Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

بين “فاتكا” و”غاتكا” وداعاً للسرية المصرفية

نوال الأشقر

“عندما يُقال إن الولايات المتحدة الأميركية والدول العظمى تسيطر على بلدان العالم، لا يعني أنها تأتي بأساطيلها الحربية وتحتل البلدان، بل أنّ ما تصدره من قوانين مالية ملزمة للدول هو شكل من أشكال السيطرة”، هذه الكلمات قالها الرئيس نبيه بري مترئساً الجلسة التشريعية الأخيرة في معرض مناقشة القوانين المالية، وما أثارته من اعتراض من قبل نواب حزب الله على تشريع هذه القوانين تحت الضغط. المجلس النيابي لا يملك ترف التأجيل أو الوقوف في وجه المنتدى المالي العالمي، تحت طائلة وضعه على اللائحة السوداء في خانة الدول غير المتعاونة ضريباً. والسؤال ماذا بقي من السرّية المصرفية بعد إقرار هذه القوانين؟

لا شك أنّ مرحلة مصرفية جديدة بدأت تفرض مسارها على دول العالم، رضخت معها الدول الرائدة في مجال السرية المصرفية للتوجه الدولي، وأتت قضية تسريبات أوراق بنما وما أثارته من ضجة دولية عارمة لتثبيت مسار القضاء على الجنات الضريبية والملاذات الآمنة، وفي ظل المشهد المالي الدولي الجديد تضاعفت التساؤلات حول قدرة الدول التي تعمل بالسرّية المصرفية كلبنان وسويسرا ولوكسمبورغ وسنغافورة على الملاءمة بين السرّية المصرفية والشفافية المطلوبة. خير مؤشر على بداية مرحلة جديدة من العمل المصرفي حول العالم، ما قاله وزير الخارجية الألماني فولفغانغ شويبله في تشرين الأول الماضي، بأنّ “السرّية المصرفية بشكلها السابق ولّى زمانها”، وذلك عندما وقّعت أكثر من 90 دولة في العاصمة الألمانية، اتفاقات تقضي بتبادل تلقائي للمعلومات المالية بحلول عامي 2017 – 2018 ، في سبيل مكافحة التهرب الضريبي والاحتيال. التشريعات التي أقرها المجلس النيابي اللبناني في جلسته التشريعية الأخيرة تأتي في سياق إلتزامه بهذه الإتفاقيات، التي تنص على عولمة قانون الإمتثال الضريبي الأميركي “فاتكا”، ليصبح قانوناً دولياً تحت مسمّى قانون الإمتثال الصريبي على الحسابات العالمية “غاتكا”، والذي يساهم في تبادل المعلومات المالية بين الدول الموقعة عليه، لمنع مواطني هذه الدول من التهرب من دفع الضرائب، من خلال إيداعها في مصارف دول أخرى، وسوف تصبح المصارف اللبنانية ملزمة بدءاً من أيلول عام 2018 تقديم المعلومات المالية عن الحسابات لديها، بصورة تلقائية إلى الدول المنضوية في النظام. دخول لبنان عصر “غاتكا” بمثابة مسار جديد هو الأقسى في نعش السرية المصرفية، سبقته العديد من الثغرات التي اخترقت سابقاً جدار السريّة المصرفية، ومنها قانون مكافحة تبييض الأموال (القانون رقم 318/2001 وتعديلاته)، فضلاً عن مقتضيات تطبيق قانون الامتثال الضريبي الأميركي والمتعلّق بالحسابات الأجنبية “فاتكا”، الذي ألزم المصارف اللبنانية بالتصريح عن حسابات زبائنها حاملي الجنسية الأميركية وحاملي بطاقات الإقامة الدائمة . وبالتالي هذه القوانين تؤدي عملياً إلى كسر السرية المصرفية يقول الخبير الإقتصادي الدكتور جاسم عجاقة لـ “لبنان 24″، “نفقد السرّية المصرفية تحت ضغط القوانين المالية العالمية ، التي بموجبها تصبح المصارف اللبنانية ملتزمة بتقديم المعلومات إلى الدول المنظوية في المجموعة عن أرقام حسابات مواطنيها المودعة في المصارف اللبنانية وقيمتها وقيمة الأرباح المتأتية عنها “. عجاقة استبعد أن يتأثر القطاع المصرفي في لبنان سلباً بفقدان السرية المصرفية إحدى أهم ميزاته على مدى عقود “الإعتقاد السائد في لبنان، أنّ جذب الودائع وحجمها الكبير يتأتّى من قدرته على التهرب من الضرائب بفضل السريّة المصرفية، هو اعتقاد خاطىء، لأنّ القطاع المصرفي اللبناني يرتكز إلى جملة ميزات كثيرة يرتقي من خلالها إلى مرتبة القطاعات المصرفية العالمية ، ومن هذه الميزات القوانين الضابطة والتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، وميزة النظام التكنولوجي التي تتمتع به المصارف اللبنانية ، والتي تضاهي العالم من خلاله، وأكبر دليل على ذلك قدرة بنك لبنان والمهجر على متابعة عمله كالمعتاد وبسهولة من مكان آخر، صبيحة الإنفجار الذي تعرض إليه في منطقة فردان، فلم يكن مضطراً لإنتهاء أعمال الترميم لمعاودة عمله، بل أن المعلومات محفوظة على نظام معلوماتي آمن يخوله العمل من مكان آخر. بالتالي لا أوافق على مقولة أنّ القطاع المصرفي اللبناني يرتكز إلى السرية المصرفية، بل يملك العديد من الأعمدة الأساسية كرزمة القوانين التي ترعى هذا القطاع، والتي كان لها الفضل الأكبر في ثقة بلدان العالم بالقطاع المصرفي اللبناني، وميزة التكنولوجيا.”

رابط لبنان ٢٤   

Print Friendly, PDF & Email