Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

جاسم عجاقة للقدس العربي.. يتوجّب على لبنان الخروج من اقتصاد الريع والخدمات وأرفض استخدام قسم من الثروة النفطية لسد الدين العام

ناديا الياس

جاسم عجاقة لـ “القدس العربي”: يتوجّب على لبنان الخروج من اقتصاد الريع والخدمات وأرفض استخدام قسم من الثروة النفطية لسد الدين العام شرح رؤيته للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية منتقداً فرض ضرائب لتمويل سلسلة الرواتب بيروت ـ “القدس العربي”: قدّم الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة تصّوره للنهوض من الأزمة الاقتصادية والمالية للدولة اللبنانية مشدداً في حديث خاص لـ»القدس العربي» على ضرورة تخصّص الاقتصاد وتنويعه بغية الوصول إلى تكامل اقتصادي قوّي. وأعلن عجاقة “ان الاقتصاد اللبناني يعيش في ظل مناخ أسود وذلك منذ بدء الحرب الأهلية، وإذا كان اللبناني بمبادرته الفردية قد استطاع التأقلم والاستمرار، إلا أنّ خيار هيكلية اقتصادية ريعية والتخبّط السياسي جعلت من هذا الاقتصاد رهينة المزاج السياسي والأوضاع الإقليمية وغيرها”. ورأى “انّ اقتصاد لبنان قبل الحرب الأهلية كان متنوعًا وإذا كان القطاع المصرفي والسياحة يحتلان مساحة واسعة في الناتج المحلّي الإجمالي، إلا أن القطاعات الإنتاجية الأخرى كان لها دور كبير في هذا الناتج وكانت تستوعب العديد من اليد العاملة اللبنانية، لكن الحرب الأهلية التي امتدّت من منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى أوائل التسعينيات قضت على كلّ البنى التحتية، وأصبح الاقتصاد اللبناني نتاج حركة تجارية بالدرجة الأولى وزراعية بالدرجة الثانية في ظلّ الضرر الذي لحق بالقطاع الصناعي وتوقف السياحة وهروب رؤوس الأموال من لبنان”. وقال “إنّ فترة ما بعد الحرب (1991 – 2005) كانت فترة أُعتمد فيها مبدأ النظرية الكينيزية حيث أخذت الحكومات بالإستدانة بهدف إعمار البنى التحتية. لكنها فشلت في إعادة دعم القطاعين الأولي والثانوي واقتصر النشاط الاقتصادي بالدرجة الأولى على قطاع الخدمات وأخذت ثقافة الريع تنتشر». ولفت في الوقت عينه إلى «ان العديد من اللبنانيين ومع الفوائد العالية التي شهدها لبنان في تسعينيات القرن الماضي فضّلوا إيداع أموالهم في المصارف التي قامت بتمويل عجز الدولة المُتنامي نتيجة الصرف على قاعدة الإثني عشرية وبإعتمادات من خارج الموازنة وذلك منذ العام 2005 وحتى 2017 وبالتالي أصبح لبنان يتميّز بعجزين كبيرين أُطلق عليهما العجز التوأم، هما عجز الميزان التجاري وعجز الموازنة”. وأكد “انّ الحرب السورية والنزوح الكثيف للسوريين من سوريا إلى لبنان ضرب كلّ البنى الخدماتية للدولة اللبنانية وضَعُف معها القطاع الصناعي وزادت البطالة ونسبة الفقر. وكأن هذا الإطار الأسود لا يكفي، عمدت السلطة السياسية إلى فرض ضرائب على النشاط الاقتصادي لتمويل سلسلة الرتب والرواتب ضاربةً بعرض الحائط النظرية الاقتصادية التي تمنع فرض ضرائب على النشاط الاقتصادي في أيام الركود”. ورأى “أنّ أكثر ما يحتاجه الاقتصاد اليوم هو الإستثمارات، لكنها بحاجة إلى مُحفزات وإلى توجيه لكي يكون مفعولها مُعظّماً، وبالتالي يتوجّب على لبنان إعادة هيكلة اقتصاده والخروج من اقتصاد يعتمد الريع والخدمات إلى اقتصاد مُتنوّع مع التخصّص في بعض القطاعات الواعدة”. وشددّ أيضاً على “أن البنى التحتية والخدماتية في لبنان بحاجة إلى