ويبقى السؤال: هل المسار المرسوم للبنان هو الأفضل؟ الجواب بالطبع لا. فقد كان يتوجّب على السياسيين في لبنان إعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي – أي بوابة الخليج، ومستشفى الشرق الأوسط، والمركز التعليمي الأول، بالإضافة إلى مركزه المالي الذي كان يحظى به منذ ستينات القرن الماضي. أيضاً كان باستطاعة المسؤولين دعم الإقتصاد بجعل لبنان مركز تكنولوجي مُتطوّر عبر إعتماد منهجية “السيليكون فاليه” ومع إستخراج الغاز كان باستطاعة لبنان خلق قطاع بيتروكيماوي ضخم…

لكن وبعد ما حصل من هدر وفساد في المال العام قضى على أموال المودعين، والوصاية الدولية التي أصبحت قائمة بحكم فقدان الثقة بالسلطة السياسية والمالية، لم يعد لبنان قادراً على تحديد مساره، وبالتالي المطلوب اليوم إجراء الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي ومن ثمّ تنفيذ خطّة ماكنزي.

المُحزن المبكي في وضعنا هذا أنّ هناك شعارات يؤمن بها الرأي العام اللبناني ويدافع عنها على حساب كيانه ووجوده، على الرغم من أنّ هذه الشعارات هي شعارات فارغة ولا تمتّ إلى واقع الإنسان بصلة. وبالتّالي وعلى الرّغم من الطابع الديموقراطي للنّظام اللبناني الذي يضع القرار الأخير في يد الشعب، إلّا أنّ هذا الأخير – أسير الشعارات – يُعيد إنتاج سلطة خفّضت دخله الفردي السنوي من خمسة عشر ألف دولار أميركي إلى أقلّ من خمسة آلاف دولار أميركي سنوياً، مع فقدانه لكلّ المقوّمات الخدماتية التي تدخل ضمن حقوقه عملاً بشرعة حقوق الإنسان. لذا وفي ظلّ هذه المعضلة يأتي المخاض كممرّ إلزامي لتنفيذ المسار الدّولي على أمل أن لا يطول هذا المخاض، ونعبر إلى برّ الأمان الإجتماعي حتّى لو أصبحنا دولة هامشية.