jassemajaka@gmail.com
قصة الاصلاحات والبنك الدولي.. الفساد يحمي القطاع العام؟
خضر حسان
مع انعقاد المؤتمرات الدولية المخصصة لدعم لبنان والنهوض باقتصاده وانتشاله من عجزه المالي، يتكرر مصطلح “الاصلاحات الاقتصادية”. ولا يختلف اثنان على أن الاصلاحات خطوة ضرورية للتخلص من العجز. غير أن المشكلة تبرز في الاختلاف بشأن مفهوم الاصلاحات نفسه. فللدولة، ومن خلفها المجتمع الدولي، مفهوم، وللمواطنين مفهوم آخر.
يوضح إعداد السلطة اللبنانية لمؤتمر سيدر 1 في باريس، في 6 نيسان المقبل، مفهومها للاصلاحات. فالمؤتمر المعروف أيضاً باسم باريس 4، يهدف إلى “الحد من عجز الموازنة وارتفاع الدين العام. وللوصول إلى الهدف، على الدولة اللبنانية تنفيذ برنامج استثماري تموله الدول الراغبة في “تثبيت الاستقرار في لبنان”، وفق تعبير رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي رأى خلال إطلاقه مؤتمر الاستثمار في البنى التحتية في لبنان، تحت عنوان “لتثبيت شراكة طموحة بين القطاعين العام والخاص”، يوم الثلاثاء 6 آذار، أن “مؤتمر سيدر هو الحجر الأساس لسياسة إعمارية طموحة تتمثل في تنفيذ برنامج الانفاق الاستثماري في السنوات العشر المقبلة، ودعم الاستقرار الاقتصادي. وعلينا القيام بالإصلاحات الضرورية لتشجيع القطاع الخاص ومكافحة الهدر والفساد”. وأشار الحريري إلى أن البرنامج “يضم أكثر من 250 مشروعاً، ويفوق حجمه 16 مليار دولار”.
يعكس البرنامج رغبة السلطة بإطلاق سلسلة من المشاريع، تطمئن المجتمع الدولي إلى أن لبنان يلتزم السير في ركب الحداثة. أما التغييرات التي ستحصل في البنية الاقتصادية للبلاد جرّاء تلك المشاريع، فيعطيها مبعوث الرئاسة الفرنسية للإعداد لمؤتمر سيدر 1، بيار دوكيزن، صورة “التوجه نحو التحديث”. وفي بنظره “الإصلاح يجب ألا يكون دائماً عبارة عن تضحيات”.
لنجاح مشاريع السلطة، يجب الالتزام بتوصيات البنك الدولي حيال “الاصلاحات” التي تستند إلى 3 ركائز أساسية، وهي، أولاً، الحد من عجز الكهرباء، الناتج بشكل أساسي عن ارتفاع أسعار المحروقات، كما يرى البنك الدولي الذي يقترح تسليم ملف الكهرباء إلى القطاع الخاص، أو بالشراكة معه. وثانياً، تعديل نظام التقاعد الذي ينقسم حالياً إلى 3 أنظمة، وهي نظام للعسكريين وآخَر لموظفي الدولة، وثالث للقطاع الخاص، ويقترح البنك الدولي توحيد نظام التقاعد، على أن يتم حكماً تقليص الإنفاق على التقاعد في القطاع العام. أما الركيزة الثالثة، فهي إصلاح القطاع العام وضبط الرواتب والأجور.
وللمفارقة، هذه العناوين الاصلاحية وردت في غير مؤتمر دولي، وتحديداً في مؤتمرات باريس 1 و2 و3، منذ العام 2001 لغاية 2007. لكن، في كل مرة، تصطدم السلطة بعنوانين أساسيين يعرقلان تنفيذ الاصلاحات، الأول هو تراكم الأزمات في القطاعات المنوى “إصلاحها”، والتي تعقّد إمكانية الحل، حتى في ظل وجود توافق على خصخصة القطاعات، وتحديداً الكهرباء؛ والثاني هو الخلاف بين أطراف السلطة في شأن المشاريع. ويظهر ذلك بوضوح عبر تبادل الاتهامات، يوم الاثنين 5 آذار، بين وزيري المال علي حسن خليل والخارجية جبران باسيل، الذي اعتبر أن خليل “أوقف في العام 2015 مشروع معمل دير عمار”، فيما قال خليل إنه “منع السرقة والهدر التي تقررت وحددت في هيئة القضايا في ديوان المحاسبة”.
الاصلاح المنشود في مشاريع السلطة، المتفَق والمختَلف عليها، يتناقض مع مفهوم المواطنين للاصلاح. ففي قاموس المواطنين، الاصلاح يعني بشكل أساسي، وقف الهدر والتوظيف العشوائي، وليس الخصخصة ورفع الدعم وزيادة الضرائب. عليه، إذا كان المقصود من وراء الاصلاحات تثبيت الاستقرار ومصلحة المواطنين، يجب عدم وقف الدعم عن المؤسسات الحيوية، ومنها الكهرباء. وهو ما تتجه السلطة نحوه من خلال البدء بإخراج عجز الكهرباء من موازنة العام 2018، فذلك، “يسهّل خصخصة مؤسسة الكهرباء، وفق الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، الذي يلفت في حديث إلى “المدن”، إلى أن هذه السلطة مستعدة “لتحطيم مرافق الدولة، لتسهيل خصخصتها وبيعها بأسعار منخفضة”. لكن، في ظل الفساد، لا يرى عجاقة أفقاً للخصخصة، فلا حماسة ولا منافسة بين من يفترض به شراء المرافق العامة. ولا يستغرب عجاقة الاصلاحات التي يطلبها البنك الدولي. فالاصلاح في نظر البنك هو “إلغاء الدعم الاجتماعي، خصوصاً وقف دعم القمح والمازوت وغيرهما من السلع المعفية اليوم من الضريبة على القيمة المضافة TVA”.
الإيجابي في المسألة، هو أن “البنك الدولي وصندوق النقد لا يستطيعان فرض الاصلاحات”. ومع وجود الفساد وتجذره في مؤسسات الدولة، تتفرمل عملية وقف الدعم الاجتماعي كلياً، وتنفيذ الخصخصة واصلاحات المجتمع الدولي.