Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الليرة التركية… إبحثوا عن رياض سلامة

خسرت الليرة التركية من قيمتها 4

في ظل نظام العولمة، لم يعد الإقتصاد مُستقلًا عن السياسة؛ أقلّه هذا الدرس الأساسي الذي بدأت تتعلّمه تركيا نتيجة الأزمة النقدية التي تعيشها. فموقف تركيا من قطر دفع بالعديد من الدول الخليجية وعلى رأسها الإمارات العربية المُتحدة إلى خفض إستيرادها من تركيا حيث إنخفضت الصادرات التركية إلى الإمارات بنسبة 7 أيضًا نرى أن الولايات المُتحدة الأميركية خفّضت من إستيرادها من تركيا بنسبة 3 تُصدّر تركيا بقيمة 157 مليار د.أ وتستورد بقيمة 234 مليار د.أ. وهذا يعني أن العجز في الميزان التجاري السنوي يبلغ 77 مليار د.أ  يؤثرّ سلبًا على ميزان المدفوعات الذي يُسجّل عجزًا مُزمنًا (57 مليار د.أ على كامل السنة). هذا العجز في ميزان المدفوعات كانت تركيا تُعوّضه إلى حدٍ مُعين بجذب الإستثمارات الأجنبية المُباشرة التي بلغت 17.7 مليار د.أ في العام 2015، لكنها إنخفضت إلى أقلّ من 10 مليار د.أ في العام 2017 ومن المُتوقع أن تُصبح بحدود بضعة مليارات في العام الحالي.

الثمن بالطبع تدفعه الليرة التركية التي زاد عليها الضغط بشكلٍ كبير مع نسب تضخّم فاقت الـ 1 الإضطرابات السياسية أثّرت أيضًا على السياحة في تركيا التي تُعتبر من الدعائم الأساسية لليرة التركية من ناحية أنها تؤّمن العملة الصعبة. فأرقام trading economics تُشير إلى ركود في مداخيل السياحة نسبة إلى العام الماضي مع نسب موازية (2.8 مليار د.أ في شهر حزيران 2018).

وكأن هذا المشهد لا يكفي، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإقرار تعديلات دستورية من قبل مجلس النواب التركي قلّص من خلالها صلاحيات المصرف المركزي التركي في ما يخصّ السياسة النقدية. وتفاعلت الأسواق المالية  بشكلٍ عنيف مع هذه التعديلات حيث إعتبرت أن إستقلالية السياسة النقدية في تركيا إنتهت مع تعيين أردوغان مباشرة للحاكم المركزي ونوابه. كما أن تعيين صهر الرئيس أردوغان بمنصب وزير المال تلقته الأسواق كعنصر فساد إضافي دفع العديد من رؤوس الأموال إلى الهروب وبالتالي إرتفع عجز ميزان المدفوعات وإنهارت العملة التركية. وعلى الرغم من رفع المركزي التركي لأسعار الفوائد إلا أنه لم ينجح في لجم إنهيار الليرة التركية.

السياسة النقدية التركية مقارنة بالسياسة النقدية اللبنانية تفرض مقارنة السياسة النقدية التركية بالسياسة النقدية في لبنان نفسها من منطلق أن العلوم الإقتصادية هي علوم حيّة ترصد الـ Best Practices في الأسواق. وبتحليل لإقتصاد كلى البلدين (بإستثناء الناتج المحلّي الإجمالي)، نرى أن البلدين يتشاركان في عجز مزدوج (عجز الموازنة وعجز الميزان الجاري)، والتضخّم (1 للإجابة عن السؤال، يجب البحث عن رياض سلامة وسياسة الثبات النقدي التي يعتمدها. تعتمد تركيا بشكلٍ رئيسي على تدفقات رؤوس الأموال من السياحة (26 مليار د.أ) ومن الإستثمارات الأجنبية المُباشرة (10 مليار د.أ). هذا الإعتماد يجعل سعر صرف العملة التركية عرضّة للعديد من العوامل السياسية وعلى رأسها الملفات الإقليمية التي تأخذ فيها تركيا مواقف مناهضة للقوى الإقتصادية الإقليمية والدولية. وبالتحديد، فإن تحرير سعر صرف الليرة التركية عرضة للمضاربات من قبل بعض القوى الإقتصادية التي تستطيع التأثير على الليرة التركية في حين أن هذا الأمر شبه مُستحيل مع المنظومة القانونية التي وضعها رياض سلامة لحماية الليرة اللبنانية من المضاربة الداخلية والخارجية. أضف إلى ذلك، فإن النظام المصرفي التركي بقي ضعيفًا على الرغم من الإصلاحات التي قامت بها الحكومة التركية في العام 2001 (أي قبل وصول حزب أردوغان إلى السلطة) والتي أقرّت فيها أربع نقاط إصلاحية: إستقلالية المصرف المركزي التركي، زيادة رأسمال عدد من البنوك العامة والخاصة، إقفال المصارف المٌصنّفة في وضع الإفلاس، وهيكلة عدد من المؤسسات العامة والخاصة. ولم يستطع المركزي التركي دفع النظام المصرفي التركي إلى مستويات عالية تجعل منه محطّ ثقة عالمية وبقي هذا القطاع رهينة السياسة التركية عامّة. هذا الأمر مُختلف جدًا مع ما قام به رياض سلامة في القطاع المصرفي اللبناني حيث كانت خطّته رفع رأس مال المصارف من أرباحها، إلزامها تطبيق المعايير الدولية، وتطبيق القوانين الدولية. وهذا الأمر جعل لبنان من أهمّ المراكز المالية العالمية وزادت ثقة المُستثمرين والموديعين بهذا القطاع كما تُثبته الودائع المصرفية التي تُسجّل نموًا على الرغم من كل المشاكل السياسية. ويبقى الأهم الإحتياط من الأصول الأجنبية في المصرف المركزي التركي والتي بلغت 131 مليار د.أ أي ما يوازي 14. أيضًا يُمكن ذكر الفارق بين سياسة أسعار الفائدة في تركيا ولبنان، حيت أن غياب إستقلالية السياسة النقدية في تركيا منع المركزي التركي من ممارسة مهامه الأساسية وهي المحافظة على قيمة العملة، في حين أن رياض سلامة يتّبع منهجية علمية مبنية على ربط الليرة بالدولار الأميركي ولكن أيضًا المحافظة على نسب تضخّم مقبولة. إن الأزمة التي تمرّ بها الليرة التركية، تُظهر أهمية دعم رياض سلامة في سياسته النقدية التي حمت ثروة المواطن والشركات وخلقت قطاع مصرفي قوي. كما أنها تؤكّد المؤكّد أن لا حق للطبقة السياسية مهما كان لونها التدخّل في السياسة النقدية التي يتوّجب عليها القيام بكل ما يلزم بما فيها الهندسات المالية.

Print Friendly, PDF & Email