Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

عجز مشروع موازنة 2019 إنخفض إلى 4 مليارات دولار أميركي.. وهذا ما يحويه

المخاوف من إنكماش إقتصادي هذا العام في ظل إستمرار الأجواء السلبية

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

يعقد مجلس الوزراء اليوم جلسته ما قبل الأخيرة بإنتظار جلسة الإقرار النهائية نهار الخميس في قصر بعبدا حيث من المتوقّع أن يتمّ إقرارها في جلسة نهائية توّجت عمل 18 جلسة متتالية للحكومة اللبنانية لدراسة مشروع الموازنة.

طريق الموازنة إلى مجلس النواب أخذ طريقه والمحطّة الأولى هي في لجنة المال والموازنة حيث من المُتوقّع أن يستمر دراستها حتى نصف حزيران المقبل موعد عرضها على الهيئة العامة على أن يبدأ العمل بموادها في أول شهر تموز 2019.

بالطبع يترقّب المواطن اللبناني بتلهّف وخوف في آن واحد ما سيحمله مشروع الموازنة الذي تمّ تسريب نسخة عنه الإثنين الماضي. نسخة لا تحوي كل المعلومات وخصوصًا تفاصيل الإجراءات ماليًا وكيف تمّ خفض العجز إلى 4.1 مليار دولار أميركي (أي 7.

والأسئلة التي يتوجّب الإجابة عنها هي: من أين تمّ توفير هذا المبّلغ؟ ما هي الإجراءات التي طالت الإنفاق؟ وما هي الإجراءات التي طالت الإيرادات؟ والأهم، هل سيتكرّر سيناريو العام 2018؟

 مشروع الموازنة

لحظ مشروع موازنة العام 2019 قيمة الموازنة بـ 25,726,268,147,000 ليرة لبنانية أي ما يوازي 17 مليار و65 مليون دولار أميركي. وأعطى المشروع الحكومة إيجازًا بالإقتراض لتمويل الديون كما وعجز الموازنة وسلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان المُقدّرة بـ 1.66 مليار دولار أميركي. ولم يضع المشروع أي سقف للإستدانة مما يعني غياب أهمّ إجراء إصلاحي مالي في الدوّلة اللبنانية.

وطالب المشروع فتح حساب خاص في مصرف لبنان للقروض وأخضع الهبات لمراقبة ديوان المحاسبة وهذا إجراء إصلاحي بعد ما ذكر تقرير وزير المال أن أكثر من 9

ولحظ المشروع في مادته العاشرة فتح إعتمادات لدعم قروض إستثمارية زراعية، صناعية، سياحية، تكنولوجية ومعلوماتية لكنه لم يلحظ المبلغ المرصود، كذلك فعل للمعالجة الصحية. وأعاد توزيع قسم من أموال البلديات على القرى التي لا بلديات فيها.

الإجراءات الأساسية (ماليًا) التي لُحظت في الموازنة هي: تعديل قوانين البرامج أي بمعنى أخر تأخير تنفيذ المشاريع الإستثمارية من العام 2019 إلى أعوام لاحقة (على رأسها مشروع عتاد وتجهيزات وبنى تحتية ملحة لصالح الجيش بقيمة 365 مليار ليرة لبنانية) مما سمح بتوفير 526 مليون دولار أميركي. أيضًا هناك زيادة الضريبة على الفوائد على الحسابات المصرفية والتي تسمح بتحقيق مدّخول بقيمة 500 مليون دولار أميركي (تقديرات). كما أن هناك تجميد الإحالة على التقاعد لمدة ثلاث سنوات والتي من المُتوقّع أن تسمح بوفر يُقارب الـ 300 مليون دولار أميركي.

كما وردت مادّة في الصفحات الأخيرة من المشروع (لا تحمل رقم) تقترح فرض

إضافة إلى هذه البنود، هناك العديد من الإجراءات التي لا تُعطي الكثير إنفراديًا لكن عددها يسمح بتقديرات أولية توفير ما يوازي 250 مليون دولار أميركي نذكر منها: توزيع غرامات السير، تعديل بعض رسوم الأمن العام، غرامات على الشركات السياحية التي تتخلّف عن تأمين مغادرة الأجانب، إستحداث شطر ضريبي جديد يفوق الـ 225 مليون ليرة سنوياً (ضريبة 2

إضافة إلى كل هذا، هناك عدد من الإجراءات التحفيزية الضريبية التي إذا ما إستطاعت إقناع المواطن والشركات قد تدرّ ما بين 500 مليون دولار أميركي حتى مليار ونصف المليار! نذكر منها: تقسيط دفع الضرائب المقتطعة عند المنبع والضريبة على القيمة المضافة، إعفاء المكلفين من غرامات التحقق والتحصيل (على أن يتمّ دفع الضرائب في فترة لا تزيد عن ستة أشهر)، تخفيض الغرامات وزيادات التأخر على إشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تخفيض الغرامات على الرسوم البلدية (أفراد ومؤسسات)، تخفيض الغرامات على رسوم الميكانيك، رسوم الإنشاءات، تنفيذ البيوعات في السجل العقاري… هذه التدابير تسمح لأي مواطن أو مؤسسة بالعودة إلى كنف القانون من خلال تسوية أوضاعها من دون وضع المواطن أو المؤسسة بحالة مالية تعيسة بفضل التقسيط المذكور.

كل هذه الإجراءات وبحسابات تقديرية كلها (بإستثناء إعادة جدولة المشاريع) تؤدّي إلى خفض العجز المُحقّق في العام 2018 (أي 6.5 مليار دولار أميركي) بقيمة 2.37 مليار دولار أميركي ليُصبح العجز الإجمالي في مشروع موازنة العام 2019، 4.1 مليار دولار أميركي.

