Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

مدمّرة على أبواب إيران.. فهل تحدّ من نفوذها في الشرق الأوسط؟

 

في صراعها الذي يتخذ أشكالاً متعددة تعمد الدول إلى استخدام أسلحة عدّة، ليس بالضرورة أن تكون عسكرية لتحقق مبتغاها، فالحروب غالباً ما تكون باهضة التكاليف وطويلة الأمد، من هنا تلجأ الدول إلى استبدال الحرب الخشنة بأخرى ناعمة أشد فتكاً من الأولى في نتائجها، يندرج  في سياق هذا المفهوم انسحابُ الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الإتفاق النووي الإيراني، والإعلان عن فرض عقوبات أميركية ليس فقط على ايران بل على الشركات الدولية المتعاملة معها. فهل سيصمد الإقتصاد الإيراني في وجه المفهوم الترامبي؟ وما مصير الإستثمارات الأوروبية بمليارات الدولارات؟في النتائج السريعة لقرار ترامب سجّلت العملة الإيرانية انخفاضاً أمام الدولار الأمريكي بحيث قام بعض الإيرانيين بسحب مدّخراتهم من المصارف التي تعاني من القروض المتعثرة وسنوات العزلة. ولفهم الواقع الإقتصاد الإيراني بعد توقيع الإتفاق النووي لفت الخبير الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة عبر “لبنان 24” إلى أنّ ايران لم تستفد فعلياً من رفع العقوبات على خلفية ضغوطات أميركية اسرائيلية خليجية، بحيث أنّ عدداً قليلاً من الدول استثمرت في ايران، واقتصر الإستثمار على الشركات الأوروبية الكبيرة والشركات الصينية والروسية، في حين أنّ الإقتصاد الإيراني بحاجة ماسة للمال للبدء باستثمارات بمئات مليارات الدولارات، تليها حاجته لأسواق خارجية للتصريف، كما أنّ انتاجه النفطي بحاجة إلى استثمارات للمحافظة على القدرة الإنتاجية.

ويرى عجاقة أنّ التجارب الإيرانية على الصواريخ البالستية أوجدت لترامب الإطار الذي يحتاجه للإنسحاب من الإتفاق، وأنّ الخطأ الكبير الذي قد تقترفه ايران يكمن بإعادة تخصيب اليورانيوم، هنا ستمنح ذريعة قوية للأميركيين. “ولأنّ الإتفاق ليس ثنائياً بين ايران والولايات المتحدة الأميركية حاولت الأخيرة إقناع حلفائها بانسحاب مماثل، لتتمكّن من توجيه ضربة قاسية لإيران ففشلت ،نظراً للمصالح الإقتصادية التي تربط الأوروبيين بايران، فعلى سبيل المثال شركة ايرباص ستسلم مئة طائرة لشركة الطيران الإيرانية بقيمة عشرة مليار دولار، شركة رنو للسيارات باعت العام الماضي 160 ألف سيارة إلى ايران وهي تقوم ببناء مصانع لها داخل ايران، شركة توتال بدأت استثماراً في ايران بقيمة 5 مليار دولار في القطاع النفطي الى جانب شركة صينية، من هنا عمد ترامب إلى توسيع نطاق العقوبات لتطال ليس فقط ايران بل كل الشركات المتعاملة معها، وفعلياً ألزام  ترامب هذه الشركات بالاختيار بين السوقين الاميركي (400 مليون نسمة) او الإيراني ( 80 مليون نسمة). وهذه الشركات ستجد نفسها مجبرة على الإنسحاب من السوق الإيرانية نظراً للمصالح الكبيرة التي تربطها بالسوق الأميركية، من هذا المنطلق ستتصدّر الشركات الاوروبية والصينية واليابانية قائمة الخاسرين”.

انطلق عجاقة من هذه الأمثلة ليؤكد أنّ الخسارة ستكون كبيرة على ايران، وتداعياتها ستفرض تراجعاً ليس في الإقتصاد الإيراني فحسب بل أيضاً في قدرتها الإنتاجية النفطية، وأن الولايات المتحدة تعتمد التدرج في المنحى العقابي، أو استراتيجة “الخنق” التدريجي وليس دفعة واحدة، لاسيّما بعد تبيان النتائج الكارثية في كوبا جراء فرض العقوبات دفعة واحدة، ما جعلت البابا يرفع الصوت معتبراً ما يحصل في كوبا جريمة ضدّ الإنسانية.

انسحاب ترامب من الاتفاق يعيد العقوبات على قطاع النفط، فهل ستضطر ايران للعودة إلى طريق التجارة فى النفط  قبل الإتفاق، وبيع النفط  بأسعار أقل من تلك العالمية؟

بحسب عجاقة “ستبقى كمية من النفط يُسمح لإيران ببيعها، لكن ستفرض شروط على كيفية استثمار عائداتها، فمثلاً في حال باعت مليون برميل، قد تُلزم بالحصول على أدوية ومواد غذائية لقاء بيع النفط من دون أن تتقاضى الأموال. هكذا إيران ستعود لطريقة البيع السابقة وربما ليس بأسعار محروقة، ولكنّ الإشكالية تكمن في كيفية ادخال الاموال، وهناك 15 حقلاً نفطياً مشتركاً بين ايران والدول الخليجية، والملكية المشتركة تفرض ارباحاً للفريقين، هنا اللعبة الاميركية باللين حيناً والتشدد أحياناً “.

ويؤكد عجاقة أن “هدف الإتفاق النووي مراقبة الإنشطة النووية الإيرانية والخطر الأساسي وفق مقاربة عجاقة يكمن في حال عودة ايران إلى تخصيب اليورانيوم وفي انعكاس الصراع الدولي على مسارح الشرق الاوسط في سوريا والعراق واليمن، اللااستقرار سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وإضعاف النمو الإقتصادي في هذه البلدان، ولبنان لن يكون بمنأى عن هذه التداعيات لاسيّما في ظل حال الإنقسام السياسي”، معتبراً أن “حروباً بالوكالات ستخاض على أرض هذه الدول الثلاث، أمّا المواجهة الإيرانية الإسرائيلية فستكون ملجومة من بوابة أولوية اسرائيل بالحفاظ على مكتسباتها ومنشآتها النفطية، والشق الأساسي بالنسبة لترامب يبقى بلجم النفوذ الإيراني في المنطقة”.

وبالمحصلة، يرى عجاقة أن، فوضى اقتصادية ستسود ايران عبر خروج استثمارات بمليارات الدولارات، قد تشكّل مدخلاً لفوضى سياسية من خلال إعادة مشهد التظاهرات في شوارع ايران.

Print Friendly, PDF & Email