jassemajaka@gmail.com
إقرار سلسلة الرتب والرواتب: كارثة على الإقتصاد اللبناني
موقع القوات اللبنانية | بروفسور جاسم عجاقة
يتلقى المواطن اللبناني يوماً بعد يوم الأخبار السيئة الآتية من أرقام الخزينة اللبنانية. وأخر هذه الأخبار هي العجز الذي سترزخ تحته الخزينة في حال إقرار سلسلة الرتب والرواتب.
وعلى الرغم من أحقية إقرار سلسلة الرتب والرواتب، تأتي هذه الأخيرة لتزيد عجز الخزينة بــ 2,000 مليار ليرة (بحسب وزير المال محمد الصفدي). ولكن هذا العجز ليس الوحيد، فهناك العجز الأتي من شركة الكهرباء والذي يبلغ 1,500 مليار ليرة، والعجز الأتي من فائدة الدين العام والذي يبلغ 6,000 مليار ليرة مما يجعل العجز السنوي الكلي 9,500 مليار ليرة! فمن أين ستمول الحكومة هذا العجز؟
هناك ثلاث إمكانيات أمام الحكومة لتمويل هذا العجز، وكلها مُكلفة ولا شيء يُثبت أنها ستسد العجز بالكامل:
أولاً: إصدار سندات خزينة بقيمة 10,000 مليار ليرة وهذا شبه مستحيل بالظروف الحالية لأسباب عدة: 1- لا يُمكن طلب هذا المبلغ من الأسواق من دون زيادة الفائدة، مما يعني زيادة خدمة الدين العام (أي ما يوازي 750 مليار ليرة إضافية سنوياً). 2- لا يُمكن للأسواق أن تُسَّلف هكذا مبلغ الى دولة لا تستطيع لجم خدمة الدين لأنها ذاهبة الى الإفلاس لا محالة (خطر الإئتمان). 3- إذا ما قبلت الأسواق بتسليف الدولة هكذا مبلغ فإنها ستفعل بالدولار الأميركي (القسم الكبير على الأقل). وهذا يعني دولرة الدين العام من جديد، مما يزيد الضغط على سوق صرف العملة الذي هو أصلاً تحت ضغوطات، تظهر في رفض المصارف التسليف بالليرة اللبنانية. 4- نعرف مسبقاً أن الدولة لن تستطيع جمع هذا المبلغ من الأسواق لذا سيعمد مصرف لبنان الى شراء الباقي. مما يعني طبع عملات أو التمويل من الإحتياطي (البالغ 31 مليار دولار)، وبكلا الحالتين فقدان الليرة من قيمتها لأن العملة تعكس ثروة البلد.
ثانياً: زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وهذا ما لا ننصح به في هذه الأيام لما له من عواقب سلبية في الإقتصاد: 1- زيادة الضربية على القيمة المضافة ستقتل القدرة الشرائية للمواطن الذي بدأ يُعاني من ثقل التضخم الناتج عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب. 2- زيادة الضرائب على أرباح الشركات ليس لها جدوى لأن الشركات تخسر في الوقت الراهن. وإذا ما وُجد شركات تُحقق أرباح، فإنها ستجد قسماً من أرباحها يذهب الى الدولة مما سيقلل من إندفاعها للإستثمار. 3- زيادة الضرائب على أرباح العقارات و/أو على تكلفة رخصة الإستثمار سيدفع المستثمرين الى التقليل من عملياتهم العقارية المستقبلية، مما سيدفع الى الركود في قطاع يرسخ حالياً تحت وطأة الأزمة الإقتصادية.
ثالثاً: تقليل الإنفاق الغير مجدي ولجم الهدر في خزينة الدولة، ولكن هذا الإجراء وإن كان فعالاً فإنه لن يتحقق لأسباب سياسية.
وبرأينا يكمن الحل في ستة محاور:
أولاً: زيادة الإنفاق الإستثماري في عدد من القطاعات الواعدة والتي قد تدر أرباحاً على الدولة. ومن هذه الإستثمارات نذكر مثلاً إعادة تأهيل وتشغيل مصافي الزهراني وطرابلس التي تحتاج الى 3 مليارات دولار لتأهيلها والتي وحدها تستطيع سد الدين العام بستون عاماً (ستون عاماً ليست بشيء في عمر الشعوب). أضف الى ذلك الإستثمارات في قطاع الإتصالات الذي ومنذ إستعادة إدارته من قبل الدولة لم يُستثمر فيه. ويمكن الحديث أيضاً عن الإستثمرات في البنية التحتية مع فرض توظيف لبنانيين لمنع الـ Social Dumping الذي يسببه وجود الأيدي العاملة الأجنية في لبنان.
ثانياً: التشديد في جباية الضرائب المهدورة والتي بحسب رأينا تُوازي الثلاث مليارات دولار أميركي والتي ستلعب دوراً مهماً في سد العجز (تقريباً نصف العجز) كما ورفع الغطاء السياسي عن الأشخاص المخالفين.
ثالثاً: تحفيز القطاع الخاص عبر إعفاء الشركات من نسبة معينة من الضرائب على كل وظيفة تُخلق في الشركة (وليس شخص بدل أخر). والإيعاز الى المصارف، بواسطة مصرف لبنان، بدعم القطاع الخاص عبر إقراضه أموالاً للإستثمار، إذ يكفي عشرون عاماً لهذه المصارف تمويلاً لعجز الدولة وآن الآوان لدعم الإقتصاد خالق الثروات.
رابعاً: بما أنه لا يُمكن للحكومة الرجوع عن السلسلة لأسباب إنتخابية وأخرى تتعلق بمصداقيتها، يتوجب عليها تقسيط سلسلة الرتب والرواتب على عدة سنين لتفادي النتائج السلبية على الليرة اللبنانية والتي وبغياب تمويل هذه السلسلة ستكون كارثية.
خامساً: يجب إعتماد خطط تقشفية في الإنفاق على جميع الأصعدة ووقف هدر المال العام في الوزارات والدوائر الرسمية لأن الوضع حرج ولا يُمكن الإستخفاف به. وبحسب رأينا فإن إقرار السلسلة دون مداخيل لها سيدفع لبنان الى عتبة اللارجوع عن الإفلاس. هذه الخطط يجب أن تبدأ بشركة الكهرباء، إذ يجب القبول بمشروع الصناعيين من دون أي تأخير كما ويجب كسر كارتيلات النفط التي وبحسب رأينا تُثقل كاهل المواطن اللبناني ظلماً بأكثر من مليار دولار سنوياً مباشرة وأكثر من نصف مليار دولار عبر العجلة الإقتصادية.
سادساً: وضع موازنات واقعية تعتمد على توقعات ماكرو – إقتصادية مبنية على واقع لبنان الأمني والسياسي وتأخذ بعين الإعتبار الأزمة السورية وما لها من تأثير على الإقتصاد اللبناني. كما وننصح الحكومة بالتوقف عن التعامل مع هذه الموازنة من وُجهة نظر حسابية بحتة وإقرار إستراتيجية إقتصادية تُترجم في الموازنة.
بالطبع كل هذه الخطوات مشروطة بالإستقرار السياسي والأمني لما له من تأثير مباشر على الإقتصاد إن من ناحية جذب المستثمرين أو من ناحية جذب السياح. لذا نُحذر الحكومة ونضعها أمام مسؤلياتها في هذه المرحلة الحرجة ونطلب منها إعفاء لبنان الكأس المرير ألا وهو الإفلاس.