 حراك الشارع

إضافة إلى كل ما ورد هناك بعض الإجراءات التي تم الحديث عنها إعلاميًا ولم ترد في مشروع الموازنة المُسرّب بحكم أن الجداول 1 إلى 8 التي تحوي التفاصيل غائبة عن الملفّ وبالتالي تُثير هذه الإجراءات حفيظة موظفي القطاع العام الذين يتظاهرون ويُضربون منذ بداية دراسة مشروع الموازنة. ومن هذه الإجراءات تجميد 1

ومن المتوقّع ألا يخف هذا الحراك حتى إنتهاء دراسة مشروع الموازنة في مجلس الوزراء وقد يعود إلى الظهور خلال مناقشته في المجلس النيابي.

خطر إقتصادي على الأبواب

في مقابل هذا الإطار القاتم، يبرز إلى العلن مخاطر إقتصادية تتمثّل بإنكماش النشاط الاقتصادي نتيجة الأجواء السلبية التي تبثها الخلافات السياسية في مجلس الوزراء والتي وصلت إلى مستويات عالية مع إشتباكات قوية في كل جلسة من جلسات المجلس وما يليها من تصريحات صحفية توتّر الجوّ العام وتؤثّر سلبًا على ثقة المستثمرين.

وتُظهر البيانات التاريخية لأسعار سندات الخزينة بالدولار الأميركي (اليوروبوندز 5 سنوات) أن التخبط السياسي الذي واكب عملية دراسة مشروع الموازنة أثّر بشكل سلبي على أسعار السندات ورفع من أسعار التأمين على هذه السندات (CDS). هذا الأمر يزيد الكلفة على خزينة الدوّلة اللبنانية ولكنّه أيضًا يضرب ثقة المستثمرين والمستهلكين. وهنا تكمن المشكلة، إذ أن غياب الإستثمارات وتراجع الإستهلاك سيؤدّي إلى نمو سلبي ينتج عنه إنكماش إقتصادي. وبسبب التخفيضات التي قامت بها الحكومة سيكون تراجع الإستهلاك أكبر وسيدخل من خلاله الاقتصاد في حلقة إنكماش (deflation) قد يصعب على الدوّلة اللبنانية الخروج منه لسنوات عديدة كما حصل مع اليابان في تسعينات القرن الماضي حيث أخذت اليابان عشر سنوات للخروج من هذه الحلقة المفرغة.

هذا الأمر يتطلّب من قبل الحكومة عددًا من الإجراءات وعلى رأسها إعادة فرض الرسوم الجمركية بهدف تحويل الطلب الداخلي من البضائع المستوردة من الخارج إلى البضائع المُنتجة في الداخل. أي بمعنى أخر بدل أن يقوم اللبناني بإستيراد سلع وبضائع بقيمة 20 مليار دولار سنويًا، تقوم الحكومة بفرض رسوم جمركية لتحويل (أقلّه) نصف هذا الطلب داخليًا مما سيُشجّع المستثمرين وبالتالي سيتم الإستثمار لتغطية هذا الطلب.

ويبقى الرسم بنسبة

هذا الأمر مدعوم بحجج كثيرة على رأسها ما يقوم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب للجم الطلب الداخلي على البضائع الأجنبية. وفي لبنان تبقى نظرية أن فتح الأسواق مع العالم مُفيد للإقتصاد اللبناني، ساقطة حكمًا إذ يكفي النظر إلى البيانات التاريخية لمؤشر أسعار الإستهلاك والذي يُظهر أنه وفي أذار العام 2015 أي لحظة التطبيق الكلّي لمعاهدة التبادل التجاري الحرّ مع الإتحاد الأوروبي إستمرّت الأسعار بالإرتفاع على الرغم من غياب الرسوم الجمركية وذلك بسبب الإحتكار في الإستيراد.

والإجراء الثاني الذي يتوجّب على الحكومة القيام به بعد إقرار الموازنة هو وضع الخطة الاقتصادية المُنتظرة للإقتصاد اللبناني والمُتوقّع أن تحوّل الاقتصاد اللبناني من إقتصاد شبه ريعي إلى إقتصاد منتج. وبالتالي فإن الإنطلاق من خطة ماكينزي لبحث الخطة الاقتصادية هو أمرٌ ضروري بمجرّد الإنتهاء من الموازنة.

 مخاطر إقليمية لا تقلّ شأنًا عن الخطر الإقتصادي

شكّلت زيارة المندوب الأميركي ساترفيلد البارحة مؤشرًا سلبيًا بعد نقله تهديد واضح من قبل العدو الإسرائيلي يُحذّر فيه لبنان من الإنخراط في الأزمة الأميركية – الإيرانية ومحاولة ضرب إسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية. وهذا الأمر يُشكّل تهديد مباشر على ثقة المُستثمر الأجنبي وحتى على مسار مؤتمر سيدر، إذ وفي حال عدوان شبيه لعدوان تموز 2006، فإن أموال سيدر لن تكفي في هذه الحال لإعادة بناء ما تهدّم وفي نفس الوقت تحقيق المشاريع المنتظرة.

يبقى القول إن الفترة الأخيرة أظهرت غيابًا للتضامن الحكومي بين القوى السياسية أثّر بشكل مباشر على الوضع الإقتصادي والمالي من خلال الكّم الهائل من الإشاعات التي تمّ إستغلالها في اللعبة السياسية وأثار مخاوف المستثمرين والمستهلكين. كما أن إقتراح قانون الانتخابات الجديد يُنذر بمرحلة مُقبلة تشوبها الكثير من جولات الصراع المتوقّعة بين الأفرقاء السياسيين والتي ستمّنع أي نهوض إقتصادي.

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة