Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

القارب اللبناني مهدد بالغرق

عجاقة: نسبة البطالة في صفوف اللبنانيين إرتفعت في 2018 إلى ما يزيد عن ال 30 في المئة إستناداً الى تقرير البنك الدولي ودائرة الإحصاء المركزي

بعد 7 أعوام على النزوح السوري، ما هي التداعيات التي خلّفها على الواقع الاقتصادي؟ وهل سيبقى اللبناني رهينة هذه الأزمة التي بدأت إنسانية وتحوّلت الى إجتماعية وساح صراع دولي؟ أين تحوّلت المساعدات التي وصلت من الدول المانحة؟ وما حقيقة تعداد أرقام العائدين؟ وهل سيكون لبنان أمام واقع لجوء جديد وتسقط ورقة النازحين في مصافي التسويات الدولية على حساب لبنان كما العادة؟

Print Friendly, PDF & Email

المسيرة  \ نهاد طوباليان \ العدد 1690

لبنان تحت ضغط النزوح السوري، عودة خجولة وكلفة عالية وأزمة مستمرة

2019 لن يكون عام الحل لملف النازحين السوريين حتمًا، لكن على الأقل نافذة للولوج الى باب حلّ ينقذ ما تبقّى من إهتراء على المستويين الإجتماعي والإقتصادي الناتج عن تداعيات النزوح السوري الى لبنان منذ 2011 حتى اليوم.

بعد سبعة أعوام، بدت تداعيات النزوح كبيرة ومؤلمة جداً، بعدما خرج عن مفهومه، وتمدد لجهة إفتتاحه مؤسسات تجارية خاصة تنافس اللبناني على لقمة عيشه، ما دفع الهيئات الإقتصادية كما أصحاب المصالح الصغيرة واليد العاملة اللبنانية الى إطلاق صرخة موجعة. وبحسب رئيس الهيئات الإقصادية، رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت محمد شقير، هناك حوالى 2200 مؤسسة تجارية وصناعية أغلقت أبوابها، وتخطت خسائر لبنان المتربتة عن النزوح عتبة ال25 مليار دولار، وهي وفق الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة  خسائر مباشرة وغير مباشرة على إقتصاد لبنان  وبناه التحتية والخدماتية منذ بداية النزوح إلى اليوم.

وفي تفاصيل لغة الأرقام التي يملكها البروفسور عجاقة، فإن نسبة البطالة في صفوف اللبنانيين إرتفعت في 2018  إلى ما يزيد عن ال 30 في المئة إستناداً الى تقرير البنك الدولي ودائرة الإحصاء المركزي، وتراجعت صادرات لبنان التجارية إلى أقل من 16 في المئة، والسياحة بنسبة 38 في المئة، فييما تراجع الإستثمار الأجنبي المباشر 45 في المئة مقارنة مع العام 2009.  أما معدلات الفقر فحدث ولا حرج عنها في صفوف اللبنانيين، وإن كان فقراً مقنعاً.

أما تداعيات أزمة النزوح غير المباشرة، فتتمثل في إنعدام حركة الصادرات البرية جراء إغلاق معبر نصيب لسنوات قبل إعادة فتحه في الخريف الفائت. فهذا المعبر الذي كانت تعبره 250 شاحنة  لبنانية يومياً لتصدير 70 في المئة من الزراعات، و32 في المئة من الصناعات الغذائية، و22 في المئة من الصادرات الصناعية بشكل عام، كبد خزينة الدولة ما يوازي المئة مليون دولار سنوياً، جراء دعم الدولة للتصدير البحري 25 مليار ليرة سنوياً، أي ما يزيد عن ال 16 مليون دولار سنوياً، للتصدير بحراً الأقل من 350 ألف طن.

وبموازاة كل تلك الخسائر التي تكبدها لبنان، فإن متطلباته المالية لمواجهة تداعيات النزوح تبلغ حوالي مليار و724 مليون دولار سنوياً، موزعة وفق التالي:

188 مليون دولار للصحة.

550 مليون دولار للطعام

183 مليون دولار للتعليم

149 مليون دولار للإحتياجات الأساسية

202 مليون دولار للمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية

168 مليون دولار للمأوى

165 مليون دولار لمتطلبات الحكومة.

في المقابل لم يحصل لبنان من الدول المانحة خلال 2018 على حصته المالية كاملة لتحمل هذا العبء الذي بات فعلاً ثقيلاً على الجميع، ومنهكاً لإقتصاده وواقعه الإجتماعي.

