Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

حرب العملات ستُدخل الإقتصاد العالمي في الإنكماش

حرب العملات بدأت...

إنه الإقتصاد العالمي في أحلك ظروفه وأسودها بدون منازع ! حرب عملات في ظل إنخفاض أسعار النفط وخطر إنكماش قد يضرب كل الإقتصادات المتطورة والنامية. هذا الإطار الأسود يحتاج إلى مُعجزة لكسر هذه الحلقة المُفرغة التي يعيش فيها الإقتصاد العالمي اليوم.

Print Friendly, PDF & Email

موقع الإقتصاد \ بروفسور جاسم عجاقة

بتعابير غامضة، صرح حاكم البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، أنه “من الأفضل التدخل في البداية بدلاً من التدخل مُتأخراً”. هذه العبارة تعني أن البنك المركزي الأوروبي يتوجه إلى مزيد من دعم الأسواق بالسيولة كما وتسييل الديون السيادية. وسبب هذه الإستنتاج هو مستوى التضخم المُنخفض الذي سجلته منطقة اليورو في العام 2015 والبالغ صفر بالمئة. وإذا كانت توقعات البنك المركزي تدور حول الـ 0.

ويتزامن هذا الحدث مع تراجع النشاط الصناعي في منطقة اليورو والذي إنخفض في أول شهر من هذا العام. وإذا ما كانت قيمة مؤشر النشاط الصناعي تبلغ 53.2 – فوق عتبة الـ 50 – أي أن هذا النشاط يتمدّد، إلا أن المُخيف هو تراجع العقود لهذا العام ما يعني أن النشاط الصناعي في منطقة اليورو في خطر الإنكماش خصوصاً في ألمانيا التي سجّلت أكبر نسبة إنخفاض.

والحال في الصين ليس بأفضل، خصوصاً أن مؤشر مدراء المشتريات إنخفض إلى أدّنى مستوياته (42.5) منذ شهر آب 2012 ما يعني أن النشاط الصناعي في الصين هو في حال إنكماش للفصل السادس على التوالي. ومن المُتوقع أن يستمرّ الوضع على حاله في ظل تراجع الطلب العالمي وضعف السوق الداخلي ما يُنذر بأيام سوداء لهذا القطاع الذي يُعتبر محرك الاقتصاد الصيني.

وفي الولايات المُتحدة الأميركية وبعد الخطوة التاريخية التي قام بها الإحتياطي الفديرالي الأميركي برفع الفائدة كدليل على بدء إنتعاش الاقتصاد الأميركي، جاءت أرقام شهر كانون الثاني لتضع الشك بصلابة هذا الإنتعاش مع تراجع خلق فرص العمل إلى 151 ألف فرصة عمل أي نصف عدد فرص العمل التي خلقها الاقتصاد الأميركي في كانون الأول 2015. أما النمو فقد إنخفض في الفصل الرابع من العام 2015 إلى 0.

حرب العملات بدأت…

أدّى رفع سعر الفائدة الأخير في الولايات المُتحدة الأميركية إلى خلط الأوراق فيما يخص السياسات النقدية في الإقتصادات المُتطورة والنامية. فالتبادل التجاري يجعل من عملة البلد الشريك في هذا التبادل، أساس في تحديد نسبة الفائدة على العملة الوطنية حتى لو لم يكن هناك من ربط للعملة الوطنية بعملة الشريك الاقتصادي. وهذا ما حصل مع دول الخليج التي رفعت سعر الفائدة مباشرة مع رفع سعر الفائدة في الولايات المُتحدة الأميركية وذلك تفادياً لهروب الإستثمارات التي تبحث عن الفائدة الأعلى.

لكن الصين التي عانت الكثير مع هروب أكثر من مئة مليار دولار من الإستثمارات في ظرف شهور، عمدت إلى إستراتيجية مختلفة عن دول الخليج عبر تخفيض عملتها ولو بنسبة قليلة لتستطيع بذلك مضاربة الشركات الأميركية والعالمية في كل الأسواق وذلك من منطلق إنخفاض الأسعار وبالتالي زيادة النشاط الاقتصادي (الصادرات) وجذب الإستثمارات.

وها هي أوروبا تتبع نفس الطريق وذلك عبر سياسة نقدية إسترخائية ستدفع باليورو إلى الإنخفاض وبالتالي تحفيز الطلب الخارجي في وقت تتراجع فيه الماكينة الإنتاجية. وهنا تظهر مُشكلة التشابك التجاري، فالصين تُصدّر لأميركا وأوروبا واليابان والدول النامية، والولايات المُتحدة الأميركية تُصدّر إلى اليابان وأوروبا والدول النامية، وهكذا دواليك. لذا ومع بدء حرب العملات، تراجع الإقتصادات كافة، والفرق بين هذه الإقتصادات من ناحية مكانها في الدورة الاقتصادية، يُطرح السؤال عن آلية الخروج من هذه الحلقة المُفرغة خصوصاً مع أحجام إقتصادية هائلة (الولايات المُتحدة الأميركية،ـ الصين، اليابان…)!

مُعجزة للخروج من هذا الواقع…

مما لا شك فيه أن الخروج من هذه الحلقة المُفرغة يتطلب مُعجزة. هذه المعجزة تتمثل بتوافر عدة عوامل:

أولاً من جهة الدول الدول المُنتجة للنفط: تخفيض الإنتاج بهدف رفع الأسعار إلى مستوى مقبول يسمح لهذه الدول بسد عجزها وتحفيز الإستيراد كما وتطوير إقتصاداتها وتنويعها لتخفيف تعلقها بالنفط.

ثانياً من جهة الدول النامية: تطوير الأسواق الداخلية بشكل يسمح لها بتخفيف تعلق ماكينتها الإنتاجية بالطلب الخارجي.

ثالثاً من جهة الدول المُتطورة إقتصادياً: وقف حرب العملات وتفادي المواجهات الاقتصادية أقلّه في المرحلة الحالية لتفادي الإنكماش خصوصاً مع حجم إقتصادات هائل قد يطيح بالإقتصاد العالمي بأجمله!

وبما أنه من شبه المُستحيل أن تجتمع كل هذه الأمور معاً، لذا من المُتوقع أن تعمد بعض الدول إلى شنّ حروب لتفعيل الماكينة الاقتصادية عبر الصناعة العسكرية. وهذا الخيار للأسف هو الأكثر إحتمالاً خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

Print Friendly, PDF & Email
Source موقع الإقتصاد