Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

2097 عام الجوع والحروب

في 20 آب 2013، استنفد سكان الأرض الموارد الطبيعية التي يستطيع النظام البيئي أن يُنتجها والنفايات الناتجة عنها التي يُمكن أن يستوعبها في عام واحد. وهذه الظاهرة التي تسقط كل عام أبكر من العام السابق، تُؤثر بشكل سلبي على الطبيعة وعلى تصرف الانسان الذي بدأ يتحدى الطبيعة علمياً عبر انتاجه اصطناعياً لعدد من المواد كاللحوم الاصطناعية لسد حاجاته. وعلى هذه الوتيرة وبغياب أي تطور، ستكون نهاية العالم حتمية في العام 2097. في العام 2003، أبصرت جمعية Global Footprint Network النور وهي جمعية لا تبغى الربح. وهدف هذه الجمعية كان قياس تأثير الانسان على كوكب الأرض عبر ادخال مؤشر البصمة البيئية (Ecological Footprint). وهذا المؤشر عبارة عن مقياس لمقدار مساحة الأراضي والمياه المنتجة بيولوجياً التي يحتاج اليها فرد أو نشاط لانتاج جميع الموارد التي يستهلكها وامتصاص النفايات التي تتولد عنها وذلك باستخدام التكنولوجيا السائدة وادارة الموارد. بمعنى آخر، مؤشر البصمة البيئية هو مقياس للعيش المستدام. ويُستخدم الـ “هكتار العالمي” كوحدة قياس لهذا المؤشر.

العالم يحتاج الى مرة ونصف مرة مساحته ليكفي حاجاته…

في كل عام تُصدر هذه المنظمة قيمة هذا المؤشر للعالم أجمع ولكل دول منفردة. ويظهر من آخر الأرقام أن العالم يستهلك أكثر مما يستطيع كوكب الأرض التحمل. فمثلاً تحتاج اليابان لـ 7 مرات مساحتها لتستطيع سد حاجات نمط سكانها، قطر الى 6 مرات مساحتها، الولايات المُتحدة الأميركية الى مرتين مساحتها ولبنان الى مرتين ونصف المرة.

وقد قامت المنظمة بوضع نظرة أخرى لهذا المؤشر مستخدمة الوقت. أي بمعنى آخر كم يلزم من الوقت للعالم أو لدولة لاستهلاك الموارد الطبيعية التي يستطيع النظام البيئي أن يُنتج ويستوعب نفاياتها في عام واحد. وهنا الكارثة، حيث تُظهر الحسابات أن العالم استهلك موارد العام 2013 في 20 آب الماضي أي أنه أصبح يستدين من موارد العام القادم (بنفس طريقة الاستيدان من المصرف).

نمط المعيشة يُقرب نهاية العالم…

كما وتُظهر الحسابات أن تاريخ استنفاد الموارد الطبيعية التي يستطيع النظام البيئي أن يُنتجها ويستوعب نفاياتها في عام واحد، يهبط كل عام في تاريخ يسبق تاريخ استنفادها العام السابق. ففي سبعينات القرن الماضي، كان العالم يستنفد هذه الموارد في تشرين الثاني. وفي الثمانينات، تراجع هذا التاريخ الى نصف تشرين الأول ليصل الى شهر أيلول في التسعينات وهذا العام الى شهر آب. وحساباتنا تُظهر أن هذا التاريخ سيتراجع الى أول يوم من شهر كانون الثاني في العام 2097. أي في العام 2097، سيستنفد العالم في يوم واحد كل موارده الطبيعية التي يستطيع النظام البيئي أن يُنتجها ويستوعب نفاياتها في عام واحد. ما يعني المجاعة في العالم والحروب للحصول على الموارد. وكل هذا بسبب النمط الذي يعتمده الانسان في حياته اليومية.