إعادة تأهيل وتوسيع لتستوعب التكاثر السكاني ونمط المعيشة العصري” لافتاً في السياق عينه إلى “أنّ هناك حاجة لأكثر من مليار دولار أمريكي للبنى التحتية من طرقات وسكك حديدية ونقل عام، وهذا الأمر ضرورّي لإرساء الإنماء المتوازن وحلّ مشكلة السير والسكن وغيرها من الأمور التي تمنع التطور الاقتصادي، كما يحتاج لبنان لإستثمارات بقيمة 4 مليار دولار أمريكي لقطاع الكهرباء الذي يُعتبر العصب الرئيسي للاقتصاد حيث يتوجّب إنشاء معامل في كل مُحافظة بغية تلبية الطلب المُتزايد”. ووجد عجاقة “أنّ الإستراتيجية الحرارية لا تقلّ شأنًا عن باقي القطاعات، فلبنان يستورد مُشتقات نفطية بقيمة 5 مليار دولار أمريكي سنويًا مُعظمها يذهب في التدفئة، وهذا الأمر يفرض إستراتيجية لعزل البيوت وترشيد إستعمال الطاقة في السيارات والمنازل والمصانع وغيرها. أمّا على صعيد القطاعات الإنتاجية فرأى أنه «يتوجب على لبنان وضع لائحة بأول 50 مُنتج يستوردهم من الخارج ومُحاولة تصنيع أو تجميع هذه المُنتجات في لبنان مما يُقلل من العجز في الميزان التجاري، ويزيد من فرص العمل ويرفع الناتج المحلّي الإجمالي». زراعيًا في رأيه انه “يتوجّب على الدولة أن تعمد إلى تطوير هذا القطاع من خلال إستثمارات تشمل الزرع، الريّ، الحصاد كما وخلق أسواق محلّية في المناطق لبيع المحصول، وهذا الأمر مُبرر أقلّه بحدث تاريخي وهو أن الفرنسيين، وأثناء الإنتداب، أرادوا جعل لبنان مصدر المنتوجات الزراعية لأوروبا بأكملها، فهل يُعقل أن لبنان يستورد القمح؟ خدماتيًا، لا يُمكن إغفال مُشكلة النفايات والتي أصبحت مُشكلة صحّة عامة مع طمر النفايات في البحر من دون أي إجراءات واقية لمنع التلوث في الهواء أو الماء وهذا الأمر يفرض جدّية في التعاطي مع هذا الملف لإعتماد حلول عملية سليمة”. وأكد عجاقة أنّ “هناك أيضاً حاجة مُطلقة لإنشاء الحكومة الإلكترونية والتي أصبحت أكثر من ضرورية لتخفيف أعباء التنقلّ إلى دوائر الدولة بهدف إجراء المُعاملات، وهذا الأمر يجب أن يتواكب مع تخفيف لشروط المُعاملات الإدارية للشركات وسياسة ضريبية تحفيزية تأتي لدعم إنشاء الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم والتي ستلعب دورًا أساسيًا في محاربة الفقر وإستجلاب التكنولوجيا إلى الماكينة الاقتصادية اللبنانية”. وإذ اشار إلى انه “لا يُمكن تناسي مُشكلة الدين العام الذي فاق الـ 77 مليار دولار أمريكي والناتج عن عجز مُزمن في الموازنة بلغ تراكميًا 41 مليار دولار أمريكي ما بين 2004 و2016!” ورأى انه “يتوجّب على الدولة من هذا المُنطلق مُحاربة الفساد والهدر اللذين تبلغ كلفتهما 10 مليار دولار أمريكي سنويًا على الاقتصاد (منها 5 مليار د.أ خسارة مالية مُباشرة على الخزينة و5 مليار د.أ خسائر غير مُباشرة نتيجة غياب الفرص الاقتصادية). وهذا الأمر يمرّ إلزاميًا بإصلاحات إدارية في المؤسسات العامة والوزارات ووقف التوظيف السياسي في الدولة ولجم الهدر على كل المُستويات”. وختم عجاقة لـ “للقدس العربي” رؤيته للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية للدولة اللبنانية «أننا نرى في الثروة النفطية أملاً للأجيال المُستقبلية، من هذا المُنطلق نرفض رفضًا قاطعًا مقولة أنه يجب إستخدام قسم من الثروة النفطية لسدّ قسم من الدين العام، فهذا الدين ناتج عن الفساد والهدر ولا يُمكن التأكد من أن هاتين الآفتين ستتوقفان في المُستقبل».

Print Friendly, PDF & Email