وزير الشؤون الإجتماعية بيار بو عاصي لفت الى أن “سنة 2018 كانت صعبة على لبنان، و2019 ستكون أصعب بكثير، لأن قدرة لبنان على التحمل مرتبطة بالوزن المادي والمعنوي، حيث أن لبنان في الحالين، يتحمل وزناً يفوق قدراته، خصوصاً وأن النازحين السوريين باتوا يشكلون نسبة 35 في المئة من الشعب اللبناني، ما يجعل لبنان أكبر مجمع مضيف للنزوح”. وأضاف: “إن الإدارة الإنسانية والإجتماعية لملف النزوح هي من صلب صلاحيات وزارة الشؤون الإجتماعية حيث لنا عدة مقاربات لإدارته إنسانياً وإجتماعياً، كما في مجال الطبابة والسكن والتعليم لمئات الألاف في المخيمات، وهو ما يدفعنا للقول دوماً للمانحين وغير المانحين أن من يسكن في خيمة لا مستقبل له، لا سيما الأطفال منهم، وبأن السؤال المطروح: ما سيكون مستقبلهم في الحياة؟ ونحن نقول إن مستقبلهم في بلدهم وقراهم ومدارسهم  في سوريا وليس في خيمة في لبنان، ما يعني أنه علينا التحضير وبجدية لعودتهم”.

ونفى بو عاصي ما يُحكى عن مشروع لتوطين النازحين في لبنان، “إلا ان حصيلة ما يسجل من عودة، يجعل العالم يعتقد ذلك، وفي حال لم تحصل عودة بأعداد سيكونون بخطر كما المجتمع اللبناني”.

أما في ما خص عدد النازحين العائدين في ظل تضارب الأرقام، قال الوزير بو عاصي: “من الصعب جداً بداية تحديد عددهم في لبنان بعدما تم توقيف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن تعدادهم، ما خلق ضياعاً على هذا الصعيد. لكن هناك إجماع من خلال المراقبين والمفوضية ووزراة الداخلية والبلديات والأمن العام ان هناك حوالى مليون و500 ألف نازح سوري. أما بالنسبة لعدد العائدين، فإني ملزم بالوثوق برقم الأمن العام، وأخذ رقمه بمصداقية كاملة. لكن الرقم المتدول لبنانياً، لا يغيّر بالمعادلة لأننا نتحدث عن مليون ونصف المليون، هذا عدا عن الولادات السنوية التي تصل إلى حدود ال 40 ألفاً، حيث نواجه صعوبة في تسجيلهم، ونبذل جهداً هائلاً لتحقيق ذلك. عملياً، عودة خجولة لا تحل الأزمة، لأننا نفرغ  القارب من المياه بكوب صغير وهو وسط البحر”.

تداعيات النزوح إختصرها بو عاصي بالتالي: تنافس على سوق العمل، وأحداث أمنية، لا سيما في عرسال. وعليه، فإن وصول موجات من النزوح الكبيرة والفقيرة زاد من فقر القرى التي حلوا فيها، ما جعلنا أمام مجتمعين فقيرين، نتج عنه موجة نزوح سورية داخلية. تشير الإحصاءات إلى أن أعلى نسبة نزوح تسجل في جبل لبنان. ورد أسبابها الى وجود فرص عمل أكبر، مع ما يترتب عنها من إنعكاسات سلبية كبيرة على لبنان.

وكشف بو عاصي أن “تأثير أزمة النزوح بين 2012 و2016 كان محصورًا في 265 قرية، أما اليوم فكل لبنان متأثر بتداعياتها، ما يستدعي التركيز على كل لبنان، عدا عن المتابعة الدقيقة لحركة النزوح ولإحتياجات المجتمعات المضيفة من قبل الدول المانحة التي أطالبها في كل مناسبة بذلك”.

