Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

المواطن في صلب السياسات الإقتصادية

لقد أصبح من أكثر من ضروري الإهتمام بالوضع الإجتماعي والإقتصادي للمواطن اللبناني. هذه الإلزامية نابعة من معاناة اللبناني من اللاعدالة الإجتماعية والإقتصادية على مرّعقود. في الواقع، كان من المفروض أن يكون لبنان على رأس هرم الدول المُتطورة لأنه لا ينقصه المعرفة ولا الوسائل، بل كل ما نحن بحاجة إليه هو الإرادة للقيام بما يلزم. لقد أثبتت تجارب الشعوب أن كل سياسة إقتصادية لا يكون محورها المواطن، لا يُمكن أن ترتقي إلى تسميتها بسياسة إقتصادية. فكما هو معروف أن مُهمّة النخبة التي تحكم الشعب هي وضع السياسات التي تؤدّي إلى الصالح العام والعدالة بكل أنواعها. وهذا يفرض على الطبقة السياسية أن تكون ذات فضيلة وتضع مصلحة الشأن العام أمام أي مصلحة أخرى. السياسة الإقتصادية المُتوجّب إتباعها يجب أن تنبع من حاجات المواطن المنصوص عليها في هرم أبراهام ماسلو. وبالتالي فإن هذه الحاجات تبدأ بالحاجات الفيسيولوجية (الطعام، العمل، الأمن، الصحّة، التعلّم والعدالة). هذه الحاجات وحدها كفيلة بوضع أكبر الخطط الإقتصادية في العالم من ناحية أن تلبية هذه الحاجات يطال القوانين، الإقتصاد، البيئة، النظام السياسي… هذا الأخير المبني على الطائفية والمحصاصة، لا يؤمّن هذه الحاجات لأبناء الطائفة. الإرتقاء بالمجتمع اللبناني على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي يبدأ بالعمل على ثلاثة أصعدة: أولًا على الصعيد الإجتماعي حيث يتوجّب محاربة الفقر والبطالة والإهتمام بالقطاع الصحّي وتأمين خدمة صحيّة ومدخول للمواطن فوق السنّ القانوني. كما ويتوجّب على السلطة السياسية أن تهتم بالمعاناة اليومية للمواطن من ضعف الخدمات العامة (طرقات، كهرباء، إتصالات…) ولا يُمكن تناسي التوزيع العادل للثروات الذي يجب أن يكون من أوليات السلطة السياسية والذي يؤمّن نهضة بالمجّتمع ككل. على الصعيد الإقتصادي، هناك الأموال النائمة في المصارف اللبنانية والتي يجب إقناع أصحابها بالإستثمار في الإقتصاد من خلال تحديث القوانين وعلى رأسها السياسة الضريبية. هذه الإستثمارات يُمكن توجيهها إلى القطاعات كافة من دون إستثناء (زراعة، صناعة، خدمات، طاقة…) مع تحفيز إضافي بإتجاه القطاعات الواعدة. في المُقابل يتوجّب على الحكومة ترشيد إنفاقها بما يسمح بلجم العجز والدين العام. على الصعيد البيئي، يتوجّب العمل على خطط واضحة تطال النفايات، المياه، إنتاجإستهلاك الطاقة. هذه الخطط أصبحت أكثر من ضرورة في ظل التطوّر العصري خصوصًا أنها تدخل في صلب حقوق المواطن التي نصّت عليها شرعة حقوق الإنسان. إلى جانب هذه الأصعدة، هناك ثلاثة أصعدة داعمة أخرى يتوجّب العمل عليها: أولًا، الشق القانوني العام من خلال قضاء عادل ومُستقلّ، تطبيق عادل للقوانين ومحاربة العنصرية ضد المرأة. ثانيًا، الشق الإداري من خلال إعتماد الحكومة الإلكترونية، ترشيد الإدارة العامّة، ومحاربة الفساد، ووقف التوظيف السياسي. وثالثًا، الشق السياسي من خلال العمل على تحديث النظام السياسي للخروج من سياسة المُحاصصات التي تُهدّد السلم الأهلي كما والعمل على حلّ ذكي وعملي لمُشكلة النزوح السوري مع إتباع سياسة النأي السياسي بكل أنواعه لكن ليس النأي الإقتصادي. ترجمة هذه المنهجية تبدأ من أخذ صورة دقيقة للواقع الإقتصادي، الإجتماعي والبيئي ووضع أهداف محدّدة مع الوقت. ويبقى إعتماد منهجية الـ Value Chain Analysis في إختيار أنواع المشاريع الأساس لإنماء الأطراف والتي تُعاني من تركيز هائل على العاصمة وجبل لبنان. في الختام يحق لنا أن نحلّم بلبنان الرسالة الذي حلم به قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني. وكما قال بول-هنري سباك: “إن واقع الغد لا يقل أهمية عن يومنا الحاضر، ومن لا يحلم لن يبني شيئًا مهمًا”.

Print Friendly, PDF & Email