Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

تمويل «السلسلة» من فروقات الذهب جريمة بحق الأجيال

الجمهورية | بروفسور جاسم عجاقة

تكثر في هذه الأيام الإقتراحات والمراهنات على تمويل سلسلة الرتب والرواتب حتى أنها بدأت تُشبه سوق مزايدة على الأفكار. وآخر هذه الإقتراحات ما قرأته في صحيفة «الجمهورية» في 3 كانون الأول 2012 عن استعمال فروقات القطع من الذهب لتمويل ثمن سلسلة الرتب والرواتب. وهذا إذا ما حصل سيكون كارثة لأن ذلك سيؤدي الى زيادة التضخم بسبب زيادة الكتلة النقدية M2 وسيُشكل سابقة في تاريخ لبنان حيث يُستعمل الإحتياط لأول مرة لتمويل الإنفاق العام.

تميز عهد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة باستقرار نقدي متميز من ناحية طول المدة ومن ناحية القدرة على إستيعاب الخضات السياسية، والتي كانت في معظمها عنيفة. وفَهِمَ حاكم مصرف لبنان منذ البداية أهمية حجم الإحتياط في الملاءة (Solvability) للدولة اللبنانية وأهمية ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية في الإقتصاد. فتثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية هو أحد مقومات الإقتصاد:

– هل أعمل؟ (معدل البطالة)

– كم أجني؟ (الناتج المحلي الإجمالي)

– هل لما أجني من قيمة؟ (التضخم) والتضخم يعني فقدان العملة قيمتها.

فإذاً كيف يكون تثبيت سعر صرف الليرة سياسة سيئة؟

أتى إقرار سلسلة الرتب والرواتب من قبل مجلس الوزراء تحت ضغط الشارع. ولم يدرك المسؤولون في ذلك الوقت حجم النتائج المُترتبة على إقرار هذه السلسلة لعدة أسباب أهمها عدم قدرة وزارة المالية على تحديد عدد المستفيدين من هذه الزيادة. وتُقدّر اليوم كلفة إقرار هذه السلسلة ما بين 2000 و3000 مليار ليرة لبنانية. وإذا ما أخذنا مشروع موازنة 2012 المُقدّم من قبل وزير المال الى مجلس الوزراء، نرى أن العجز الموجود في هذه الميزانية يُوازي 5569 مليار ليرة لبنانية (3,7 مليار دولار).

وإذا زدنا كلفة سلسلة الرتب والرواتب سيزيد العجز الى 8000 مليار ليرة لبنانية تقريباً. ولنفترض أن المبلغ موجود في خزينة الدولة، فإن دفعه في خلال شهر (كما يقترح البعض) سيزيد التضخم بنسب عالية جداً يصعب من بعدها السيطرة على سعر صرف الليرة. ولا يظنن أحد أن دفع هذه السلسلة سيعيد تشغيل العجلة الإقتصادية كما لو أن سبب الركود هو سبب إقتصادي بحت مبني على عطل في الديناميكية الإقتصادية، فالكل يعرف أن السبب الأساسي هو سياسي- أمني بإمتياز، وسبب هيكلي متميز بغياب إصلاحات إقتصادية أصبحت أكثر من ضرورية.

إن أرقام التضخّم، بحسب الحسابات التي قمنا بها، تُوازي 10 في المئة حتى شهر أيلول 2012. وهذا التضخّم ليس ناتجا عن نمو كما هو في الأعوام 2005 الى 2010، بل عن إقرار سلسلة لم تُدفع بعد. فماذا سيكون وضع التضخّم إذا ما دُفعت السلسلة؟ لذا، لا يُمكن دفع هذه السلسلة بدون أن يكون هناك عواقب على الليرة اللبنانية. لذا يجب تقسيطها على عدة سنوات، لأن ضخ مبلغ بهذا الحجم في الإقتصاد أشبه بجرعة دواء يجب أخذها على عدة أسابيع ونأخدها بيوم واحد!

أما من ناحية تمويل السلسلة، فنرى أن إستعمال فروقات القطع من الذهب سيضع الليرة في وضع سيء جداً. وبعكس ما يعتقد البعض، فإن العملية ليست بسهلة. فدفع الفرق يعني زيادة الكتلة النقدية M2 أي زيادة التضخم. كما وأن الإستهلاك الناتج عن هذه الزيادة سيزيد التضخم. أما ما حصل في الأعوام السابقة عندما تم إستعمال فروقات القطع من الذهب في الدين العام، فقد كان إستعمالاً حسابياً دون أن يكون هناك من عملية طبع عملة مما أدّى إلى خفض الدين العام الى الناتج المحلي الإجمالي وليس الدين العام بالمطلق.

أضف الى ذلك، ومع غياب الانضباط المالي في الدولة فإن المس بالذهب، حتى لو كان على فرق السعر، يُعتبر جريمة بحق الأجيال القادمة التي سنترك لها دينا عاما سيتخطّى الـ 100 مليار دولار في حلول العام 2020! الجدير بالذكر، أن حساباتنا أظهرت أن الضرائب على الأملاك البحرية ستدر مدخولا على خزينة الدولة ما يُعادل مدخول الضريبة على القيمة المُضافة. كما أن الضرائب على الشقق الشاغرة قد تدرّ على خزينة الدولة، ما يُعادل مليار دولار أميركي في السنة (هناك ما يُقارب 45000 شقة شاغرة في منطقة بيروت فقط).

فكيف من العدل ذكر زيادة الضريبة على القيمة المُضافة من 10 الى 15 في المئة مع العلم أن هذه الزيادة وبحسب دراسة أجرتها جامعة الـAUB، ستزيد عدد العائلات الفقيرة في لبنان وتجعل مستواها موازياً لمستوى العائلات الفقيرة في الفيليبين. يبقى أن نذكر أنه يوجد عدد من المشاريع الإقتصادية الإستثمارية والتي قد تدرّ مبالغ كبيرة على خزينة الدولة مثل مشروع إعادة تأهيل وتشغيل مصافي طرابلس والزهراني والتي بمبلغ 3 مليارات دولار (كلفة إعادة التأهيل)، كافية لسد الدين العام في فترة 60 عاماً.

إننا إذ نُثني على سياسة حاكم مصرف لبنان النقدية، ندعوه الى: – مواصلة سياسة تثبيت سعر صرف الليرة لأن تحرير سعر الصرف سيكون كارثياً على اللبنانيين. – رفض كل تمويل للإنفاق يمس بالإحتياط وخصوصاً إحتياط الذهب. – دفع المصارف الى تمويل الإقتصاد اللبناني عبر إصدار تعميم الى المصارف لتسهيل القروض الممنوحة لأصحاب المشاريع والشركات. – بحث إمكانية إعادة هيكلة الدين العام وذلك عبر مبادلة الإصدارات القصيرة الأمد بإصدارات طويلة الأمد (Swap) وبأسعار فائدة معقولة.

Print Friendly, PDF & Email
Source الجمهورية