Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

لبنان ينتحرّ ماليًا وهذا الحلّ لتفادي الكارثة

دقت ساعة الحقيقة، وأصبحت الطبقة السياسية في وضع حرج مع تفاقم ​الدين العام​ إلى نسبٍ غير مقبولة للإقتصاد اللبناني في ظلّ تراجع هامش التحرّك. ومع توقّعات بتأزم الوضع المالي أكثر، هناك خطوات إلزامية يتوجب تنفيذها اليوم قبل الغدّ تحت طائلة الكارثة.الدين العام هو العدوّ الأول للنمو الإقتصادي، هذا أقلّ ما يُمكن قوله في غياب أي قدّرة للدولة على الإستثمار في الإقتصاد وإستجرار إيرادات من الضرائب على النشاط الإقتصادي لسدّ خدمة الدين العام. فعلى الرغم من إقرار موازنة العام 2017 في أخر العام 2017 والتي كان من المفروض أن تعكسّ الواقع، إلا أن الإيرادات المنصوص عليها في هذه الموازنة لم تكن على الموعد كما أن النفقات فاقت الواقع مع كلفة أكبر ل​سلسلة الرتب والرواتب​. كل هذا تترّجم زيادة في العجز وبالتالي ومع غياب ​النمو​ الإقتصادي، زيادة في الدين العام.

الواقع المالي للدوّلة اللبنانية آليم وسيُترّجم في المستقبل برفع كبير لنسبة الضرائب. نعم هذا الأمر هو أمرٌ محتوم كما تنص عليه النظرية الإقتصادية بالقول أن “ديون اليوم هي ضرائب الغدّ”.

المُحاكاة التي قمنا بها لمعرفة تطوّر المالية العامّة والدين العام في ظل فرضية بقاء الأمور على حالها أوصلت إلى نتيجة كارثية.

فالإيرادات لن ترتفع إلا بوتيرة

أمّا الدين العام، فتُشير المُحاكاة التي قمّنا بها إلى أنه سيتخطّى 86 مليار د.أ في العام 2018 ليصلّ إلى 157 مليار د.أ في العام 2025 قبل أن يصعدّ إسيًا إلى أرقام خيالية لن يكون هناك لبنان لمعرفة معناها الفعلي. هذه الصورة ليست من نسجّ الخيال بل هي نتاج مُحاكاة مبنية على أرقام المال. لذا لا يُمكن الإستمرار في هذا النهجّ ولا حتى ليوم واحد.

الحلول الحلول التي تُعطيها النظرية الإقتصادية هي التالية: أولًا – النمو الإقتصادي: يتوجّب على الحكومة بأسرع وقت مُمكّن أو تعمد إلى حثّ القطاع الخاص على الإستثمار في الإقتصاد وتسهيل القروض الإستثمارية لهذا القطاع لأنه الوحيد القادر على خلق النمو الإقتصادي. هذا الأمر لن يحصل ما لا تقمّ الحكومة بقمع الفساد وضبط الهدر في الوزارات والمؤسسات الرسمية (تصريح النائب حسن فضل الله عن الفساد) وإعتماد سياسة ضريبية تحفيزية وتبقى كلفة هذه السياسية أقل من كلفة عدم القيام بأي إستثمار. وتحفيز النمو الإقتصادي سيجّلب للدولة مداخيل أكبر من الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المُضافة. أيضًا يتوجّب على الحكومة إقرار مرسوم خصّخصة بورصة بيروت وإنشاء المنصّة الإلكترونية لجذب الإستثمارات إلى الإقتصاد مباشرة من المُستثمر إلى الشركات. ثانيًا – السياسة الضريبية: حتى ولو ترفض الطبقة السياسية مبدأ الضرائب في موازنة 2018 بسبب الإستحقاق النيابي القادم، إلا أن زيادة الضرائب هو أمرٌ محتوم وسيتمّ فرضه بعد الإنتخابات. لذا يتوجّب إنتقاء الضرائب بشكلٍ صحيح وفعّال ضمن دراسة لتداعيات هذه الضرائب خصوصًا تأثيرها على الطبقة الفقيرة وتلك التي تعيش في فقر مُدّقع. ثالثًا –ملاحقة وقمعّ التهرّب الضريبي وخصوصًا الضريبة على القيمة المُضافة والضريبة على البضائع المُستوردّة (المرافئ والمطار) كما والتخمين العقاري ومواقف السيارات. رابعًا – وقف التوظيف فورًا في الدوّلة بكلّ أنواعه خصوصًا تلك التي تتمّ في الوزارات والمؤسسات تحت عدّة مسمّيات (أجير، مياوم، عقد مصالحة، أشغال بالأمانة…). في الواقع لم تعد موازنة الدوّلة تتحمّل هذا الكمّ الهائل من التوظيف. خامسًا – تحرير قطاع الكهرباء بالكامل والإبقاء عليه تحت رقابة الدولة لأن هذا القطاع وحده مسؤول عما لا يقلّ عن نصف الدين العام.

حلول غير مرغوب بها هناك أيضًا ثلاثة إقتراحاتإضافية تنصّ عليها النظرية الإقتصادية ولكننا نرى أنها من فصيلة “العمليات الجراحية الثقيلة”: أولًا – إعلان الإفلاس على قسم أو على كلّ الدين العام بهدف إعادة هيكلة الدين العام. لكن هذا الأمر سيكون له تداعيات إجتماعية قاسية لن تستطيع الطبقة المتوسطة والفقيرة تحمّله. كما أن مصداقية الدوّلة اللبنانية ستُصبح على المحكّ وهي التي لم تعجز يومًا عن سدّ إستحقاقاتها المالية. هذا السيناريو غير مُستحبّ وحتى لو كان يُصحّح المسار المالي للدوّلة اللبنانية إلا أن مُجرّد التفكير به يعني أننا أصبحنا “يونان 2”. ثانيًا – زيادة التضخّم بشكلٍ فجائي وكبير مما يسمحّ بتخفيف عبء خدّمة الدين العام أي بمعنى أخر إعتماد سياسة التسييل الكّمي وشراء مصرف لبنان لدين الدوّلة بشكل كبير. إلا أن هذا السيناريو كارثي على المواطن اللبناني (فقدان الليرة اللبنانية من قيمتها) وسيكون له تداعيات إجتماعية جمّة أضف إلى ذلك تداعياته على الأجيال المُستقبلية بحكم أن رفع الفائدة الحقيقية في المُستقبل سيكون باهظ الثمن أيضًا. ثالثًا – القمعّ المالي من ناحية إلزام المصارف والمؤسسات المالية بشراء سندات الخزينة بشروط ليست بصالحها وغير مُطابقة للسوق. هذا الواقع سيزيد من الطلب على سندات الخزينة وسيُخفّض من سعر الفائدة أي بمعنى أخر خدمة الدين العام. هذا الخيار يُفقدّ السوق اللبناني ميزته كسوق حرّ.

إفلاس الدوّلة إن تفاقم الدين العام بدأ يُشكّل عبئًا كبيرًا على مالية الدولة وسينسحب على المواطن اللبناني في القريب العاجل. لذا نرى أن مواقف رجال الدوّلة يجب أن تكون حاسمة في ما يخصّ الخيارات والتوقّف عن المُحصاصات في يخص مُستقبلّ البلدّ لأنه لن يكون هناك لبنان ليُحكمّ في الأعوام القادمة.

Print Friendly, PDF & Email