ان نمط المعيشة الذي يتبعه الانسان من ناحية مأكله ومشربه والطاقة التي يستهلكها والمواد الكيميائية التي ينتجها، يُؤدي الى استهلاك الموارد الطبيعية بوقت أقل من قدرة الأرض على تجديد هذه الموارد. بمعنى آخر، أن الأرض بدأت تفقد توازنها البيئي يوماً بعد يوم عبر تغير المناخ نتيجة الغازات المنبعثة بكمية تعجز عن استيعابها الغابات والمحيطات، وقطع الغابات وانقراض الحيوانات… كما وأن زيادة عدد سكان الأرض تدفع الى استهلاك استنزافي لموارد الأرض. باختصار يُمكن القول اننا نستهلك أكثر مما تستطيع الأرض أن تُقدم لنا.

خيال علمي غير عقلاني…

في أوائل آب 2013، قام العالم الهولندي مارك بوست، بعرض قطعة لحم للأكل (steak) مصنعة كلياً في المختبر. وهذا الحدث، حسب صانعه، هو ردة فعل على زيادة الطلب على اللحوم والذي من المتوقع أن يتضاعف في العام 2050 (الفاو). وعلى الرغم من ضخامة هذا الانجاز العلمي، الا أنه تعتريه عدة عيوب تتمثل بعدم فعاليته اقتصادياً (250 ألف يورو للحصول على قطعة لحم تزن 142 غراماً) وأخلاقياً (مناف للتعاليم السماوية) وصحياً (لا أحد يعرف تأثيره على تطور الانسان).

والصورة التعيسة تظهر عندما يعلم المرء أن بعض الدول بدأت بتقديم “لحوم” ليس بعادة المرء أن يأكلها، كالحشرات في فرنسا التي بدأ الطلب عليها يزيد يوماً بعد يوم. حتى إنه توجد أنواع من المعكرونة في فرنسا مُصنّعة بالكامل من الحشرات. وهذا ان دلّ على شيء، يدل على يأس الانسان في ترشيد نمط معيشته حسب الموارد المُتوفرة.

الاقتصاد والبيئة: معادلة صعبة

من المعروف أن علم الاقتصاد هو علم يهتم بدراسة السلوك الانساني كعلاقة بين الغايات والموارد النادرة (ليونيل روبنز). واستعمال روبنز لكلمة “نادرة” أتى من يقينه أن الموارد المتاحة غير كافية لاشباع جميع الاحتياجات والرغبات الانسانية. وبذلك أصبح علم الاقتصاد يدور حول اختيار توزيع الموارد النادرة لتلبية رغبات الانسان.

لكن ازدياد عدد سكان الأرض والارتفاع المُستمر للناتج المحلي الاجمالي للدول، دفعا برغبات الانسان الى مستويات عالية لم تعد معها الموارد الطبيعية للأرض كافية لتلبيتها بالكامل. وبدلاً من ترشيد حاجاته ورغباته، عمد الانسان الى استخدام كل أنواع الموارد المتوافرة مستعيناً بالتقنيات الحديثة وضارباً بعرض الحائط صرخات الطبيعة التي تُعبر كل يوم عن غضبها. وهذا الغضب يتمثل بالكوارث الطبيعية من أعاصير وهزّات أرضية وفيضانات وجفاف واحتباس حراري…

كل هذا يطرح السؤال عن السياسات الاقتصادية المُتبعة من قبل الدول والتي لا تترك مستقبلاً لأولادنا، لأن المجاعة والحروب هي ما ينتظرهم. ومعظم الدول المُتطورة اقتصادياً لم تلتزم بمقررات معاهدة كيوتو ولا معاهدة كوبنهاغ عن اصدار ثاني أوكسيد الكربون ما يزيد الاحتباس الحراري ويزيد خطر ارتفاع مستوى البحر. وحتى إن استخراج النفط والبترول بدأ يطاول المناطق النائية كالغابات والجبال والبحار خصوصاً مع تطور التقنيات ما يزيد التلوث.

لذا من المهم ايجاد الحل الوسط بين المردود المالي، المُحرك الأساسي للسياسات الاقتصادية والتوازن البيئي. هذا الحل هو مسؤولية كل انسان على هذه الأرض.

Print Friendly, PDF & Email