٢٠٠٦ وأحداث ٧ أيار والأزمة السورية. وما زاد من فعالية سياسة الثبات النقدّي، هو شخص سلامة الذي استحصل على اعتراف أكبر دول العالم. فقد قالت عنه الإدارة الأميركية من أفضل حكّام العالم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن ميزان المدفوعات في شهر آب 2016 سجّل فائضاً بقيمة ١.٧٨٧ مليار د.أ، أي على مدار السنة فائضاً في أواخر هذا العام بقيمة ٣٠٠ مليون د.أ. ويعود الفضل في تحسّن ميزان المدفوعات إلى الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان والتي سمحت بإدخال أموال كبيرة في وقت تتراجع فيه تدفقات الأموال في المنطقة ككل. هذه الهندسة سمحت بدعم سعر صرف الليرة والحفاظ على الثبات النقدي. وهذا يُثبت أنه مهما كانت تطورات الوضع السياسي، المالي، والإقتصادي في لبنان هناك ثابت واحد هو أن مصرف لبنان يُسيّطر على سعر صرف الليرة وأن الثبات النقدّي لا يتأثر بالعوامل الخارجية، كما لو أن مصرف لبنان استطاع بفضلّ هندساته المالية أن يعزل مسار الليرة عن العوامل الأخرى. في ظل هذه الظروف، نرى أن التجديد لحاكم مصرف لبنان ضرورة

Print Friendly, PDF & Email