Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

عجاقة.. الطبقات الجيولوجية الحاوية للغاز قد تكون مُتشابكة

جاء تصريح وزير الطاقة الإسرائيليّ وجود وساطة أميركية لحل النزاع البحري بين إسرائيل ولبنان، ليوجّه الأنظار مجددًا إلى الداخل اللبناني وسط أنباء عن معادلة جديدة يرسمها الأميركيون في المنطقة تربط بين ترسيم الحدود البحرية والبرية، بملف التنقيب عن النفط.وتأتي هذه التطورات بعدما تلمس الجانب الإسرائيلي بأن لبنان قطع شوطًا مهمًا في عمليات التنقيب عن النفط في البلوكين »4« و»9« المتنازع عليهما.

الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة قدّم عبر «الشرق»، نظرة جيو اقتصادية لعرض ترسيم الحدود، إذ قال: تعيش منطقة الشرق الأوسط في ظل أجواء جيوسياسية مضطربة لم تمنعها من لعب دور محوري على الساحة السياسة – الاقتصادية العالمية. هذه الأجواء جعلت بلدان الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط تعيش حالة التغيير السياسي والجغرافي ويبقى المُحرّك واحد، الثروة الغازية التي أخذت تلعب دورًا أساسيًا في الجغرافيا السياسية للمنطقة. وتعيش منطقة الشرق الأوسط حالاً من عدم الاستقرار منذ فترة طويلة، ويعود السبب إلى تاريخ حافل من التدخلات الخارجية، وأيضًا بسبب الصراعات بين بلدان هذه المنطقة. وكان وقود تلك الصراعات الاختلاف العِرقي والديني، لكن أيضًا وبكل بساطة المنافسة بين زعماء هذه الدول للسيطرة على الموارد الطبيعية.

ولفت إلى أن «الاهتمام الدولي بمنطقة الشرق الأوسط ليس بجديد، فموارد المنطقة النفطية والغازية عديدة، ونرى أن مركز ثقل هذا الاهتمام يتنقّل مع كل اكتشاف جديد لحقول نفطية أو غازية»، وتابع: فالتحوّلات في المشهد الجيوسياسي والجيو اقتصادي انتقل من الخليج العربي ليحطّ رحاله في بلدان الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بعد اكتشاف الثروة الغازية الهائلة القابعة تحت سطح البحر. وبالتالي لا يمكن تجاهل عامل اكتشاف هذه الثروة لفهم بعض المواقف الجيو استراتيجية على مثال تحريك بعض البلدان العظمى لأساطيلها وطيرانها العسكري ودباباتها! فالواقعية السياسية ترتبط بشكل وثيق باستغلال الموارد الغازية وتُعدّ السبب الرئيسي للعديد من الأزمات في المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية.

الأطماع الإسرائيلية مُرادها الكميات الهائلة من الغاز المُكتشفة وذكّر بأن «المعروف تاريخيًا أن معظم الحروب سببها الموارد الطبيعية وهذا الأمر يعود إلى أقدم العصور، إلا أن الصراع على النفط أخذ أهمّية خاصة منذ اكتشافه وأصبح لهذه السلعة بعد استراتيجي ربطته بعض الدول بأمنها القومي على مثال الولايات المتحدة الأميركية». أضاف: الدولة التي تُنتج البترول أو يُكتَشف فيها البترول، تـصبح دولة لها قيمة استراتيجية وبالتالي فإنها عرضة لسلوك طريق من بين اثنين: طريق الانسياق في اللعبة العالمية، أو طريق الفوضى التي تؤدّي إلى الحروب. والسيطرة على الثروات النفطية ليس بأمر سهل ويتطلّب إثقال البلد بديون تفوق قدرته المالية والاقتصادية، وبالتالي يُصبح مُلزمًا رهن قسم من ثروته بغية تفادي الانهيار. وبالتالي نرى أن الموارد الهيدروكربونية لها قيمة كبيرة في الجغرافيا السياسية. وما اكتشاف الكميات الهائلة من الغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، إلا الدليل على لعب هذه الثروة دوراً مُغيّراً للسياسة في اللعبة الجيوسياسية والجيو اقتصادية في هذه المنطقة.

