jassemajaka@gmail.com
عجاقة.. القوة الاقتصادية الأمريكية تفرض قواعد تجارة عالمية جديدة
حوار: سمر رضوان
بعد تصاعد التوترات بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة، والاتحاد الأوروبي، من جهة أخرى، على خلفية إقرار واشنطن رسوماً تمس قطاعات حيوية في أوروبا، وتهديدها بفرض أخرى على قطاعات جديدة، تبدو الأمور آخذة بالتفاعل السلبي مما ينذر بتفاقمها لناحية مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، بشكل عام، ومستقبل التجارة الحرة العالمية ككل، بشكل خاص.في هذا الإطار، سال مركز “سيتا” البروفسور جاسم عجاقة، الخبير الإقتصادي والإستراتيجي والأكاديمي اللبناني، عن مضمون وأبعاد هذه التوترات ومستقبلها، وتداعياتها لجهة حرية التجارة العالمية ومن ضمنها منظمة التجارة نفسها.
تفاوت ضخم من المعروف أن الولايات المُتحدة الأميركية تُعاني من عجز في ميزانها التجاري بلغ 863 مليار دولار أميركي، في العام 2017، منها 396 مليار دولار أميركي آتية من التبادل التجاري مع الصين، 161 مليار دولار أميركي مع الإتحاد الأوروبي (28)، 74 مليار د.أ مع المكسيك، 72 مليار د.أ مع اليابان… والمُلاحظ أن 12 دولة (الصين، المكسيك، اليابان، ألمانيا، فيتنام، إيرلندا، إيطاليا، الهند، كوريا الجنوبية، كندا، تايبي “الصين”، وفرنسا) هي مسؤولة عن 9
وبالتالي فإن إستراتيجية ترامب تجاه الإتحاد الأوروبي هي إستراتيجية مبنية على إعادة التوازن بين الشركات الأميركية ونظيراتها الأوروبية من خلال حلّ من إثنين:
أولًا: منع إستيراد بضائع أوروبية وهو ما سيؤدّي إلى ردّة فعل مقابلة تعود بالضرر على الشركات الأميركية والأوروبية.
ثانيًا: فرض رسوم جمركية على البضائع الأوروبية الأكثر إستيراداً بهدف تخفيف الطلب الأميركي عليها. لكن هذا الأمر أيضاً لا يمرّ من دون عواقب خاصة أن الأوروبيين سيُعاملون الشركات الأميركية بالمثل مما يعني خفض التجارة البينية، وبالتالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي. الرسوم المتبادلة.. خيارات الإتحاد؟! الجواب يكمن في معرفة مستويات الرسوم المفروضة على السلع المُتبادلة، فالرسوم المفروضة من كلا الجانبين شبه متساوية مع
هذه النسب هي ثمار سنوات من المفاوضات بين الطرفين، واليوم نرى أنها عرضة للقلب رأساً على عقب. لقد أظهر الإتحاد الأوروبي، من خلال التصاريح الرسمية، أنه سيردّ على كل رفع رسوم من الجهة الأميركية والتي أعلن ترامب أن مستواها سيبلغ 2
إلى ذلك، هدد الإتحاد الأوروبي أنه سيرفع الرسوم الجمركية على العديد من البضائع الأميركية منها الماركات الشهيرة، مثل هارلي – ديفيدسون بوربون وجينز ليفيز. إضافة إلى ذلك، يتحضرّ الإتحاد الأوروبي إلى ردة فعل أميركية على أي رفع للرسوم الجمركية من قبله على البضائع الأميركية وبالتالي فإن هذا الأمر يطيح بقواعد منظمة التجارة العالمية من أساسها بحكم أن ردة الفعل والرد على ردّة الفعل سيفتح حرب تجارية وحرب عملات قد تضرب الإقتصاد العالمي.
مستقبل التجارة الحرة إن سياسة الرئيس ترامب مبنية على مسلَّمات أميركية أن القوة الإقتصادية الأميركية يُمكنها فرض قواعد تجارة عالمية جديدة تكون لصالحها، وهذا يعني بكل بساطة ان حرية التجارة العالمية ستُصبح في مهب الريح. وفي غياب أي إتفاق ثنائي بين الولايات المُتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي (“مفاوضات تفتا” التي كانت جارية قبل وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة) فإن الحرب التجارية ستشتعل بحكم أن هذه المفاوضات تحكمها مجموعة من القواعد المُتفق عليها مثل “منح بلد مُعين منفعة خاصة، تُعطي كل دول أعضاء منظمة التجارة العالمية هذه المنفعة”، أو “تلتزم كل دولة بربط التعريفات الجمركية التي تحدد، بحسب المنتج، سقفاً لا يمكن تجاوزه”. أضف إلى ذلك كل القواعد التي لها علاقة بالبيئة، والشق الإجتماعي والصحي وغيرها.
