jassemajaka@gmail.com
الهجوم الإرهابي على القوى الأمنية يُثير المخاوف الاقتصادية والمطلوب ضبط الاوضاع الداخلية
الديار | بروفسور جاسم عجاقة
مرّة جديدة يضرب الإرهاب لبنان وهذه المرّة من قلب عاصمة لبنان الثانية طرابلس حيث دفع أربعة شهداء من الجيش وقوى الأمن الداخلي الثمن من حياتهم. هذه الضرّبة لها وقع نفسي على المواطن اللبناني من ناحيتين: الأولى استهداف الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، والثانية الهجوم ليلة عيد الفطر ومن قلب طرابلس. التداعيات كانت فورية على الساحة السياسية مع سجال ناري بين التيار الوطني الحرّ وتيار المُستقبل استُخدِمَت فيه الكثير من الاتهامات التي من المُتوقّع أن تُعَقّد بين العديد من الملفات في المرحلة المقبلة وعلى رأسها التعيينات الإدارية وحتى موازنة العام 2019. وما إقرار السماح للحكومة بالصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية حتى منتصف تمّوز إلا دليل على مسار سيئ قد يطال مشروع الموازنة في لجنة المال والموازنة.
العملية الإرهابية في طرابلس
العملية الإرهابية التي طالت طرابلس أدّت إلى استشهاد كل من الملازم أول حسن علي فرحات والمجند ابراهيم محمد صالح من الجيش اللبناني، كما والرقيب جوني خليل والعريف يوسف فرج من قوى الامن الداخلي. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تُظهر فظاعة الغدر الذي قام بها الإرهابي ضد عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي من دون تفرقة بين إنتمائهم المؤسساتي أو الديني!!
وبغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه العملية عملية فردية مصدرها شخص مُختلّ كما صرّحت الوزيرة ريا الحسن أو ضمن عمل مجموعة خلايا نائمة، فقد كان وقعها على الساحة السياسة اللبنانية مُدوياً إذ احتدم الصدام الكلامي بين وزراء ونواب كل من التيار الوطني الحرّ وتيار المُستقبل اللذين يُشكّلان العامودين الأساسيين للتسوية الرئاسية.
تداعيات قد تُعطّل عمل الحكومة
العملية الإرهابية التي طالت طرابلس أظهرت هشاشة التضامن الحكومي وعلّت من مستوى المزايدات والسجالات بين أطرافها والتي تطرح سؤالاً أساسيًا أتى على لسان النائب بلال عبد الله الذي تسائل عما إذا كان قد رُفع الغطاء عن الحكومة.
تغريدة وزير الدفاع الياس بو صعب صعّدت المواجهة مع تيار المستقبل الذي قال: «لأننا لن نقبل أن يذهب دم الشهداء هدرا ولأننا نتحمل مسؤوليتنا امام اللبنانيين وبعد الاطلاع على جزء من ملف الارهابي عبد الرحمن مبسوط سأطلب اجراء تحقيق لتبيان كيف اوقف وكيف حكم وكيف خرج من السجن». هذه التغريدة استفزّت تيار المُستقبل الذي ردّ عبر مصدر حكومي: «الرئيس سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية ورئيس كل الوزارات ولا يحتاج الى دروس في الاصول والمسؤوليات من أحد وهو معني بالاهتمام بكل المؤسسات شاء من شاء وأبى، والتصويب على قوى الامن الداخلي… لن يكون مسموحاً بعد اليوم السكوت عن مواقف غير بريئة هدفها اظهار الدولة اللبنانية كما لو كانت مجموعة كونتونات امنية تتقاسمها الطوائف والقيادات السياسية، ولن يكون مقبولاً، لاي سبب وتحت اي ظرف، ان يتولى اي وزير او مسؤول مهمة اقامة شرخ بين المؤسسات العسكرية والأمنية».
