Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

أسعار المحروقات «تلتهب» والحكومة لا تُحرّك ساكناً

يستيقظ المواطن كل أربعاء على نبأ إرتفاع أسعار المحروقات. هذا النبأ هو بمثابة فضيحة، إذ لا يُعقل أنه في حين تنخفض أسعار النفط عالمياً، يستمر إرتفاع أسعارها في لبنان. فما هي أسباب هذا الإرتفاع ؟ للرد على هذا السؤال لا بد من إلقاء نظرة تاريخية على تطور القطاع النفطي في لبنان. بدأ إستيراد وتخزين النفط في لبنان في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، مع إنشاء موقع لتخزين النفط بكميات صغيرة في محلة الدورة في بيروت. في العام 1935، قامت الشركة النفطية العراقية بإنشاء محطة تخزين في طرابلس، تبعها إنشاء المصفاة بعد بضعة سنوات. في العام ،1949 أُنشِئت محطة تخزين في الزهراني (جنوب لبنان) تتغذّى بواسطة أنابيب شركة أرامكو السعودية، ثم تلاها بناء مصفاة الزهراني.

وبدأ إنتاج البنزين، الكاز، المازوت، وقود للطائرات النفاثة، وقود التدفئة ووقود إنتاج الطاقة الكهربائية للسوق المحلية في كل من المصفاتين، إضافة الى تسليم كميات كبيرة من النفط الخام بواسطة محطتي التسليم البحرية في الزهراني وطرابلس. وكانت الدولة اللبنانية تتقاضى 11 سنتاً أميركياً تقريباً لكل برميل نفط يمر في الأراضي اللبنانية، من خلال محطات التعبئة البحرية مباشرةً إلى سفن نقل النفط الضخمة.

وقد عاش هذا القطاع عصراً ذهبياً، وتميّز بثبات وإستقرار مدعوماً بـثبات سعر برميل النفط على 2 دولار أميركي للبرميل الواحد، وسعر تكرير منخفض جداً. بالاضافة الى ثبات سعر المحروقات في محطات التكرير بفضل التصدير. ولكن السعر الرسمي للبنزين والمازوت كان يتعدّل بسبب تكاليف النقل. وبقي هذا النظام ساري المفعول حتى بداية الحرب الأهلية في العام 1975.

بدأت قصة لبنان مع تقلّب أسعار المحروقات مع بداية الحرب الأهلية، وتفاقمت مع أيام الوصاية السورية على لبنان. فالمرسوم الاشتراعي الرقم 79 تاريخ 27/6/1977 أعطى وزارة الصناعة والنفط الحق بإدارة منشآت النفط على الاراضي اللبنانية كما وإدارة جميع القضايا المالية والاقتصادية والتنظيمية المتعلقة بهذه المنشآت. ومنح المرسوم الوزارة مهمة عقد صفقات بيع وشراء وتصدير واستيراد المشتقات النفطية.

كما ونصّت المادة الرابعة من هذا المرسوم على أن وزارة النفط هي الجهة المخوّلة تحديد رسم تخزين المحروقات، عقد اتفاقيات مع الجهة التي تريد استيراد النفط لمصلحتها، تخزين هذا النفط في المصافي التابعة للوزارة، وتحديد جميع النفقات المترتبة.

في أيام الوصاية السورية على لبنان، كانت الشركات النفطية تقوم بالمشاركة في مناقصتين متزامنتين في لبنان وفي سوريا لاستيراد المازوت. وكانت تعرض في لبنان السعر العالمي زائد 19 دولاراً ، وتعرض في سوريا السعر العالمي زائد 11 دولاراً.

وبذلك حققت هذه الشركات أرباحاً طائلة أدّت الى إحتكارها للسوق المحلية بدعم مكشوف من أصحاب النفوذ في السلطة. وإستطاعت على مر العهود، أن تحافظ على قوتها حيث كان التغيير في موازين القوى داخل السلطة يفرض تغييرات في دائرة المنتفعين والمستفيدين.

فضيحة وزارة الطاقة

تكمن الفضيحة الكبرى في مناقصات وزارة الطاقة لاستيراد المازوت والفيول عبر الشركات المحلية. هذه المناقصات تفتقد الى الشفافية خصوصاً من ناحية تركيبة الأسعار. وغالباً ما تكون الشركة صاحبة السعر الأقل قد قامت بالتعاقد مع أطراف خارجية لحجز البضاعة وشرائها قبل المناقصة حيث يتم أحياناً فتح الاعتمادات في الوقت نفسه الذي تصل فيه الباخرة الى لبنان، وهذا يشير الى ان عملية الشراء من المصدر قد تمت سلفاً.

أما في ما يخصّ البنزين، فلا توجد مناقصات وإنما يصدر أسبوعياً عن وزارة الطاقة جدول لتركيب الأسعار يستند الى فواتير المنشأ التي تقدمها الشركات المستوردة نفسها من دون أي تدقيق أو مراقبة لصحة هذه الفواتير وتواريخها.

وتركيب جدول الأسعار يصدر اسبوعياً بالإستناد الى متوسط سعر طن البنزين عالمياً على مدى أسبوع عمل كامل، وهذه الطريقة باحتساب السعر المحلي تؤدي الى زيادة هامش الأرباح في ظل طريقة غياب المنافسة في السوق. ويمكن القول بسهولة أن الفرق بين سعر النفط في المنشأ وسعره في لبنان يُقارب الضعف.

والملاحظ أن الشركات المعنية ليست مضطرة الى توظيف أي استثمارات جديدة في البنية التحتية (الخزانات)، أو تجميد أي توظيفات في المخزونات في سوق ممسوكة بإحكام. والمعروف أن البنزين يُصنّف كمادة إستراتيجية تُوازي المواد الغذائية من ناحية الأهمية.

من هنا يأتي السؤال عن أسباب إمتناع السلطات المعنية عن التدخل في هذا القطاع، ليس فقط على صعيد ترشيد الأسعار بل أيضاً على صعيد عدم تخزين هذه المادة، وعدم توظيف أي استثمارات جديدة لتأمين سلامة الخزانات القائمة على طول الساحل اللبناني، وفي وسط المناطق المأهولة بالسكان.

وأظهر عدوان تموز 2006 أهمية بناء مخزونات استراتيجية للبنزين والمشتقات النفطية الأخرى، إذ يُلاحظ أن خزانات البنزين تحتوي على كميات كافية لأسبوع واحد فقط، وإذا ظهرت أي أزمة فإن الكميات المتاحة لن تصمد أكثر من أسبوع الى أسبوعين.

إنه لمن الصعوبة قياس خسائر الإقتصاد الناتجة عن إرتفاع أسعار المحروقات، عصب الإقتصاد، ومقارنتها مع أرباح الدولة الناتجة عن الضرائب على هذا القطاع. هذه الصعوبة ناتجة عن غياب الأرقام الرسمية للإقتصاد اللبناني، والتي من المفروض أن تتوفر كما في كل دولة. لذا نستنتج أن الحكومة إما عاجزة عن إدارة الدولة أو أن في ذهنها مخططات أخرى كجلب إيرادات إضافية لتمويل سلسلة الرتب والرواتب أو غيرها.

رابط الجمهورية 

 

Print Friendly, PDF & Email