لكن الرئيس ترامب يرى أن قاعدة منظمة التجارة العالمية التي تنص على أن “لكل بلد الحق في رفع الرسوم الجمركية إذا ما رأى أن الشريك التجاري يمارس سياسة الـ dumping (الإغراق) من خلال الدعم للقطاع”، هي المبرّر الأساسي لقراره برفع الرسوم الجمركية.
في حال لم يتم التوصل إلى حل هذه المُشكلة، يُمكن القول أنها نهاية مُنظمة التجارة العالمية. هذه الأخيرة تتمتّع بآليات لفضّ الخلافات وتبدأ بمفاوضات بهدف إيجاد حل سلمي قبل تحويلها إلى مجموعة من الخبراء للتحكيم. هذه الآليات تأخذ وقت طويل (من سنة ونصف إلى ثلاث سنوات) وهو وقت طويل جدًا للرئيس الأميركي. الغريب في الأمر أنه على الرغم من قرار الرئيس ترامب، لم يقم الإتحاد الأوروبي برفع أي شكوى إلى منظمة التجارة العالمية بل بدأ مفواضات مباشرة مع الولايات المُتحدة الأميركية مما يُعتبر إختزالًا لدور منظمة التجارة العالمية وبالتالي فإن الأوروبيين دكّوا المسمار الثاني في نعش المُنظمة.
جبهات “ضغط” إن قرار الرئيس ترامب رفع الرسوم الجمركية ليس قراراً إنفرادياً بل هو نتاج ضغط سياسي كبير من الولايات الأميركية التي تُنتج السلع والبضائع موضوع رفع الرسوم. لكن في المقابل، هناك ولايات أميركية أخرى تضغط في الإتجاه المُعاكس حيث أن رفع الرسوم الجمركية من قبل الأوروبيين سيؤدّي إلى خسارات كبيرة تطال الشركات في هذه الولايات خصوصاً في فلوريدا. وهذا يعني أنه يُمكن إستغلال وزن هذه الولايات السياسي للضغط على ترامب، هذا من جبهة أولى.
الجبهة الثانية التي يُمكن إستخدامها هي عبر تأمين تعاضد دولي فيما بين الدول المُتضرّرة من قرار الرئيس ترامب والإلتفاف وراء المُنظّمة للحفاظ على هيبتها. لكن ترامب يحاول أخذ هذه الدول في إتفاقات ثنائية قد تُطيح بهذا الحلّ.
الجبهة الثالثة، والاخيرة، تفعيل دور المُنظّمة عبر قيام الإتحاد الأوروبي والدول الُمتضرّرة من قرار ترامب برفع شكوى إلى منظمة التجارة العالمية لتثبيت موقعها كالراعي الوحيدة للتجارة العالمية.
إخضاع لأوروبا؟! يرى الأوروبيون أن الولايات المُتحدة الأميركية تُخطئ في إختيار عدوها (أي أوروبا)، وبالتالي فهي في حال تعاضد كامل في ما بينها. إلا أن الأميركيين لا ينظرون إلى هذا الأمر من نفس وجهة النظر، فشعار ترامب “أميركا أولًا” هو بوصلة سياسته السياسية والإقتصادية. ويعرف ترامب أن الأوروبيين عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم في وجه “الدب” الروسي خصوصاً إذا ما قرر تخفيض مُساهمته في حلف شمال الأطلسي. فقد أثبت التاريخ أن روسيا ما زالت ترى في بعض الدول الأوروبية إمتداد لها، وبالتالي يرى الأوروبيون أن هناك خطر حقيقي من الجار القيصري.
لقد قالها الرئيس الأميركي عدّة مرات “أميركا لن تؤدّي خدمات مجانية للعالم. كل دولة تريد خدمة من أميركا يتوجّب عليها دفع الفاتورة.” من هذا المُنطلق، يرى الرئيس ترامب أن حلف شمال الأطلسي يؤدّي خدمة كبيرة للأوربيين من خلال حمايتهم من المطامع الروسية، وبالتالي يتوجب عليهم دفع الفاتورة. وما قضية العقوبات على إيران إلا ورقة في حسابات ترامب لإخضاع الأوروبيين لسياسته وبالتالي تدفيعها الفاتورة.
في الواقع، إن ضغط الرئيس ترامب كثيراً على الأوروبيين قد يؤدّي إلى تغيير كبير في المشهد السياسي العالمي خصوصاً على صعيد التحالفات السياسية التي تسعى الصين (وهي المُتضرّر الأكبر) إلى إنشاء مثل هذا التحالف مع الدول الأوروبية واليابان وغيرها. وهنا يُطرح السؤال عن مدى قدرة الرئيس ترامب في الذهاب بعيداً بسياسته الحمائية.