بالطبع الرد والرد على الرد توالى بين الوزير بو صعب وأمين عام تيار المستقبل ودخل على الخط العديد من المسؤولين في التيارين. الجدير ذكره أن حادثة طرابلس أتت لتزيد من التوتّر القائم أصلاً بين الحلفين على خلفية التصاريح المُنسوبة إلى الوزير جبران باسيل وقرار المحكمة العسكرية في قضية الحاج – غبش والاتهامات المتبادلة بالتدخّل بالقضاء.
كل هذا يُنبئ بمرحلة سياسية قاسية أمام حكومة تواجه أصلاً تحدّيات عديدة منها سياسي ومنها اقتصادي وإداري ومالي. الجبهتان المُحتملتان لترجمة التأزم في العلاقة بين الحليفين هما جبهة الموازنة وجبهة التعيينات الإدارية.
القاعدة الاثني عشرية
وكانت لجنة المال والموازنة قدّ أقرّت نهار الاثنين مُسودّة قانون يُجيز للحكومة الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية حتى منتصف شهر تمّوز المقبل. وهذا القرار يُنبئ بتعقيدات قد تطال طريق مشروع الموازنة في لجنة المال والموازنة خصوصًا أن الوضع المالي للدوّلة اللبنانية يتردّى كل يوم إضافي من دون موازنة. فمشروع الموازنة بحسب تصريحات وزير المال علي حسن خليل ومستشار الرئيس الحريري تعتمد في حساباتها لعجز موازنة العام 2019 على أساس تطبيق الإجراءات على الستة الأشهر الباقية من السنة، لذا نرى أن تأخير إقرار الموازنة حتى منتصف تمّوز هو قرار سياسي أكثر منه إجرائي بحكم أن العجز المنصوص عليه في مشروع الموازنة لن يكون على الموعد مع كل يوم تأخير وهذا الأمر يعرفه كلّ أعضاء اللجنة.
وكان الوزير علي حسن خليل قد أصدر في شهر نيسان مذكرة إلى مراقبي عقد النفقات في مختلف الوزارات والمؤسسات طلب فيها منهم عدم التأشير على أي نفقة باستثناء الأجور وملحقاتها والنقل. الجدير ذكره أن المادّة 61 من قانون المحاسبة العمومية تنصّ على «كل معاملة تؤول إلى عقد نفقة يجب أن تقترن، قبل توقيعها، بتأشير مراقب عقد النفقات». وقد سمحت هذه المادّة أيضًا ببعض الاستثناءات على أن «يبقى عاقد النفقة مسؤولاً عنها حتى تسوية عقدها بصورة قانونية». وهذا يعني أن هناك احتمالين:
الأول- التزام كلّي من قبل الوزراء بعدم تخطّي مراقبي عقد النفقات. وفي هذه الحالة سيكون الإنفاق على الأشهر الستّة الأولى من العام 2019 أقلّ من الإنفاق على الفترة نفسها من العام 2018.
الثاني- عدم التزام الوزراء بتأشير مراقبي عقد النفقات وفي هذه الحالة سنكون أمام كارثة حقيقية خصوصًا أن وضع المالية أصبح حساساًَ جدًا.
الجدير ذكره أن وزارة المال تمتنع عن نشر التقرير الشهري الذي كانت تنشره على موقعها الإلكتروني وذلك منذ شهر تشرين الثاني من العام 2018. وبالتالي هناك استحالة لعامّة الشعب وحتى للخبراء الاقتصاديين والإعلاميين المعرفة حقيقة واقع المالية العامّة منذ كانون الأول 2018 حتى الساعة وكل الأرقام موضوع البحث في الإعلام تدخل في خانة التقديرات.