أضاف بو عاصي: “عند حصول موجات نزوح كبيرة، تركز الإهتمام على مساعدتهم بالسكن والطعام والطبابة والتعليم، بعدها نشأت فكرة دعم المجتمعات المضيفة بعد تحديد القرى التي تجاوز عدد النازحين  فيها عدد سكانها، ومعروفة باحتضانها نسبة عالية من الفقر وفق برنامج الوازرة لدعم الأسر الأكثر فقراً. إلا أن مقاربتي إختلفت، إذ قضت بألا ندخل بالمفرّق، لأن النزوح كما الفقر متحرك، وليس هناك من مجتمعات مضيفة، إنما مجتمع لبناني مضيف، ما شكل مدخلاً لنقاش طويل وقاس احياناً، إلى أن إقتنع المجتمع الدولي بأن الدولة اللبنانية هي من يقرر ويحدد إحتياجات مجتمعه لا الجمعيات والمنظمات، ومن غير المسموح توجه الجهات المانحة مباشرة إلى رؤساء البلديات، إنما عبر الدولة. وبذلك، إستطعنا تغيير المقاربة لتنفيذ مشاريع بنى تحتية صغيرة ومتوسطة الحجم في كل لبنان”.

على الصعيد الإجتماعي، أكد بو عاصي أن النازح السوري يستفيد من خدمات المراكز الإجتماعية كما اللبناني، وهي في بعض المراكز تصل إلى 65 في المئة لكن ليس على حساب اللبناني الذي إذا كان من الأكثر فقراً لا يدفع أي مبلغ، فيما النازح تغطيه المنظمات  التي تساهم في تحسين ظروف المراكز وصيانتها، ودفع أتعاب الأطباء والممرضين، وتنظيم دورات تمكين وحماية للبنانيين والسوريين”.

وأوضح بو عاصي أن “الوزارة تساعد ضمن إمكاناتها المحدودة 44 ألف عائلة فقيرة، من دون أن يعني ذلك أن الفقر محصور في هذه النسبة”. هناك أحياء ومناطق منكوبة في طرابلس والضنية وبعض من عكار والبقاع الشمالي وبنسبة 60 في المئة. إضافة الى 10000 عائلة تقتات مرة  كل يومين، ونقدم لها مساعدة للغذاء بقيمة دولار واحد في اليوم. من هنا، تكمن أهمية برنامج التخريج الذي أطلقناه بعدما أجرينا دراسة عن فرص العمل في المناطق”. ولفت في معرض كلامه إلى أنه يسعى لرفع المنح المقدمة لبرنامج دعم الأسر الأكثر فقراً إلى مئة مليون دولار، “وعلينا منذ اليوم التحضير لتخصيص جزء من موازنتنا العامة للجانب الإجتماعي بعد توقف المنح، لا سيما وأنه لا يمكن الإستمرار بتخصيص واحد في المئة من موازنة الدولة للجانب الإجتماعي، وإضطرارنا في كل مرة لحاجتنا للمال، إجراء إتصالات ومراسلات”.

وعما يترقبه لبنان من دعم مالي لمواجهة تداعيات النزوح للعام 2019، أوضح بو عاصي: “نتوقع ملياراً ومئة مليون دولار، لكني أضغط للحصول على مليار و300 مليون دولار، لحاجة لبنان ل200 مليون دولار لمواجهة تداعيات النزوح بحده الأدنى. وفي حال عدم رفع المبلغ، سنطالب بإعطائنا 200 مليون، ولن أتراجع، لأن هدفنا أولاً دعم برنامج الأسر الأكثر فقراً وإطعام 44 ألف عائلة وليس 10 ألاف فقط، وإدخال عائلات مقابل خروج عائلات منه، ودعم برنامج التخريج. عندها، تكون لدينا شبكة أمان إجتماعي”.

وعن رأيه بكلام وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بول ريتشارد كالاغر حول بقاء النازحين في لبنان، علق: “حُمِّل كلامه أكثر مما يحتمل، وأقول هذا الكلام بعد إطلاعي على ما قاله بالتحديد أمام الوفد اللبناني. جل ما فعله أنه لفت نظرهم إلى أن لا أحد يبذل جهداً كبيراً لعودة النازحين، وأن لا مؤشر لمغادرة الأسد قريباً. وعليه، فإنه إنطلاقاً من هذه المعطيات يلفت نظرنا لجهة كيفية التعاطي مع الواقع”.

وختم بو عاصي: “لا أجد في كلام الكاردينال كالاغر ما يخيف، بل ما يتلاقى ونظرتنا الواقعية للأمور كحزب “قوات لبنانية” التي تقول إن بشار الأسد باق في هذه المرحلة، مقابل غياب أي ضغط فعلي للمجتمع الدولي لعودة النازحين السوريين، فيما يبقى المتأثر الأول والأخير المواطن اللبناني ومن ثم النازح السوري. وحماية لبنان والنازح إنما هي بعودته إلى بلده”.

Print Friendly, PDF & Email
Source القوات اللبنانية