وأشار إلى أن «ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل وقبرص من جهة، وبين لبنان وقبرص كان سلميًا – علماً أن المجلس النيابي اللبناني لم يُقرّ الإتفاقية – إلا أن الصراع التاريخي بين لبنان وإسرائيل مَنَع هذا الترسيم وأخذت الشهيّة العدوانيّة الإسرائيلية بالتمدّد في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان على غرار ما فعلته على البرّ».

واعتبر أن «الأطماع الإسرائيلية مُرادها الكميات الهائلة من الغاز المُكتشفة تحت سطح البحر وبالتحديد على الحدود بين المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين»، وتابع: الاكتشافات الإسرائيلية الأخيرة في ما يخصّ حقل تامار وحقل كرديش (قريبان من الحدود البحرية اللبنانية) وما يَحوِيانه من كميات هائلة، ما هو إلا دليل قاطع على أن مطامع إسرائيل في غاز لبنان حقيقية. ولإعطاء صورة واضحة، يجب القول إن الطبقات الجيولوجية التي تحوي الغاز قد تكون مُتشابكة، وبالتالي فإن ذلك مثل شخصين يشربان الماء الموجود في كوب من الماء بمصّاصتين، لذا فإن الذي يشرب بسرعّة أكثر هو الذي يحصل على الحصّة الأكبر.

حاجة إسرائيل إلى الغاز عنصر أساسي في استراتيجيتها ولفت عجاقة إلى أن «حاجة إسرائيل إلى الغاز تُعتبر عنصراً أساسياً في استراتيجيتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، والكمّيات المُكتشفة في إسرائيل تسمح لها بالتصدير إلى الدول المجاورة مثل الأردن وحتى تركيا التي تقبع تحت رحمة روسيا وإيران في ما يخصّ الغاز». وقال: تمّ البحث بين إسرائيل وتركيا لتمرير أنبوب بحري من حقل لفيتان إلى تركيا بطول يوازي 450 كم ويكون مموّلاً بقسم كبير من أوروبا أميركا وتركيا. إلا أن هذه المفاوضات تحتاج إلى الرضى الروسي.

أضاف: لم تستطع إسرائيل حتى الساعة إقناع الكثير من الشركات النفطية العالمية بالاستثمار في حقولها الغازية والسبب يعود في الدرجة الأولى إلى العنصر الأمني، فوجود «حزب الله» يُشكّل تهديدًا واضحًا لإسرائيل. ويبلغ إجمالي الاستثمارات الغازية في المنطقة الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية 3.5 مليارات دولار، لا تُغطّي إلا 3

إسرائيل تبحث عن مستثمرين جدد وتابع: تواجه شركة «نوبل» اليوم، دعوى بحقها في إسرائيل بتهمة الاحتكار وهذا الأمر دفعها إلى لجم استثماراتها، ما اضطرّ بالحكومة الإسرائيلية إلى البحث عن مستثمرين آخرين. لكن يبقى العنصر الأمني موجوداً، من هنا يأتي العرض الإسرائيلي للبنان بترسيم الحدود البريّة والبحرية والذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب نبيه برّي. هذا الاقتراح ووجه بطلب لبناني بإثبات جدّية العرض الإسرائيلي. وهذا الطلب في اعتقادنا يدلّ عن حنكة سياسية، فإذا كان البعض يُشكّك في مطامع إسرائيل في الأراضي اللبنانية (البرّ) إلا أن مطامعها في البحر هو أمر محتوم. الجدير ذكره أن مشكلة الحدود عادت إلى الواجهة مع إطلاق لبنان مناقصات تلزيم التنقيب عن الغاز في البحر، وبالتالي هدّدت الدولة العِبرية لبنان والشركات من التنقيب عن الغاز في المنطقة المُتنازع عليها.

أضاف: ترى إسرائيل أن الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان هو أحد العوامل التي يمكن استخدامه لإقناع لبنان بالسير في ترسيم الحدود وكَسب الوقت، علّ الشركات النفطية العالمية ترى في المفاوضات غير المباشرة (عبر الولايات المتحدة الأميركية) ضمانة لاستثماراتها.

وختم عجاقة: يجب معرفة أن لبنان ليس بلداً عدوانياً، وإذا كان في إمكانه استعادة حقوقه بالطرق السلمية فهذا أمر جيدّ. لكن ما يجب التنبهّ إليه ألا تتحوّل هذه المفاوضات إلى عملية تطبيع مع العدو الإسرائيلي.

رابط الشرق

Print Friendly, PDF & Email