Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هل تُحيل الحكومة مشروع «السلسلة» إلى مجلس النواب؟

يتخبّط لبنان منذ 12 يوما، بأحداث إجتماعية تتمثل بإلاضراب المفتوح الذي تُنفذه هيئة التنسيق النقابية. ويترافق الإضراب مع إعتصامات وتظاهرات للضغط على الحكومة التي تجد نفسها بين معضلة مواجهة غضب الشارع وتحمّل النتائج الإقتصادية لعدم توفير مداخيل لتمويل السلسلة. فهل تُحيل الحكومة، تحت ضغط الشارع، السلسلة الى مجلس النواب ؟  لا شك أن الحكومة تسرّعت في إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب الذي أقرّته في السادس من أيلول 2012. هذا التسرّع ناتج عن خطأ في تقدير عدد المستفيدين من هذه السلسلة. والحسابات الأولى التي أجرتها وزارة المال، شملت 180 ألف مستفيد وأدّت الى كلفة تتراوح ما بين 1500 الى 2000 مليار ليرة. إلا أن عدد المستفيدين بدأ بالتصاعد مع الوقت ومع زيادة التدقيق. وتُقدّر الكلفة اليوم ما بين 3500 و4000 مليار ولا شيء أكيدا حتى الآن. تكمن المشكلة في عدم توفّر الإيرادات لتغطية هذه السلسلة. بما يعني أن هامش تحرّك الحكومة ضئيل، خصوصاً أن العجز في الميزانية يتجاوز ما هو وارد في مشروع موازنة 2012 ليبلغ 7500 مليار ليرة (العجز الناتج عن دعم شركة الكهرباء والذي يبلغ 1,500 مليار ليرة، والعجز الناتج عن فائدة الدين العام والذي يبلغ 6,000 مليار ليرة). أي أن العجز الكلي في موازنة 2012، أقله على الورق، يفوق الـ 10000 مليار ليرة. فمن أين ستموّل الحكومة هذا العجز، مع العلم أن موارد التمويل محدودة، وتقتصر على إصدار سندات خزينة، زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وتقليل الإنفاق الغير المجدي، ولجم الهدر في خزينة الدولة. ويأتي الوضع الإقتصادي ليزيد الوضع تردياً، فمع نمو لا يتجاوز الـ 0.5 % إذا ما وُجد، عجز في الميزانية يفوق الـ 10 % ، دين عام يتجاوز الـ57 مليار دولار أميركي، وتضخّم يتخطّى الـ 15 % في الـ 2012، هناك إستحالة لتمويل هذه السلسلة. يبقى السؤال عن جدية الحلول المطروحة لتمويل هذه السلسلة وخصوصاً “طابق الميقاتي”. فهل هناك من وعي لهذه الأزمة أو أن هناك إستهزاء بعقول الناس ؟ على الرغم من أحقية سلسلة الرتب والرواتب لما يُعانيه المواطن من تراجع في قدرته الشرائية، نجد أنه من شبه المستحيل إقرار السلسلة من دون زيادة الدين العام و/أو إضعاف الليرة اللبنانية. وفي ما يلي الأسباب: في حال تمويل السلسلة عبر إصدار سندات خزينة، فإن الحكومة ستضطر الى إصدار سندات بقيمة 10,000 مليار ليرة. وإقتراض هذا المبلغ في بالظروف الحالية شبه مستحيل لأن طلب هذا المبلغ من الأسواق سيزيد الفائدة (بفعل العرض والطلب) مما يعني زيادة خدمة الدين العام 750 مليار ليرة إضافية سنوياً. كما وأن الأسواق لن تُسَّلف هكذا مبلغ الى حكومة لا تستطيع لجم خدمة الدين. وهذا ما سيدفع مصرف لبنان الى شراء القسم غير القابل للتسويق، أي بمعنى أخر طبع عملات أو التمويل من الإحتياطي (البالغ 31 مليار دولار). وفي الحالتين، ستفقد الليرة من قيمتها. وحتى ولو قبلت الأسواق بتسليف الحكومة هذا المبلغ فإنها ستفعل بالدولار الأميركي، بما يعني دولرة الدين العام، وهذا ما سيزيد الضغط على سوق صرف العملة الذي هو أصلاً تحت ضغوطات، تظهر في رفض المصارف التسليف بالليرة اللبنانية. وفي حال تمويل السلسلة من زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، سيتم ضرب الإقتصاد بشكل هيكلي (أي إختفاء عدد من القطاعات!). والسبب يكمن في أن زيادة الضريبة على القيمة المضافة ستقتل القدرة الشرائية للمواطن الذي بدأ يُعاني من ثقل التضخم الناتج عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب (أكثر من 10% منذ إقرار مشروع السلسلة وحتى شهر أيلول 2012). و”طابق الميقاتي” لن يُجدي نفعاً لأنه لا يُوجد زبائن بسبب الوضع الإقتصادي. كلنا يعلم أنه، وبحسب نظرية ماسلو، تأتي الحاجات الفيزيولوجية في الدرجة الأولى مما يعني أن زيادة الضرائب على أرباح العقارات و/أو على تكلفة رخصة الإستثمار سيدفع المستثمرين الى التقليل من عملياتهم العقارية المستقبلية. هذا سيدفع الى الركود في قطاع يرزح حالياً تحت وطأة الأزمة الإقتصادية. وبذلك، فإن مردود طابق الميقاتي هو على الورق فقط. أما زيادة الضرائب على أرباح الشركات فهو دون جدوى لأن الشركات تخسر في الوقت الراهن. وإذا ما وُجد شركات تُحقق أرباح، فإنها ستجد قسماً من أرباحها يذهب الى الدولة مما سيقلّل من إندفاعها للإستثمار. أما التمويل عبر تقليل الإنفاق غير المجدي ولجم الهدر في خزينة الدولة، فالمُلفت للذكر أنه ليس على جدول أعمال الحكومة. وما يزيد الوضع تفاقماً إستحقاقات إصدارات الخزينة في العام 2013 والتي تبلغ 1,525 مليار دولار أميركي وخدمة الدين العام والكهرباء وغيرها للعام 2013. وكل هذا يضرب مصداقية الحكومة بما يخص إحالة السلسلة الى مجلس النواب ! إن إحالة السلسلة، على الرغم من أحقيتها، من خلال مصادر التمويل المطروحة من قبل الحكومة، هي بمثابة إنتحار إقتصادي وذلك لسببين أساسيين: 1 – لا يوُجد تمويل لهذه السلسلة وكل ما هو مطروح هو غير جدي وسيؤدي لا محالة الى زيادة الدين العام. 2 – إن ضخ 4000 مليار ليرة في الإقتصاد دفعة واحدة سيقتل الإقتصاد اللبناني عبر التضخم. لذا، ندعو الحكومة الى الإعتراف بعجزها عن إدارة هذه الأزمة والى تقديم إستقالتها الى الشعب اللبناني. وهذا الموقف ليس موقفاً سياسياً بل هو إقتصادي بحت نابع من الخوف على مستقبل المواطن اللبناني. http://www.aljoumhouria.com/news/index/58937