Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هل تنقذ مصفاتا طرابلس والزهراني خزينة الدولة؟

بين تأرجح أسعار المحروقات المرتفعة والإبحار في أعماق البحار لاستخراج نفط ما زال يدور في فلك الحلم المؤجل الى حين انتهاء الصراع الداخلي والخارجي ، ما زال مصير مصفاتي الزهراني وطرابلس مجهولاً. فلماذا لا يكبّد المسؤولون نشاطاتهم وجهودهم في سبيل إعادة تشغيل مصفاتي طرابلس والزهراني اللتين تتحضران لتدخلا كتاب “غينيس” من حيث الإهمال الذي يتآكل منشآتهما علّها تنقذ خزينة الدولة؟  بات معلوماً أن اقتصاد لبنان تغيّر بشكل ملحوظ وتحول الى “اقتصاد ريعي” يعتمد على رؤوس الأموال الخارجية المُرسلة من المغتربين اللبنانيين وخصوصاً الموجودين في الخليج. وهذا التحول ناتج عن الحرب التي هجَّرت الشباب اللبناني كما وخفضت الماكنة الانتاجية الوطنية. ويتضح اعتماد لبنان على هذه التدفقات من الحسابات التاريخية لميزان المدفوعات من ستينات القرن الماضي وحتى اليوم.

ومنذ نهاية الحرب الأهلية وحتى اليوم، شهدت الساحة اللبنانية عدة تطورات أمنية، سياسية واقتصادية أثَّرت سلباً على الاقتصاد اللبناني وعلى المالية العامة وساهمت في شلّه كلياً. انما كيف ستتمكن الدولة من مواجهة الاستحقاقات المالية، والاقتصاد في حالة ركود والمالية العامة شبه مُفلسة؟

ضغط الشارع

في هذا الاطار، أكد الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة أنه “من المُسلم به أن طريقتي تمويل الدولة، أي الاستيدان وزيادة الضرائب، ستزيدان الدين العام وتقتلان الاستهلاك أحد أهم مقومات الاقتصاد اللبناني. ومن الظاهر من تصاريح المسؤولين أن الحكومة ذاهبة في اتجاه اصدار سندات خزينة وزيادة الضرائب، تحت ضغط الشارع (الموعود بسلسلة الرتب والرواتب)”.

وتابع: “يبدو أن الانفاق الاستثماري غير مأخوذ في الاعتبار من قبل الحكومة على الرغم من أهميته. فعلى سبيل المثال هناك مصفاتا طرابلس والزهراني اللتان تُعتبران مورداً مُحتملاً قد يُنقذ الخزينة. وحسب مصادر وزارة الطاقة والمياه، تبلغ كلفة اعادة تأهيل وتشغيل هذه المصافي ثلاثة مليارات دولار أميركي والتي يُمكن تغطيتها من الجبايات والفواتير المستحقة للدولة (تُقدر قيمة هذه الأموال التي لا تُجبى بثلاثة مليارات دولار)”.

مبالغ طائلة

وقال: “حسب حساباتنا فان اعادة التأهيل ستدر مبالغ طائلة على لبنان وخصوصاً بفضل العوامل التالية:

• خفض كلفة الاقتصاد اللبناني عبر خفض أسعار المحروقات التي تذهب أرباحها الى كارتيلات النفط في لبنان والتي تتقاسمها مع بعض أصحاب النفوذ.

• موقع لبنان الاستراتيجي الذي يسمح له بتصدير نفط دول الخليج العربي الى أوروبا.

• الرغبة العربية وخصوصاً القطرية بتمرير غازها ونفطها عبر البر الى المتوسط لتفادي مضيق هرمز.

• حاجة السوق العربي الى مصافي تكرير.

• الوضع المتأزم في سورية والذي قد تكون له فوائد على الاقتصاد اللبناني بجذب استثمارات عربية ودولية”.

بناء تجهيزات

وسأل: “لماذا لا يتم المباشرة باعادة التأهيل والتشغيل مع العلم أن قَانون رَقم 549 تاريخ 20 تِشرين الأَوَل 2003 نص على “تصميم وتمويل وتطوير واعادة اعمار مصفاتي طرابلس والزهراني وتشغيلهما وبناء محطة نهائية لتصدير واستيراد الغاز الطبيعي المسال وبناء تجهيزات لتخزين الغاز الطبيعي وانشاء شبكات لبيعه وتوزيعه”؟

وشدد على أن البعض “يقول ان السبب هو أن اعادة التأهيل تُكلِّف أكثر من اعادة البناء ولكن تناسى هؤلاء المسؤولون أن مردود بيع الحديد الموجود في حال تقرر اعادة بناء هاتين المصفاتين، يفوق الـ 500 مليون دولار أميركي. وحسب رأينا فان السبب الحقيقي لعدم تأهيل هذه المصافي يعود الى وجود كارتيلات نفط تُهيمن على سوق النفط. وهذه الكارتيلات تضم شركات استيراد النفط التي تُعد اللوبي الأقوى بعد القطاع المصرفي والتي يمتدّ نفوذها الى داخل الطبقة السياسية وسلطاتها المختلفة. ومن الصعب تحديد القيمة الحقيقية للأرباح التي تُحصِّلُها هذه الشركات وذلك لعدم أعلان أسعار المَنشَأ الحقيقية، ولا كيفيّة تركيب كلفة الاستيراد”.

كلفة مرتفعة

وأوضح “أن كلفة الاستهلاك المحلي اللبناني السنوي لتعبئة خزانات وقود السيارات تقدر بحدود مليار وأربعمئة مليون دولار أميركي، وتعتبر هذه نسبة عالية جداً مقارنةً مع دول الجوار من حيث حجم الاستهلاك وقرب لبنان من مصادر انتاج النفط”.

وقال: “بالنظر الى الأرقام في الأعوام الماضية (2008 الى 2011) نرى أن كلفة استهلاك المشتقات النفطية والبنزين بالتحديد، قد زادت بقيمة تتخطى بكثير ارتفاع الأسعار العالمية (بالطبع عمدنا الى تطبيع الكميات Normalize)، وهذا مؤشر واضح على هامش أرباح شركات النفط المولجة استيراد وتوزيع البنزين في لبنان.

وفي محاولة من قبلنا لحساب أرباح هذه الشركات، قدرنا كلفة البنزين المستورد وتوزيعه في لبنان بــــ 850 مليون دولار. أما الأرباح الباقية فتتوزع على الشكل التالي: 200 مليون دولار عائدات الرسوم المفروضة من قبل الدولة، 100 مليون دولار عائدات الضريبة على القيمة المضافة، والباقي تتقاسمه شركات الاستيراد مع محطات الوقود وشركات التوزيع”.

أضاف: “اذا ما افترضنا وجود نوايا حسنة لاعادة تأهيل وتشغيل المصافي، نرى أن تأثير الوضع السياسي والأمني يبقى عامل النجاح الأول (وليس الوحيد) لهذه العملية لأن الوضع الأمني والسياسي القائم حالياً، يُسبب اضعاف وشلّ الاقتصاد اللبناني.

Print Friendly, PDF & Email