الوضع الاقتصادي أسوأ من المتوقّع
إن الأوضاع السياسية التي مرّ بها لبنان منذ أوائل العام 2018 وحتى الساعة تُشير إلى أن الوضع الاقتصادي هذا العام سيكون الأسوأ على الإطلاق وذلك منذ العام 2000. الأسباب التي تدفعنا إلى هذا القول هي:
أولاً- غياب الاستثمارات نظرًا إلى الصراع السياسي الذي سبق الانتخابات النيابية والذي اشتدّت حدّته في مرحلة تشكيل حكومة امتدّت على فترة تسعة أشهر! هذا الأمر خفّف من شهية المُستثمرين الذي فضّلوا الانتظار حتى تنجلي الأوضاع الحكومية. وزاد الأمر سوءاً ارتفاع الفوائد بسبب الطلب الكبير للدولة على أموال المصارف وازدياد نسبة المخاطر السيادية مع نسب عجز حققتها مالية الدوّلة أقل ما يُمكن أن يُقال عنها انها كارثية.
ثانيًا- تراجع الاستهلاك هذا العام بسبب الخلافات السياسية التي ترافقت مع القمّة العربية، ومشروع الموازنة والتصاريح العديدة لكبار المسؤولين عن أن لبنان على شفير الإفلاس (وهذا غير صحيح) مما أثر في ثقة المستهلك الذي من المعروف في الاقتصاد أنه يؤجّل الاستهلاك غير الضروري في مثل هذه الحالات. وأتت حادثة طرابلس الإرهابية لتُعيد إلى الأذهان الرعب الذي عاشته البلاد خلال المرحلة السابقة (2013 حتى 2017) مما دفع العديد إلى حصر الاستهلاك خصوصًا مع بث إشاعات وبشكل منتظم عن انهيار الليرة تارة وإفلاس الدولة طورًا.
ثالثًا- الخفض في إنفاق الدوّلة (أقلّه في مشروع الموازنة) إذ من المعروف أن إنفاق الدوّلة يُشكّل عنصرًا مُهمًا في تركيبة الناتج المحلّي الإجمالي. وبالتالي كنتيجة لهذا الأمر سيتراجع إنفاق الدوّلة ومعه الناتج المحلّي الإجمالي.
إن هذه العوامل الثلاثة تقترح أننا على باب نمو صفر أو قريب من الصفر في أحسن الأحوال، وانكماش تختلف تداعياته بحسب الأرقام المُحقّقة على صعيدي الاستهلاك والاستثمار.
حادثة طرابلس والوضع الإقتصادي
إن الحادثة الإرهابية التي حصلت في طرابلس أول من أمس تُعيد إلى الأذهان ما مرّ به لبنان أمنيًا منذ بدء الأزمة السورية وخصوصًا التفجيرات في العام 2013، حوادث عِرسال وعبرا وغيرها. وبالتالي تطرح عودة الإعتداءات على الجيش والقوى الأمنية السؤال عن مصير الاقتصاد اللبناني على المديين القريب والبعيد؟ فاعتداءات من هذا النوع وانتشار الصور في الاعلام تُثير مخاوف السياح وتدفعهم إلى تأخير قدومهم إلى لبنان (في أحسن الأحول) وحتى إلغاء رحلتهم خوفًا على حياتهم. وفي ظلّ سيناريو إستمرار مثل هذه العمليات يُمكن القول إن على القطاع السياحي السلام لأنه سيكون الخاسر الأكبر في هذه اللعبة وهو الذي يزن أكثر من 2
وهنا يحقّ للمراقب السؤال عن مُستقبل استثمارات مؤتمر سيدر في فرضية استمرار مثل هذه العمليات؟ في الواقع ان الحكومة اللبنانية مُطالبة بتأمين السلامة الجسدية لمواطنيها وهي العنصر الأساسي في استراتيجيات الدوّل العسكرية (الكتاب الأبيض – الجيش الفرنسي). لذا المطلوب ضبط الساحة الداخلية وتدعيم الجيش والأجهزة الأمنية لمحاربة آفة الإرهاب لأنه لن يكون هناك اقتصاد ولا مالية عامّة ولا ليرة لبنانية ولا حتى مواطن في ظل استمرار المخاوف من عمليات قد تحصل في أي مكان وأي زمان.